كلمة... يوم الشهيد تحية وسلام... ويوم التجمع (التقاعدي) في أربيل وركضة اربيل التاريخية...


أحمد الناصري
2017 / 2 / 13 - 13:42     

وردة وشمعة لكل شهيد، وذكريات ومواقف وبطولات ومواجهة ودروس وأمل واستعادة وحزن لا يتوقف ولا يزول، ذلك ما يتركه الشهيد، وهو كل بقاياه، عندما تجبره قوة غاشمة، لا تعرف معنى الحياة على مغادرة الحياة، في صراع عنيف، بعضه غير مبرر، وآخر لا يمكن تجاوزه... هكذا هي دورة الأشياء بين الأمل والحلم والخراب...
لست ضد الاحتفال واستذكار الشهداء، لكن ليس بيوم (رسمي) لرفع العتب فقط، كنشاط إعلامي ناقص وبائس، دون الاهتمام بالشهداء، وتركهم في كآبة مصيرهم الأخير ودمائهم اليابسة فوق أرض الوطن، كل العام والأعوام والعقود والتجارب...
لست ضد العواطف النبيلة والسامية ودراسة ومراجعة التجارب والدروس والمعاني والعبر، لكنني ضد العواطف الإنشائية الذابلة والمناحات الزائدة، وضد التقديس الذي يمنع ويصادر الكلام والنقد والمراجعات...
بعض الشهداء لم تذكر أسمائهم الثلاثية، وبعض الأسماء خاطئة، لم يسع احد لتصحيحها، مع معلومات خاطئة عن مكان استشهادهم، واهمال وعدم اهتمام لطريقة وظروف اختفائهم وقتلهم. رغم عدم استحالة القضية ومتابعتها والحصول على وثائق تفصيلية بكل الوسائل والطرق. فقد قام رفيق واحد، هو الرفيق خالد حسين سلطان، وبجهود فردية، بعمل كبير واستثنائي في تجميع أسماء مئات الرفاق المنسيين، وكتب معلومات عنهم، كبداية لعمل (مؤسسي) كبير وصعب وطويل.
صادفت ذكرى الشهيد هذا العام، مع نشاط آخر، هو سفر كل او معظم الأنصار من أصحاب التقاعد إلى أربيل، بسرعة فائقة وغريبة. هنا لا أناقش قضية التقاعد، ولا ما شابها من لغط وأخطاء وتجاوزات وخروقات معروفة وأكيدة، حيث شمل منح التقاعد حتى من هم ليسوا أنصار ولم يشاركوا بالتجربة، او جرى منح الرتب والدرجات حسب علاقات وتقييمات شخصية.
لكنني أود طرحها من خلال علاقة ذلك بذكرى الشهداء، وأود التذكير بموقفي من القضية. فقد دعاني الاصدقاء الأنصار لحضور جلسة لمناقشة موضوع التقاعد في منظمة الأنصار. قلت لهم احضر بصفة صديق (كي ألتقي ببعض الأصدقاء) أو ضيف وليس عضوا في المنظمة، لأنها حسب تعريف النظام الداخلي لها (منظمة مجتمع مدني تدعم العملية السياسية الديمقراطية الخ) وانا ضد العملية السياسية الطائفية والوضع السياسي القائم في بلادنا الذي صممه وفرضه الاحتلال بالقوة العسكرية الغاشمة، كما انني لست في سن التقاعد، وكي لا أساهم في المنهبة العامة الجارية في الوطن (لم اطالب بحقوق المعتقل او السجين والمنفي، ربما الخائن الذي سلمني إلى الأمن العام يلغف من الجميع)! لكن قلت لهم لي رأي قد يفيد أو يقلل الضرر. بما إن حركة الأنصار حركة عراقية مسلحة (ليست كردستانية)، فالأفضل والأصح طرح الموضوع على بغداد وعلى وزارة الدفاع كي يشرع قانون وطني لهذه القضية (مقاتلون سابقون ضد الفاشية). وأن يجري الاهتمام بعوائل الشهداء أولاً وقبل كل شيء، ورفاق الداخل من المرضى وكبار السن والمحتاجين، لأن وضع كردستان غير دائم، خصوصا الاعتماد على حزب أو عائلة البارزاني وبعلاقات شخصية. فماذا لو انفصل الإقليم أو العائلة عن العراق؟ أو جرى أي خلاف سياسي مع العائلة الحاكمة؟ وما هو الموقف السياسي من الوضع الحالي الذي فرضته العائلة؟ ما هو مصير التقاعد والحقوق؟ هل هذا السلوك فيه دعاية ودعم وصمت وتغطية للعائلة؟ هل هو مبرر وتغطية باسم الرفاق العرب كي يقبض آلاف البشمركة الفضائيون من الحجوش وغيرهم وكي تتحسن صورة المانح؟ هناك أسئلة حقيقية كثيرة...
لم يتجمعوا هكذا وبسرعة حول قضايا مصيرية كثيرة، سياسية وثقافية، تتعلق بمصير الوطن واحتلاله ومحاولة تقسيمه والقتل الجماعي الواسع والرهيب والطائفية القذرة، لكنهم ركضوا بسرعة عداء عالمي نحو اربيل، وهم لا يرون التخريب والنهب والأخطاء والمواقف العلنية ضد الوطن.
أعرف عدد كبير ممن سارع وتكالب على كردستان، أنه ضد الحزب وضد تجربة كردستان ولم يساهم في أي نشاط ولم يقدم او يكتب أية معلومة حتى عن أصدقائه الشهداء بل رفض ذلك (أنهم يرفضون مجرد تذكيرهم بالتجربة ويقرفون من ذكرها، كما كانوا تابعين للقيادة)، وهم لا تهمهم قضايا الناس والوطن، وقد انفصل البعض عن كل شيء، او له مواقف معادية صريحة، لكنه سارع إلى اربيل بلمح البصر حسب توجيه سريع لأخذ بصمة العين أو الأصابع، بسبب كشف تزوير واسع تمارسه بعض العناصر...
هناك كبار سن تجاوزوا الثمانين من العمر حضروا وهم يتدافعون على التقاعد، بينما يعيشون حياة طبيعية مكفولة السكن والتامين الصحي والطعام وكل الحاجيات الأساسية، مع إن بعضهم لم يكن نصيراً...
هل التقاعد أهم من نشاط للوطن والناس؟ هل التقاعد أهم من دم منتصر أو حجي حامد؟
إن ما يجري هو نتيجة تدريجية طبيعية للسلوك الانتهاري الأول وتدحرجه وتداعياته... انها فضيحة جديدة...
في ذلك اليوم الحزين، في صباح 14 شباط 1949، فهد ورفاقه يدفعون حياتهم دفاعا عن حلم وطني بسيط، دون مقابل غير حب الوطن والناس...
لنستعيد وردة وحلم الشهداء من التجاهل والضياع...