بعض من ذاكرة


سعد محمد حسن
2017 / 2 / 11 - 17:10     

بعض من ذاكرة

روح تصعد لسماء
جسد مسجى
في تابوت من خشب رديء
صراخ وعويل
وأنين مكبوت من جوع

قال صديق لي ذات يوم
أنه لا يتذكر ملامح أبوه ألا ما رسمتها بعض من صور قليلة تهالكها الزمن وباتت صفراء اللون و مخيلة أم منكوبة حينها بفقدان زوجها

ففي ذاكرتها
يرقد حطام حلم
لليل طويل
ظل يراودها دون أمل
ومات بعد حين


كان أبي معتقلا سياسيا أمضى سنة واحدة في السجن أيام الملكية وثلاثة أخريات تحت مراقبة الشرطة السياسية . أضرب عن الطعام أياما عدة وبات شاحب الوجه وضعيف البدن , أمضى سنوات عمره المتبقيات متنقلا من عمل إلى أخر , مات في مستشفى بائس جدا , لم أدرك ألا بعد حين بأن وراء موت أبي هو ليس إهمال العاملين في المستشفى المذكور فحسب بل هو واقع صحي وخدمي مزري وبائس كما لم أدرك قيمة ما كان يفكر فيه والذي عرضة للاعتقال والسجن والمراقبة



هذا القبر هو قبر أبي
رخامة تحمل أسمه وتاريخ موته
ضريح من النسيان
في ذاكرة الآخرين
قبر بين قبور الموتى
الموتى ...
ربما يعودون من جديد في ذاكرة طفل
كي لا ينسى
في غفلة من زمن
بأن أباه الذي كان
قد رحل منذ سنوات طوال
كي لا ينسى
حين يكبر ويمر الزمان
أن يضع أكليلا من ورد
على قبر يرقد بين قبور
لموتى طواهم النسيان
.



أعرف أن الموتى وحدهم يصنعون المراثي , وحدهم من يمنحنا أحساسا بأننا نملك زمانهم أبي كان أحدهم وهو المغول في مراثينا وأحزاننا أبي الموجوع بهم السياسة وحب الناس , الميت من سوء خدمات الصحة والمستشفيات وإهمال العاملين فيها والقائمين على أدارتها , أعطانا موته المفاجئ يقينا عن قسوة الحياة , عن قسوة ما كان يعانيه , يقينا حين تصير الحياة موتا يحمل في ذاكرتنا , يمشي على أعصابنا يقينا أن نتحسس وقع أقدامنا وأن نتحسس صلابة الأرض التي نسير عليها

أبي
قبل ذكرى موتك
غزلت أيامك الشحيحة
وذكرياتك المكتوبة في دفتر صغير
في دفتر جيب
من ورق أصفر
باهت اللون
مثل وقع أيامنا الراهنة
جلست أقرئها
سطرا .. بعد أخر
أدركت من أنك قد أوحيت لنا
أن نمضي مثل ما مضيت
وأن نحلم مثل ما حلمت