ايها الشيوعيون، طهروا انفسكم بقليل من الحب!


منير العبيدي
2017 / 1 / 9 - 12:13     


حين انتمينا للحزب الشيوعي كنا نرى ان جوهر الشيوعية هو المحبة. فالشيوعي ينسلخ في الغالب من طبقته و يقرر الانحياز للفقراء و المسحوقين. الكثرة الكاثرة من الشيوعيين هم من ابناء الطبقة المتوسطة و المثقفين و كان بإمكانهم، لو ارادوا ان يعيشوا بيسر... حتى ان اسم الشيوعية بجوهرها الاقتصادي ، اي اشاعة ملكية وسائل الانتاج و جعلها ملكا مشاعا، سواء كانت مشروعا قابلا للتحقيق او حلما طوباويا، كانت قبل كل شيء محبة..
لكن المحبة كانت غائبة تماما عما مررت به و خبرته و لا ازال امر به و اخبره . بل إن الكراهية منفلتة تجاه المختلف و الناقد ليس من قبل الشباب المتحمس بل حتى من الجيل القديم من القادة.
و رغم انني واحد من الذي دفعوا ثمنا باهظا بسبب شيوعيتي و كانت سنوات المرارة و الصعوبات اكثر بكثير من سنوات العمل في الحزب فقد حاربتني السلطات بأربع سنوات من المطاردة في ظروف غاية في الصعوبة تخللها الجوع و العوز و الخوف و انعدام المستقبل و الافق اعقبتها مرحلة اخرى من المطاردة انتهت بالقاء القبض علي و قضائي فترة في اقبية الامن تعرضت فيها للتعذيب ، ثم تلتها ثلاث سنوات من المراقبة بين عامي 80 و 83 ثم بعدها استمر التمييز ضدي و ضد عائلتي في مجال العمل و الدراسة و بقي الاضطهاد و التمييز يلاحقني حتى اضطررت لطلب اللجوء فمنحت اللجوء السياسي من قبل السلطات الالمانية عام 2000
كل هذا كان يهون مقارنة بالاقصاء و المحاربة التي لقيتها من قبل ممن يفترضون ان يكونوا رفاقي لسبب بسيط انني كنت ناقدا و اصرح برأيي هنا و هناك كلما وجدت ان الحقيقة تملي على ان افعل ذلك. كانت محاربة الرفاق هي الاشد مضاضة رغم انهم لم يمتلكوا وسائل السلطة في التعذيب و القتل ما ذكرني بقول الشاعر: " و ظلم ذوي القربى اشد مضاضة "
القضية ليست شخصية . ما سقته من مثال و محاولة اخرى للتبصير اسعى ان اجعله منطلقا لحقيقة مرة: ان الكثير من الرفاق كانوا و لا يزالون محكومين بالكراهية تجاه المختلف و الناقد.
اني لأعجب كيف يستمر الكثير من القادة السابقين او اللاحقين ممن تسنموا مراكز متقدمة في الحزب على هذا القدر من الكراهية و الميل للاقصاء و التجاهل للاخر المختلف. هذا النوع من الكراهية يسم البدن و يقض المضجع. أما آن لكم ان تراجعوا انفسهم و تطهروا ارواحهم بالقليل من المحبة؟
كانت المحطات في الموقف من المثقفين بشكل خاص مؤشرا مهما بهذا الصدد . لا يزال البعض مثلا ينبش قبر السياب و يصب اللعنات عليه و قبل سنوات كتبت مجموعة مقالات ارد بها على واحد من اولئك الذين اعادوا مأساة العداء للسياب دون ان يعتبروا. فقد اعتبر هذا الكاتب السياب مرتدا و غازل في سبيل ذلك كاتبا اسلاميا قائلا له : هلم لنا نحن الشيوعيين كما انتم الاسلاميون امميون ، اما هذا السياب المرتد فهو قومي!!
ستجدون ايضا في قوائم الكراهية كتابا و مبدعين امثال يوسف الصائغ و جبرا ابرهيم جبرا و عبد الرزاق عبد الواحد.. و تجدون في قوائم الاقصاء و التجاهل المئات من المبدعين الذين قرروا ان يكون لهم رأيهم الخاص.
و تجدون في قوائم المرحب بهم كل انواع الانتهازيين من الذين بدلوا جلودهم و مستعدين للمرة الالف ان يبدلوا جلودهم اذا ما الريح مالت.
و تجدون في قوائم المحتفى بهم كل انواع الفاشلين ابداعيا ممن يسعون للسلم السياسي وسيلة ارتقاء بدلا من الابداع.
كل النشاطات الثقافية في الداخل و الخارج التي يقودها شيوعيون محكومة بمعيار الولاء او الصمت على الاقل. فالدعوات توجه حسب الولاء السياسي و ليس حسب المعيار الابداعي و كذلك احتفالات التكريم حيث يتم تبادل الدعوات لهذا "المبدع" او ذاك وفق مبدأ : ادعوني ادعوك . و هكذا يجد من يختلف الى هذه الفعاليات نفس الوجوه تكرر نسفها و تلقي علينا نفس القيء الذي نفرنا منه قبل عام و عامين.
كم سيكون جميلا ان يحظى رفاقنا ببعض النضج و يقرروا الاحتفاء بالمختلف، ان يقولوا له : انت تنتقدنا و تخلتف معنا لكننا نحترم ابداعك!
كم يكون جميلا ان يقرر قادة المؤسسات الثقافية في الخارج و الداخل ان يعملوا بمبدأ الرأي و الرأي الآخر!
كم سيكون جميلا ان يتخلى البعض عن نسج المؤمرات و حركات الالتفاف المقيتة في المؤسسات الثقافية.
اغرق رفيق لي في الضحك مرة حين قلت له : اما آن للبعض ان يحّدثوا اساليبهم الخبيثة؟ حتى الخبث يحتاج الى تحديث. هذا النوع من الحركات المقيتة خبرناه منذ السبعينات و نحن الان في القرن الواحد و العشرينّ.
لقد بذلت جهدا كبيرا بدون طائل لكي احمل مؤسسة ثقافية عراقية في المانيا على ان تناقش 14 تموز وفق مبدأ الرأي و الرأي الاخر فتدعوا مؤيدين للحدث و معارضين له حين كانت القضية ساخنة فلم افلح ابدا... كانوا يحبون ان يسمعوا نفس الرأي الذي يكررونه بدون مراجعة منذ عقود.
هذا الدوران في حلقة مفرغة من تبادل الرأي نفسه تشبه الزواج الداخلي الذي ينتج مشوهين و معاقين.
لا ادري ما هي الفائدة من اسمع رأيا يتفق مع رأيي في كل التفاصيل؟
و رغم انني فقدت الامل ، فلا تعويل على من لم يتغير و قد بلغ من العمر عتيا، اجد نفسي اكتب هذه الخواطر من اجل جيل الشباب عسى ان يحل يوم نجعل فيه المحبة هي الهادي.