قانون انتخابي لتجديد الاستبداد


محمد علي مقلد
2017 / 1 / 17 - 23:42     


مكرهاً يمضي المجلس النيابي اللبناني إلى القيام بدور تشريعي، من غير أن يكون مؤهلاً لذلك. إذ إن نظام الوصاية لم يقصر، منذ اللحظات الأولى لاتفاق الطائف، في جعله صورة منسوخة وممسوخة عن شقيقه ووصيّه السوري. وهو كان بارعاً في صوغ توليفة تجمع ما في صندوقة الاقتراع من قشرة ديمقراطية وما في الحرب الأهلية من سطوة ميليشيوية، ليولد منهما مخلوق عجيب، مجلس نيابي استكمل( ماضي للمجهول) تشكيلُه(نائب فاعل) عن طريق التعيين في الدورة الأولى، ثم غدا التعيين، بقدرة قادر، تقليداً راسخاً ومؤبداً.
في المرة الأولى أعدت لائحة الأسماء على طاولة سيادة العقيد، وفي الثانية تشكلت المحادل الانتخابية وتم اختيار سائقين يحفظون عن ظهر قلب كل المنعرجات والحفر على الطريق بين بيروت ودمشق، واقتصرت مهمة "نائب الأمة" على رفع تقرير عن مشاهداته عند نهاية الاسبوع، شرط أن يلتزم في رفعه تسلسل الرتب العسكرية وحدود محل إقامته. عقوبة من لا يلتزم تمتد من صفعة معنوية أو مادية إلى حدود الشطب بالكوريكتر من قائمة "ركّاب" الحافلة- اللائحة في الدورة التالية... ومن شب على شيء شاب عليه.
مجلس تقتصر مهمة أعضائه على كتابة التقارير وتمثيل الزعيم في المآتم وتعقب المعاملات في الدوائر والاختلاسات من المال العام... لا بد أن يكون التشريع فيه محظوراً. كانوا هم المقصودين بالقول، قبل المواطنين، لا تفكروا، نحن نفكر عنكم. يكفي أن تسمع أحدهم اليوم وهو يتحدث عن تعديل قانون الانتخاب لتلمس ركاكة اللغة وميوعة المصطلحات. إجماع وإصرار على رفض قانون الستين. لكل من سائقي المحادل السبعة سببه، والباقون صم بكم أو ببغاوات.
عاهة البرلمان اللبناني لا تقتصر على حاجة بعضهم لأي كفاءة. بل العاهة في القانون من جهة وفي الاجراءات التطبيقية من جهة ثانية. القانون يعامل اللبنانيين كرعايا لا كمواطنين، والاجراءات التطبيقية تجعل الدهماء أو الرعاع أو القطيع إسماً على مسماهم. لا النائب يشارك ناخبيه الهموم ولا الناخبون يعرفون لمن يقترعون.
في الدورات الأولى بعد الطائف كان القرار عند المندوب السامي في مكتب العقيد أو العميد. بعد خروج الجيش السوري صار القرار بأيدي السبعة الكبار، ومن تبقى كورس لا يحفظ النشيد الوطني، ويحلف بأسماء الزعماء الحسنى. اختلط حابل النسبية بوابل الأكثري وتداخلا وتشابكا، لكنهم متفقون على إعطاء أي منهم حق النقض، ذلك أن الاجماع شرط ضروري للتواطؤ ضد أي تجديد، وممر إلزامي لتأبيد الصيغة، صيغة المحاصصة. يدعون الحرص على مصالح الطوائف، والشعب اللبناني يشبه كل شعوب العالم في رفضه "نظاماً إلى الأبد" جذره في دمشق وسائر عواصم الاستبداد العربية وفي العالم، وفروعه في الأحزاب الوراثية أو في الميليشيات.
يتغافلون ويستمرون في التغافل إلى أن يداهمهم الوقت فتبدأ حفلة الزجل التحاصصي. هو يلعنون الوقت وضيقه والشعب اللبناني، بعضه، يلعن الساعة، ساعة الثورة التي لم توصل غير الوصوليين إلى السلطة، والتي استبدلت "الاقطاع السياسي" بشبيحة الميليشيات. بعضه يغني مع زياد الرحباني: "كنا في أحلى الفنادق ، جرجرونا عالخنادق".
حين يداهمهم الوقت يصبح قانون الستين قدراً محتوماً. هو الشر الذي لا بد منه. وتبدأ حفلة المزايدات في الحرص الوطني، وهو يعني بلغتهم الحرص على مصالح السبعة. مصالح كل منهم تتماهى مع الطائفة. هو الطائفة والطائفة هو. والتضليل على قدم الزعيم وساق الحاشية، والتضليل ماء القبيلة السلسبيل.
قانون الانتخاب الأكثري ضمانة لسائقي المحادل والحافلات الانتخابية وحدهم. وهو يقضي على التنوع ويلغي الرأي الآخر. النسبية وحدها تتيح تمثيل الجميع وتحمي التنوع والتعدد. والدوائر المرسومة على مقاس" قصقص ورق ساويهم ناس" تمسخر التمثيل السياسي وتمسخ نائب الأمة على صورة معقب معاملات، ولا يكون نائباً عن الأمة إلا إذا انتخبته الأمة. لبنان دائرة واحدة هو المدخل إلى التعامل مع اللبنانيين كمواطنين لا كرعايا. ولكن!
هذان المبدآن، النسبية والدائرة الواحدة، لا يستقيمان مع الاجراءات التطبيقية المتبعة في أي من قوانين الانتخابات السابقة. الحل المرحلي لدورتين أو ثلاث هو واحد من اثنين، الأول هو تطبيق القانون المقر في اتفاق الطائف. أما الثاني فيقوم على المناصفة، الحفاظ على تقسيم الدوائر وعلى التوزيع الطائفي، الاقتراع الوطني للائحة مع صوت تفضيلي واحد أو أكثر، والفرز، الفرز فقط، على أساس الطوائف.