-صنع في أمريكا- بين ترغيب اوباما و تهديد ترامب.


سعيد زارا
2017 / 2 / 11 - 03:09     

لقد فجرت تصريحات "تغريدات" ترامب, سواء أثناء ترشحه لمنصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أو خلال إقامته في البيت الأبيض, العديد من السجالات و الجدالات حول ما إذا كان جادا في تحقيق برنامجه الانتخابي و مدى قدرته في تسخير الإمكانيات التي ستجعل برنامجه "المريع" قابلا للتحقيق و خصوصا فيما يتعلق بإعادة الإنتاج البضاعي و ليس عودة مادامت العملية سيتم تفعيلها عن طريق التهديد.

قبل رونالد ترامب , تبنى الرئيس الأمريكي السابق اوباما صيحة عودة الصناعة الأمريكية إلى موطنها هذا و قد عزى علة الاقتصاد الأمريكي إلى إقلاعه عن الإنتاج البضاعي بعد أن عصفت الأزمة المالية 2007/2008 بالنشاط الاقتصادي العالمي.

كان هاري موريز احد كبار رجال الأعمال في أمريكا الداعمين لمبادرة عودة الصناعة ( reshoring" initiative") و قد طالب القيادة الأمريكية دعم هذه المبادرة التي أطلقها خلال 2010 و أن تذكر بمزايا العودة و تقدم العون للشركات الراغبة في الالتحاق بموطنها.

استحسن الرئيس الأمريكي اوباما آنذاك صيحة هاري و شد على أهمية ترجمة المبادرة إلى ارض الواقع و خطب يومه 15 من شهر فبراير 2012 , متوجها إلى الشركات الرأسمالية المهاجرة, قائلا: " أولا , إن كنتم شركة ترغب في المغادرة , لكم هذا الحق, لكن لن تحصلوا على خصومات جبائية لذلك (...) ثانيا, تجدر الإشارة انه لا يمكن لأي شركة أن تتجنب دفع نصيبها من الضرائب عند كل تحويل لوظائف و أرباح إلى الخارج (...) و كل فلس سيعود إلى القروض الضريبية لكي تستفيد منه الشركات التي قررت البقاء و التشغيل هنا في الولايات المتحدة الأمريكية (...) ثالثا, إذا أردتم الاستقرار في المناطق المتضررة من الأزمة , ستحصلون على مساعدات للاستثمار." هذا و قد تعهد اوباما باستقطاب 30 بالمائة من مجموع المصانع الأمريكية الموجودة في الصين قبل حلول 2020.

مضت أزيد من خمس سنوات و نحن على مشارف 2020 و عملية عودة الإنتاج البضاعي كما رغب اوباما لا زالت متعثرة حيث معظم الشركات المهاجرة لا ترغب في العودة نظرا لارتفاع تكاليف الخدمات من نقل و تامين و ... تثقل كلفة البضاعة و تفقدها بالتالي تنافسيتها أمام مثيلاتها الأسيوية و خصوصا الصينية.

لم يفلح اوباما في إقناع الشركات الرأسمالية إلى العودة رغم التسهيلات و الهدايا الجبائية التي قدمها , فهل ينجح في ذلك خلفه في البيت الأبيض رونالد ترامب؟؟؟

لقد توعد الرئيس الأمريكي الحالي إحياء "صنع في أمريكا" الذي انهارت دعاماته منذ سبعينات القرن الماضي عندما استقلت المحيطات عن النواة الرأسمالية بفعل ثورة أكتوبر العظمى و انفك النقد العالمي عن الغطاء الذهبي.

تأخذ معركة ترامب في إعادة الإنتاج البضاعي إلى أمريكا حسب "تغريداته" في تويتر التهديدية مجموعة من التدابير الاقتصادية :

* أولى التدابير التي يتفاخر بها ترامب و فريقه هي مواجهة "صنع في الصين". بكل سهولة, يهدد ترامب مغردا, يكفي اللجوء إلى السياسة الحمائية و فرض تعرفة جمركية على المنتوجات الصينية بنسبة 45 بالمائة لكي تعود المصانع الأمريكية إلى موطنها بالتالي يتم استرجاع "مناصب الشغل التي سرقتها أمريكا" و هذا يعني أن التعرفة ستكلف الصين 400 مليار دولار ما يعادل 5 بالمائة من إنتاجها الإجمالي.

*شملت تهديدات ترامب الشركات الأمريكية المهاجرة أيضا حيث "غرد" كما العادة مهددا إياها : "اصنعوا في أمريكا و إلا دفعتم ضرائب مرتفعة في الحدود", و قد توعد بفرض ضريبة تصل إلى 10 بالمائة على أرباحها و إن عادت استفادت من انخفاض ضريبي. كان أول المهددين شركة السيارات العملاقة جنرال موتورز التي تراجعت عن إنشاء فرع أخر في المكسيك , و قد تراجعت فورد أيضا بعد هذا بأسبوعين فقط عن إنشاء مصنع في المكسيك و الإقرار ببنائه في ميتشغان.

يرى المحللون الاقتصاديون في هذه التدابير فتيل حرب تجارية ستشتعل بين قوتين عالميتين, و كأن المبادلات التجارية لم تنطو يوما على صراع المصالح. فعلى مستوى السياسة الحمائية يرى هؤلاء المحللون أن ترامب لا يمكن أن يفعل ذلك دون أن يخل بميثاق منظمة التجارة العالمية "دستور المبادلات الدولية" و ما سيلحق بذلك من أضرار , كما أن المستهلك الأمريكي الذي يشتري المنتوجات الصينية سيفقد قوته الشرائية نظرا لغلاء المنتوجات الأمريكية. و على مستوى إرغام الشركات المهاجرة على العودة فشتان بين التهديدات و الواقع, فقد أعلنت شركة "ابل" دون تكترث لتهديدات ترامب عن استمرارها في الاستثمار خارج الحدود الأمريكية حيث أقرت الشركة تشييد مركزين خلال 2017 في كل من اندونيسيا و الصين.

يتوجب على القادة الأمريكيين الراغبين في عودة الإنتاج البضاعي إلى موطنهم قبل مناشدتهم أو تهديدهم للشركات الرأسمالية المهاجرة بالعودة أن يقدموا على تدابير تقوض إنتاج البورجوازية الوضيعة الذي يتعدى 80 بالمائة من الإنتاج الإجمالي المحلي للولايات المتحدة الأمريكية. بدون تقويض البورجوازية الوضيعة و نشاطها الذي لا ينتج الثروة بل يدمرها . جهود هؤلاء القادة لا جدوى منها كمن يصب الماء في الرمل.

فهل يستطيع ترامب أن يقبل على تدابير تعيد النظام المالي , كما كان عهد الرأسمالية قبل سبعينات القرن الماضي, يخدم الإنتاج البضاعي و المادي بشكل عام بعد أن تسيد عليه و أصبح الأخير خادما للطغمة المالية, خصوصا و أن الإنتاج المادي لا ينال إلا نسبة ضئيلة لا تتعدى في أحسن الحالات 4 بالمائة من مجموع التحويلات المالية و المداولات في "سوق" المال المدارة يوميا؟؟؟

فهل يستطيع القادة الأمريكيون أن يعلنوا الحرب على البورجوازية الوضيعة المدخل الوحيد لعودة الإنتاج البضاعي؟؟؟

إن هجوم القادة الأمريكيين و مطالبة الشركات المهاجرة إلى العودة لهو دليل على المرور جانبا و في صمت مقصود بجوهر المشكل و هو محاصرة البورجوازية الوضيعة و تقويضها.

"صنع في أمريكا" لم تعد بترغيب اوباما و لن تعود بتهديد ترامب.