قصائد التيه (2)


سعد محمد حسن
2017 / 2 / 15 - 17:50     

قصائد التيه (2)

(1)
إلى صديق


ضائع في التيه
في مدن أفقدته الذاكرة
سائرا في شوارع لا يعرف أسمائها
وأشكل أبنيتها
وأزقتها
وأصدقاء لا يتذكر ملامح وجوههم
عسى أن يجده صديق
يعرف حكايته
ليخطو معه
ذاك الطريق




(2)
ضياع

كيف لي أن أكون عاشقا
فيما يغيب القمر
وتمسي الليالي
دون نجوم
روحي
أتعبها السراب
والضوء الزائف
واليوم الفائت
ضعت
في مدن بلا ذاكرة
في شوارع بلا عاشقين
وجوه الناس بلا عيون
أفواه الناس بلا ألسنة
قلت يكفي
ويكفي
البحث بات
دون جدوى
الأبواب مغلقة
و الذاكرة تطاردني

(3)
صورة

رجل بثياب رثة
يركن نفسه في زاوية
من رصيف
الجالسون في المقهى
لا يعرفون ماذا يدور في الشارع
كما لا يعرفون وجه الرجل
المارة
لا يعرفون لماذا
يركن نفسه في زاوية من رصيف
المارة مشغولين جدا
وحدها هي التي تساءلت
لماذا يركن نفسه في زاوية من رصيف
قيل لها
ربما من جوع
أو ربما
لا أحد له
لا أحد


(4)

بعض من ذاكرة


روح تصعد لسماء
جسد مسجى
في تابوت من خشب رديء
صراخ وعويل
وأنين مكبوت من جوع

قال صديق لي ذات يوم
أنه لا يتذكر ملامح وجه أبيه ألا ما رسمتها صور قليلة تهالكها زمن وباتت صفراء شاحبة مثل وجوه الموتى ومخيلة لأم منكوبة بفقدان زوجها

ففي ذاكرتها
يرقد حطام حلم
لليل طويل
ظل يراودها دون أمل
ومات بعد حين


كان أبي معتقلا سياسيا أمضى سنة واحدة في السجن أيام الملكية وثلاثة أخريات تحت مراقبة الشرطة السياسية . أضرب عن الطعام أياما عدة وبات شاحب الوجه وضعيف البدن , أمضى سنوات عمره المتبقيات متنقلا من عمل إلى أخر , مات في مستشفى بائس جدا , لم أدرك ألا بعد حين بأن وراء موت أبي هو ليس إهمال العاملين في المستشفى المذكور فحسب بل هو واقع صحي وخدمي مزري وبائس كما لم أدرك قيمة ما كان يفكر فيه والذي عرضة للاعتقال والسجن والمراقبة

هذا القبر
هو قبر أبي
رخامة تحمل أسمه وتاريخ موته
ضريح من النسيان
في ذاكرة الآخرين
قبر بين قبور الموتى
الموتى .....
قد يعودون من جديد
في ذاكرة طفل
كي لا ينسى
في غفلة من زمن
بأن أباه الذي كان
قد رحل منذ سنين طوال
كي لا ينسى
حين تمر السنين
أن يضع أكليلا من ورد
على قبر يرقد بين قبور
لموتى طواهم النسيان



أعرف أن الموتى وحدهم يصنعون المراثي , وحدهم من يمنحنا أحساسا بأننا نملك زمانهم أبي كان أحدهم وهو المغول في مراثينا وأحزاننا أبي الموجوع بهم السياسة وحب الناس , الميت من سوء خدمات الصحة والمستشفيات وإهمال العاملين فيها والقائمين على أدارتها , أعطانا موته المفاجئ يقينا عن قسوة الحياة , عن قسوة ما كان يعانيه , يقينا حين تصير الحياة موتا يحمل في ذاكرتنا , يمشي على أعصابنا يقينا أن نتحسس وقع أقدامنا وأن نتحسس صلابة الأرض التي نسير عليها

أبي ......
قبل ذكرى موتك
غزلت أيامك الشحيحة
وذكرياتك المكتوبة في دفتر صغير
في دفتر جيب
من ورق أصفر اللون
باهت
مثل وقع أيامنا الراهنة
جلست أقرئها
سطرا بعد أخر
أدركت أنك منذ حين
قد أوحيت لنا
أن نمضي مثلما مضيت
أن نحلم مثلما حلمت