هل يبرر ترامب امال موسكو ؟


فالح الحمراني
2017 / 1 / 29 - 15:55     

هل يبرر ترامب امال موسكو ؟


خفتت في روسيا حدة الابتهاجات التي تأججت بعد فوز رونالد ترامب بمنصب الرئاسة، وانحسرت الاصوات التي راهنت على ان " ترامب سيكون رجل روسيا في البيت الابيض"، وحلت محلها حالة من الترقب والتطلع الى الخطوات والتصريحات او حتى المراسيم التي سيوقعها الرئيس الجديد ذات الصلة بروسيا. فترامب أشار خلال حملته الانتخابية الى انه يعتزم تحسين العلاقات مع روسيا، وجذب بهذا موسكو له، وهو بذلك يشبه معظم الرؤساء الذين سبقوه. ولكن السؤال الذي يراود اوساط الراي العام عما اذا سينجح ترامب بهدفه، ام انها سيفشل كما فشل أسلافه: بوش وكلينتون واوباما. وتدرك موسكو ان هناك العديد من العراقيل والانقاض التي ينبغي ازاحتها قبل المضي في الطريق نحو ارساء علاقات جديدة تخدم مصلحة البلدين التي تؤثر على اجواء الساحة الدولية.
وتخلت موسكو عن خطابها السابق الذي يبالغ بالإشادة بترامب وتفضيله على منافسته هيلاري كلينتون، وراحت تتحدث بخطاب بارد مغاير، مفاده انها لاتنتظر شيئا خاصا بها من الإدارة الامريكية الجديدة. وتحصر اهدافها بالعودة الى المعايير في العلاقات، بما في ذلك إحترام السيادة والمصالح والتحلي بالمسؤولية ازاء القانون الدولي، لاسيما عدم التدخل في الشئون الداخلية. وتريد أن تتعامل معها واشنطن بندية وان تكف عما تصفه بسياسة الإستعلاء التي مارستها الادارة السابقة. والاحتمالات في العلاقات مع واشنطن في ظل رئاسة ترامب مازالت مفتوحة. فقد كانت مراحل حينما بدأ الطرفان على موجة جيدة ارتفعت الى مستويات عالية ومن ثم انزلقت الى التأزم. وشهد تاريخ علاقات البلدين ايضا حالات بدأت في الجمود ومن ثم هبت رياح دافئة عليها. ويدعو الكرملين الى أن تقوم الادارة الجديدة بإعادة النظر العميق في موروث ادارة الرئيس السابق وان تخرج باستنتاجات مفيدة.
وسيلقي اللقاء الاول بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره رونالد ترامب، الذي يدور الكلام والتكهنات عنه الان في ماوراء الكواليس، الشيء من الوضوح على المسارات التي يمكن ان تتجه بها العلاقات الجديدة بين موسكو وواشنطن.
وفي جعبة موسكو العديد من الاجندة التي سيحدد تعامل ترامب وادارته معها، الموقف الروسي وطبيعة العلاقات القادمة، وإن كانت ستؤسس على ان البلدين سيكونان خصمين محتم عليهما التعايش بأمن وسلام، أم انهما شريكان يتحركان ينسقان التحرك على الساحة الدولية لما يخدم مصالحهما.
والسؤال الذي يشغل موسكو الان هو فيما اذا سيلغي ترامب بجرة قلم العقوبات والاجراءات التي فرضتها الادارة السابقة، اتصالا بالاحداث في اوكرانيا وانضمام شبه جزيرة القرم لروسيا، والتي كلفت الاقتصاد الروسي وحتى الامريكي ودول اخرى خسائر لا يستهان بها. ولكن ما هو الثمن الذي سيطالب به ترامب؟ وهل سيعترف فعلا بمشروعية انضمام القرم لروسيا، كما افاد مرة في احدى خطبه الانتخابية. وضمن هذا السياق استقبل الكرملين ببرود افكار ترامب التي ربط فيها رفع العقوبات على روسيا بإجراء تخفيضات على الترسانات النووية. وقال ان ليس هنالك صلة بين العقوبات والاسلحة النووية. ولا تخطط روسيا وربما لحتى 2020 وفقا لاتفاقية باريس النظر، باجراء تخفيض اكثر على قدراتها النووية الحالية المكونة من 700 صاروخا و1550 قنبلة، وهو الدرع الذي تراهن على حماية امنها وقوة ردع للخصوم المحتملين. ولكن قد تخفف من موقفها في ضوء خطوات يعزز ثقتها بمصداقية الرئيس الجديد.
وتنتظر موسكو ايضا من ترامب ان يعيد النظر في خطط الادارة السابقة بنشر نظام الدفاع المضاد للهجوم على تخومها في دول اوروبا الشرقية، الذي حسب تأويلها يستهدف قدراتها النووية، وربما ان روسيا ستطرح على الإدارة الجديدة مبادراتها السابقة الرامية لإقامة درع نووي غربي/ روسي مضاد للصواريخ التي انتشرت تكنلوجياتها الى دول اقليمية. وكانت الدوائر الروسية قد تلقت بإرتياح تصريحات ترامب بشأن مستقبل حلف الناتو ودعوته لتقليص التمويلات الأمريكية له، ولاسيما على خلفية تصعيد نشاطه مؤخرا في دول البلطيق وتوسيع صفوفه، ووقوف جمهوريتي جورجيا واوكرانيا في الطابور للانضمام له، علاوة على نشر 3 آلاف مجند امريكي في شرق اوروبا قرب الحدود الروسية.
فضلا عن ذلك تتمحور الشروط الروسية من أجل تنقية أجواء العلاقات مع الولايات المتحدة، ايضا تقليص البنى العسكرية الامريكية وخفض التواجد العسكري في اراضي بلدان حلف الناتو، وامتناع الولايات المتحدة عن ما تسميه موسكو بالسياسة غير الودية ازاء روسيا التي يمكن ان تتجسد في الغاء امريكا قانون " لائحة ماجنيتسكي" لعام 2012 والقوانين الاخرى غير الودية من روسيا لعام 2014 التي تستهدف فعاليات سياسية وعلمية ورجال اعمال من روسيا.كذلك تطالب موسكو بالتعويض عن الاضرار التي لحقت بها جراء العقوبات.
ان روسيا من دون شك ستدرس بامعان دعوات ترامب بصدد التعاون المشترك لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية كما انها ستطرح رؤيتها للتعاون في الشرق الاوسط. وقد ظهرت بوادر مثل هذا التعاون حال دخول ترامب للبيت الابيض، حيث اطلعت قيادة التحالف الدولي لمكافحة الارهاب ولأول مرة منذ نشوب النزاع السوري، على منشاءات مخازن اسلحة وادارة تابعة للدولة ولفتح الشام، وتم قصفها من قبل المقاتلات الروسية. والكرملين لا يخفي الاستعداد على مجال واسع وبمختلف الاشكال للتعاون مع البنتاغون على هذا السبيل. ولا يستبعد ان يتفاعل البلدين في حال توافر الثقة.
وستتمحور الملفات الامريكية التي تكدس ازاء تحركات روسيا في ما يراه الغرب التحرش في دول البلطيق وفي محيط الاتحاد السوفياتي والعمل على التاثير عليها لابقاءها في محورها، فضلا عن التهم بتدخل روسيا في الشئون الداخلية ودعم الانفصاليين في منطقة الدونباس في شرق البلاد، وكذلك بانضمام القرم الذي لم يعترف الغرب بالاستفتاء الذي جرى فيها على رغبتها الانضمام الى روسيا، ليحسبها جزء من الاراضي، وغيرها من الاوراق التي تتعلق بالمصالح الامريكية في مختلف بقاع العالم.
ولا يستبعد مدير مركز كارنيجي في موسكو دمتري ترينينان ان يتراجع ترامب ويعود للسير على طريق سابقيه، ويمكن ان يردد المزاعم القائلة بان الكرملين أثر بشكل واسع على الحملة الانتخابية في امريكا، بيد ان هذا لم ينعكس باي شكل من الاشكال على نتائجها، ومقابل الاعتراف بكون روسيا خصما، يمكن ان يحصل ترامب على اعتراف النخبة السياسية بشرعية انتخابه، وربما يقوم بهجمة على الصين ايضا وهذا بدوره سيؤدي الى تفاقم في العالم.
علاوة على ذلك تدرك موسكو ان مطبخ السياسة الداخلية الامريكية لا يقوم فقط على ارادة رئيس البلاد، فثمة الكونجرس الذي لا يستطيع الرئيس ان يخطو خطوة واحدة من دون موافقته في بعض الحالات، وهناك البنتاغون واجهزة المخابرات والقوى السياسية التي لم يعجبها فوز ترامب ووجهات نظره بصدد مكانة امريكا في العالم.
وارسلت روسيا عدة اشارات ودية للادارة الجديد وكان الاكثر جدية منها هو امتناع الكرملين عشية العام الجديد عن طرد دبلوماسيين امريكيين كرد على طرد ادارة اوباما طرد 35 دبلوماسيا روسيا، والاحجام عن الرد على العقوبات الجديدة التي فرضتها الادارة السابقة، وتاكيد وزير الخارجية لافروف ان بلاده مستعدة للحوار مع ادارة ترامب حول الاستقرار الاستراتيجي.