إشكاليات التنظيم في مصر ما بعد 25 يناير 1-تنظيمات العمال


إلهامي الميرغني
2017 / 2 / 8 - 04:04     

إشكاليات التنظيم في مصر ما بعد 25 يناير
1- تنظيمات العمال
إلهامي الميرغني
ظلت حركة اليسار المصري لعقود طويلة تعمل علي اشكال محددة من التنظيم هي النقابات العمالية والتعاونيات والأحزاب والمنظمات السياسية .ولم نعرف تنظيمات فلاحيه راسخة رغم التاريخ الطويل من الهبات والكفاح الفلاحي في الريف المصري منذ بدأت الملكية الخاصة في الأرض الزراعية وحتي الآن.
بدأت النقابات العمالية في مصر عام 1899 مع إضراب لفافي السجاير واستمرت وراكمت الكثير من الخبرات والتراث العمالي.وظلت الحركة النقابية المصرية منذ نشاتها وحتي عام 1942 تعمل بدون وجود تشريع يحمي النقابات العمالية . لكن الإرادة الحرة للعمال هي التي كانت تجمع العضوية وتضع اللوائح والنظم وتعقد الجمعية العمومية التي تضم كل الاعضاء وتجمع الاشتراكات وتقود النضال العمالي بدون قانون وبدون حماية من الدولة. بل أن حكومة الوفد عام 1924 حاربت النقابات العمالية وحلت اتحاد العمال المصري مواكبة لحل الحزب الاشتراكي المصري الأول واستمرت النقابات المستقلة وقاومت التبعية لحزب الوفد.
الهدف من هذا الحوار هو ان الحركة النقابية المصرية في نشأتها الأولي لم تعتمد علي دعم الدولة ولا علي تنظيم قانوني بل شكلت تنظيمها للدفاع عن حقوقها ومصالحها في الأجور الأعلي وشروط العمل الأفضل . وخاضت عشرات الاضرابات والاحتجاجات الكبري منذ عام 1907 وحتي ارسال مندوب للمؤتمر الدولي لاتحاد النقابات العالمي سنة 1945 ثم المشاركة في اللجنة الوطنية للطلبة والعمال سنة 1946. وكذلك تأسيس اللجنة التحضيرية لاتحاد نقابات عمال مصر والتي كان مقرر اجتماعها يوم 26 يناير 1952 الذي احترقت فيه القاهرة.
مرت الحركة العمالية بمراحل مختلفة منذ عام 1952 وحتي 25 يناير.كما شهدت الحركة الاحتجاجية صعود كبير منذ نهاية عام 2006 وحتي فبراير 2011. خلال هذه الفترة ولدت أوائل النقابات المستقلة للضرائب العقارية واصحاب المعاشات والمعلمين والفنيين الصحيين. وبعد 25 يناير أعلن الدكتور أحمد البرعي إعلان الحريات النقابية والذي كان إشارة البدء لتأسيس عشرات من النقابات المستقلة الخارجة عن سيطرة الدولة والمعتمدة علي اتفاقيات منظمة العمل الدولية والحقوق العمالية التي اقرتها المعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر.
عندما عقدت انتخابات التنظيم النقابي الحكومي لدورة 2006 -2011 قامت الأجهزة الأمنية بشطب 27 ألف نقابي وحرمانهم من الترشح للانتخابات النقابية.وكانت القيادات النقابية والعمالية قد أسست في عام 2001 اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية والتي استمرت اجتماعاتها حتي ما بعد ثورة 25 يناير، وقد لعبت اللجنة دور هام في تطوير حركة الحريات النقابية وخاضت نضال قانوني انتزعت من خلاله احكام ببطلان انتخابات الاتحاد الحكومي من القاعدة للقمة في دورتي 2001 و 2006. وفي عام 2008 توصلت لإعداد مشروع متكامل لقانون الحريات النقابية .
كانت الحركة النقابية والعمالية منذ نشأتها وحتي ثورة 25 يناير باستثناء نقابات الدولة التي بدأت منذ عام 1954 ومستمرة حتي الآن.هي حركة مستقلة تدافع عن الحقوق العمالية والنقابية ولذلك فإن قادتها معرضين للفصل من العمل والاضطهاد والتشريد والاعتقال ولا يوجد بها مكاسب أو مغانم بل مسئولية كبيرة.
لذلك عندما انطلقت حركة النقابات العمالية المستقلة بعد اعلان البرعي في مارس 2011 سعت حركة الحريات النقابية لتأسيس عشرات النقابات المستقلة ولكن لم تتوقف الدولة واجهزتها واسست ايضا العديد من النقابات المستقلة والاتحادات المستقلة مثل النقابة العامة للفلاحين واتحاد العمال الذي يرأسه أحمد خيري والذي تم اختياره في لجنة الخمسين لوضع الدستور.
كما أن الخلافات الشخصية وتدخلات بعض منظمات المجتمع المدني والتمويل الأجنبي. قد لعب دور كبير في تخريب حركة الاستقلال النقابي. حيث تحول بعض النقابيين الي سائحين ينشرون صورهم في مختلف عواصم العالم ليصنعوا جدار فصل كبير بينهم وبين قواعدهم العمالية التي تعاني مئات المشاكل.بعض القيادات تنقل الصور في فنادق الخمس نجوم والقري السياحية والعواصم الأجنبية لعمال يكافحون من أجل القوت الضروري. لذلك تحول العمل النقابي من كونه خطر يقود للفصل او الاعتقال الي غنيمة تقود لفنادق الخمس نجوم والقري السياحية والسفريات ويحصل خلالها الحضور علي بدلات مجزية صنعت منهم فئة منتفعة بما أضر أكبر الضرر بحركة الحريات النقابية .
بل لقد بدأت بعض النقابات الجديدة تمارس نفس اساليب النقابات القديمة في ختم اوراق البطاقات وجوزات السفر وهو عمل لا علاقة له بالنقابات من قريب أو بعيد.واصبحت عشرات النقابات شكلية وعاجزة عن عقد جمعية عمومية صحيحة لأعضائها. وتوقفت بعض النقابات نتيجة توقف جهة العمل عن خصم الاشتراكات النقابية وكأن ذلك هو دور الإدارة وليس دور النقابة العمالية .
إن كل الجهود التي بذلتها حركة الاستقلال النقابي منذ مطلع الثمانينات وحتي الآن تتعرض لأزمة كبيرة ومفترق طرق. فإما ان تحقق النقابات الجديدة استقلالها الحقيقي وتعود لممارسة تقاليد النقابات المستقلة في مطلع القرن الماضي وقبل صدور قانون النقابات، لتجمع اشتراكاتها وترفع وعي اعضائها وقياداتها وتناضل وسط عمالها أو ستتحلل وتختفي لتترك العمال فريسة لتنظيمات الدولة البوليسية.
كما نجحت جهود الثورة المضادة في بناء حائط من الشك والريبة بين النقابات العمالية والأحزاب السياسية بدعوي ان الأحزاب تسطو علي العمل العمالي من ناحية وبزعم ان النقابات ليس لها دور سياسي من ناحية أخري.أولا رد علي دعوي السطو علي النقابات فلقد قلنا وأكدنا مرارا وتكرارا علي أهمية استقلال النقابات العمالية عن الأحزاب السياسية لأن النقابة تضم كل العمال بغض النظر عن انتمائتهم السياسية والحزبية.لكن العمل المشترك بين النقابات والأحزاب حول مختلف القضايا ضرورة وفرض أساسي.ولا تغيير بدون تضافر جهود كل التنظيمات المنحازة للعمال والفلاحين . كما أنه من الطبيعي ان ينخرط بعض قيادات واعضاء التنظيمات النقابية في أحزاب سياسية ويمارسون كل الانشطة الحزبية ولكن داخل النقابة العمالية هم نقابيين غير حزبيين لكي لا نعيد تكرار تجارب الاتحاد السوفيتي والاتحاد الاشتراكي.
أما الحديث المغلوط عن بعد العمل النقابي عن السياسة فهو أكذوبة كبري. فالنقابات العمالية تعمل علي سياسات التوظيف والتشغيل وسياسات العمل وكذلك سياسات الأجور والحوافز وسياسات الحماية الاجتماعية وكذلك الحريات السياسية المرتبطة بالعمل النقابي مثل حرية التنظيم وحرية الاجتماع وحرية النشر وحرية الاضراب والتظاهر والاعتصام السلمي. لذلك لا معني لفصل النقابات العمالية عن العمل السياسي في نطاق الاهتمامات النقابية والعمالية. عندما تناقش النقابات قانون الخدمة المدنية أو قانون الحريات النقابية أو قانون الضرائب فهي قضايا ترتبط بصميم العمل النقابي والأجور وشروط العمل .
لقد بدأت الحرب علي النقابات المستقلة منذ 30 يونيو حيث تم وقف تسجيل نقابات مستقلة جديدة واستمرار التجديد لاتحاد العمال المنحل حتي يناير 2017 . التجديد لاتحاد انتهت مدته في 2011. وكذلك رفض ايداع تغيرات مجالس إدارات النقابات العمالية المستقلة ثم وقف خصم الاشتراكات النقابية لصالح النقابات المستقلة ورفض اصدار خطابات من وزارة القوي العاملة للبنوك بالتشكيلات الجديدة ووقف اعتماد اختام النقابات المستقلة واخيرا الدعوات القضائية بعدم مشروعية النقابات المستقلة .
أن الحريات النقابية مستمدة من الاتفاقية 87 لسنة 1948 والاتفاقية 98 لسنة 1949 والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ودستور 2014 وكل الإجراءات التي تتم بالمخالفة لذلك هي إجراءات باطلة. هذا عن الشرعية القانونية أما الشرعية الحقيقة فهي تستمد من وعي العمال وايمانهم بالتنظيم النقابي وانتظامهم في جمعياتهم العمومية كأعلي سلطة داخل النقابة واستمرار التواصل مع مجلس الإدارة والانتظام في سداد الاشتراكات النقابية. بدون ذلك تتاكل شرعية النقابات المستقلة وتتحلل وتختفي من الوجود.
لذلك وبعد ست سنوات من إعلان الحريات النقابية وقيام عشرات النقابات المستقلة نجد أهمية تطهير الصف النقابي وخاصة من النقابات التي أنشئتها السلطة والأجهزة الأمنية مثل نقابة المعالجين الروحيين ونقابة مدربي التنمية البشرية ونقابة البقالين التموينيين وغيرها. ومهم بناء قدرات النقابات المستقلة بشكل يدعم وجودها ونفوذها وسط قواعدها.
لدينا جيل من القيادات النقابية والعمالية المستعدة لتلعب دور في دعم قدرات النقابات المستقلة.في نهاية مارس 2011 وبعد ايام من اعلان الدكتور البرعي للحريات النقابية ، نشر الزميل صابر بركات كتابه الهام " كيف تؤسس نقابة عمالية " وفي يناير 2016 بعث برسالة هامة بعنوان " الحركة النقابية المصرية .. المأزق .. والحل" .وشرح صابر أهمية حرية الاختيار والاستقلال النقابي وممارسة الحرية والتشاركية.لكن للاسف لم تتفاعل الحركة النقابية مع ما طرحه الزميل صابر بركات وظلت كل نقابة تفكر في المواجهة بشكل فردي وكأنها قضية خاصة وليست قضية عامة.
إن التعسف بحق النقابات المستقلة والنقابيين يتزايد والفصل التعسفي للقيادات النقابية يتزايد . لذلك يجب أن تضع النقابات خطة لدعم قدراتها وتقوية بنيتها وتضامنها علي المستوي القطاعي والجغرافي والقومي والدولي. فهذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن ان تسكله الحركة النقابية للخروج من الأزمة.إن مواجهة الأزمة الحالية تحتاج للتحرك علي محورين :
الأول – دعم قدرات المنظمات النقابية ودعم التشاركية والاستقلالية والتمثيل العمالي الحقيقي. يجب ان تجمع النقابات اشتراكات الاعضاء بنفسها ولا تنتظر ان تفعل لها الإدارة ذلك. يجب ان تركز علي الدفاع عن شروط العمل اللائق والأجور الأعلي وشروط العمل الأفضل ولا تبحث عن مصادر تمويل النقابات القديمة.فاختام البطاقات والجوزات ليست عمل النقابة بل ان جوهر عملها ونشاطها هو الدفاع عن حقوق عمالها.
كما أن تحقيق الترابط والتفاعل المستمر بين مجلس الإدارة والجمعية العمومية هو الكفيل بالحفاظ علي وحدة النقابة وقوتها. وكذلك فإن الحرص الدائم علي تنمية العضوية وتوظيف كل النشطاء في لجان متخصصة تعمل علي قضايا نقابية محددة بما يضمن وجود صفوف متتالية من القيادات النقابية. لأنه اذا اطيح بمجلس النقابة تحت أي ظروف تكون النقابة قادرة علي العمل والاستمرار وممارسة نشاطها .
الثاني – زيادة التفاعل والترابط بين النقابات المستقلة والأحزاب السياسية في المعارك المشتركة مثل معارك التشريعات والأجور والاسعار والحماية الاجتماعية وغيرها. لمواجهة الهجوم المستمر يجب علي النقابات ان توسع جبهة حلفائها بالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وكل الجادين في دعم الحريات النقابية.
إن حركة الحريات النقابية تمر بمنعطف كبير وعليها أن تثبت وجودها وتقوي صفوفها لمواجهة الأزمة والا لا نلوم إلا أنفسنا.
إلهامي الميرغني
7/2/2017