ديمقراطية المجتمعات غير المتحررة اخلاقيا


مالوم ابو رغيف
2016 / 12 / 21 - 21:15     

اذا كانت الديمقراطية تعني حرية الشعب في الاختيار، فان اغلبية الناس في البلدان التي يكون فيها الاسلام اساسا لثقافتها الشعبية، سوف تختار احزاب الاسلام السياسي كممثل لها، ذلك ان الناس لم تصل بعد الى ادراك جوهر الحرية.
الحرية في التفكير الشعبي الاسلامي هي ان لا يكون الانسان مملوكا، قابل للشراء والبيع في اسواق النخاسة، اما مصادرة اراء الناس دينيا، او اخضاعهم قسريا او تحديد ما يأكلون وما يشربون وما يلبسون ومع من يتعاملون او لا يتعاملون واعتبار نساءهم عورات وتشريع قوانين تجيز زواج الصغيرات حتى وهن في التاسعة من العمر، كل هذا واكثر لا تعتبره الذهنية الفردية للمسلم استعبادا بل شريعة مقدسة ينبغي التقيد بها. ان ذلك يوجب سؤلا مشروعا: هل يصح ان تضع الديمقراطية الاستعباد مكونا في معادلات الاختيار؟
في هذه الحالة، فان الديمقراطية تضع الاستعباد والحرية على كفتي ميزان،. فتصبح مثل سيف ذو حدين، فهو، اي السيف وان تضمن الدفاع، لكنه صفته العامة هي القتل.
في البلدان الملتحفة بالدثار الاسلامي منذ قرون، لن تختار اغلبيتها الشعبية الا الحد الذي يذبح دون وعي منها بالمآل المخيف، هذه هي حصيلة التجربة في اغلب البلدان التي سمح فيها للاحزاب الاسلامية ان تكون جزء من معادلة الاختيار.
في الجزائر فازت الجبهة الاسلامية للانقاذ وفي مصر فاز الاخوان المسلمون بقيادة مرسي وفي العراق فازت الاحزاب الطائفية سنية وشيعية وفي تونس فاز حزب النهضة وفي تركيا اختير اردوغان ذو الطموح الدكتاتوري العاصف الذي يخطو نحو ان يكون الفوهرر Führer، حتى في الكويت وبعد ان مُنحت المرأة حق الانتخاب، سيطر الاسلاميون على البرلمان واصبح مقرا للصراعات الطائفية، ذلك ان الرجال الاسلاميين اجبروا زوجاتهم على انتخاب ما ينتخبون، في حين لم تذهب النساء العاديات الى صناديق الانتخاب.
بعد تحرير حلب من براثن الزمر الارهابية وقفت جماعة المسلمين السلفية بقيادة الارهابي والبرلماني الكويتي وليد الطبطبائي وهي تصرخ بهتافات الارهاب والوعيد والتهديد، وعندما قُتل السفير الروسي في تركيا، وزعت جماعة المسلمين في طرابلس لبنان الحلوى احتفالا وامتلئت صفحات التواصل الاجتماعي الخليجية بسيول من التهاني والتبريكات بمقتل السفير.
ان ذلك يشير الى ان الشعوب الاسلامية لا تفهم المعنى العميق للديمقراطية اذ ان ثقافتها التاريخية او اعرافها الاجتماعية تسمح بتبرير الاستعباد وتعتبره احد الخيارات المطروحة.
هذا الفهم الخاطيء للديمقراطية هو الشائع في البلدان الاسلامية. وقد تسلل هذا الفهم الى لغة اليسارالسياسية والادبية حتى وجدت بعض المكونات اليسارية مشتركات لغوية مع الاحزاب الاسلامية فنادت بالتعاون وحتى بتكوين جبهات انتخابية معها متذرعة بان الاصلاح السياسي يتطلب التعاون من اجل الخير والمصلحة العامة، لكن ماذا عن الاصلاح الاجتماعي والذي يعني تحرر الانسان من القيود الدينية والاجتماعية لا احد يتطرق الى ذلك، ويبدو ان بوصلة اليسار في العراق تتجه الى حيث المصلحة السياسة الضيقة وليس صوب مصلحة المجتمع الذي لا يمكن ان ينتخب اليسار الا اذا تغيرت ثقافة الموروث الديني.
ان تبني المفاهيم الدينية هو نوع من انواع التقية السياسية في محاولة لتجنب التصادم الفكري المباشر مع الاحزاب والتيارات والمرجعيات الدينية المختلفة والتي ادت الى تمزيق الشعب الى جماعات متناحرة متقاتلة متشاتمة مختلفة سياسيا ومتفقة عقائدا او مذهبيا.

الديمقراطية لا يجب ان تفضي الى تشريع الاستعباد وفق قوانين الاغلبية البرلمانية، ذلك انها نقيضة اي شكل من اشكاله ، ولا يجب ان تكون اداة استغفال اوحصان طروادة يختبي فيه من ينوي الشر.
الديمقراطية لا يجب ان تكون اختيارا بين سيئ واسوء، او بين جيد وبين سيء، انما حرية الاختيار بين جيد واجود.
في العراق حيث شاع الفهم الخاطيء للديمقراطية التي وصفت بانها ديمقراطية سياسية تسمح لكل الاحزاب بالاشتراك بالانتخابات بغض النظر عن برامجها السياسية وايديلوجيتها الدينية وطموحاتها المستقبلية، تستمر الاحزاب الاسلامية المهيمنة، الحاكمة او المعارضة، بنشر ثقافة مناقضة كليا للديمقراطية، فهي تعمل بكل حزم وعزم على خلق مجتمع منسجم مع ثقافتها وطريقة تفكيرها وأرائها واحكام شريعتها.
ان الديمقراطية في العراق وان كانت قائمة على تعددية الاحزاب، لكنها تسعى الى فرض احادية او دكتاتورية الثقافة مستندة على حكم الشريعة وعلى تشريع القوانين غير الديمقراطية متذرعة بنص دستوري يقول بعدم مخالفة احكام الاسلام.
هذه الحالة لا تختلف عن الديمقراطية المسخ في الولايات المتحدة الامريكية ايام التفرقة العنصرية، اذ كيف لمجتمع يصف نفسه بالديمقراطي بينما يشرع قوانين عنصرية تصنف الناس وفق الوان بشرتهم؟
ولا تختلف عن المجتمعات النازية والفاشية اذ كيف لمجتمع يصف نفسه بالديمقراطي بينما يشرع قوانين الانتقاص من الانسان؟
لقد انتبه المشرعون الى هذا التناقض بين الروح الديمقراطية وبين نقائضها فشرعوا قوانينا لا تسمح للاحزاب بالاشتراك في الانتخابات تلك التي تستند سياستها على ايديلوجية البغض والكراهية ونشر ثقافة العنصرية او التفرقة الدينية .
اذا كان الشعب لا يدرك جوهر الحرية، فان الديمقراطية لا تعني لمثل هذا الشعب سوى وسيلة لاختيار الاسوء، ذلك الذي يتماهى وموروثها الديني او العشائري او الطائفي. الديمقراطية بمثل هذه المجتمعات غير المتحررة اخلاقيا، لا تختار اخلاق التحرر بل اخلاق الاستعباد.