المشاعية البدائية في العراق القديم


حسنين محمد علي
2016 / 12 / 16 - 19:41     

يزعم أعداء الماركسية اللينينية في بلادنا والبلدان الأخرى، بأن مجتمع المشاعية لم يوجد قط وان الملكية الخاصة وانقسام المجتمع إلى طبقات كانا موجودين منذ وجد المجتمع وهذا في طبيعة الحال في صالح البرجوازية وضد الاشتراكية في حين أكدت الدراسات في عدم وجود الملكية الخاصة منذ الأزل في بلادنا فقد أوضح أحد المؤرخين العراقيين إن الملكية الخاصة لم تعرف إلا في العصر الحجري الحديث ( 10000 – 6000 ق.م ) وعرف التنازع على الأرض في الإلف السادس ق.م (قبل الميلاد)، أي انه حوالي ربع أو نصف مليون سنه وهو زمن العصر الحجري القديم لم يعرف الملكية الخاصة.
وقد تميزت هذه الفترة بمشاعية قوى الإنتاج ( العمل ووسائل الإنتاج، ومشاعية التملك، تملك وسائل الإنتاج والاستهلاك على السواء) ولقد عرف العراق هذا الشكل الاجتماعي للإنتاج والذي كان بمثابة نقطة البداية لتطور المجتمع العراقي حيث كان العراقيون في هذه الفترة يعيشون في حالة من التوحش يقتاتون ما يجدونه في الطبيعة من نباتات كالخضار والفواكه البرية وقد كافح الإنسان العراقي كفاحا شديدا من اجل البقاء، فإلى جانب البيئة القاسية كانت تهدده الحيوانات الوحشية.وقد جاء اكتشاف النار في فترة ما من العصر الحجري القديم بمثابة عامل مساعد لإعداد غذائه حيث استخدمها في شي الحيوانات لأكلها فقد كان يهاجم الحيوانات لاصطيادها – بشكل فردي وغالبا ما يكون بشكل جماعي وخاصة الحيوانات الضخمة أو الوحشية وكان سلاحه فؤوس مدببة من الحجارة أعدها لهذا الغرض بالإضافة إلى العصي التي يصنعها من الأشجار والأغصان.
أما مسكن الإنسان العراقي القديم فقد كان في الكهوف والمغارات التي اتخذها لجمع قوته فيها ومن هذه الكهوف في زرزي وهزافرد وبالي كوره في السليمانية وكهف شاندر بالقرب من راوندوز في أربيل وقد ترك الإنسان العراقي في هذه الكهوف أعدادا من الفؤوس والأدوات الحجرية وبعض النباتات وهي تحكي قصة لجوئه وحياته في هذه الكهوف.
وبمرور الزمن تحسنت أدوات ووسائل الإنتاج والعيش حيث خطا الإنسان العراقي القديم خطوات إلى الإمام وبدأ السكن في خيام بسيطة يصنعها من جلود الحيوانات أو في أكواخ ساذجة حفرها في الأرض وغطاها بأغصان الأشجار، وجاء اختراع الرمح الحجري والسهم واستخدام الأدوات والآلات من الحجارة وأهمها الفؤوس والمقاشط والسكين وأضاف إليها الأدوات واللوازم من العظم كالإبر والمخاصف والدبابيس لخياطة ملابسة ( تم ذلك في العصر الحجري الوسيط 5000 – 10000 ق.م بمثابة خطوات إلى الإمام في مجال التقدم خاصة في الإنتاج ).
ومهما يكن عظمة هذا التطور الذي قاد الإنسان العراقي خلال ألاف السنين من الحياة شبة الحيوانية إلى حياة الإنسان الذي يعرف كيف يصنع فأسا وكيف يبني مسكنا، فلقد بقى ضعيفا إلى أقصى حد في الكفاح ضد الطبيعة القاسية وهذا الكفاح يبدو في عدم الاستقرار في مصادر الغذاء وعدم دوامها ويقطن تحت رحمة الصدف.
وكان سكان العراق القديم في هذه الفترة وضمن هذه الظروف مبعثرين للحصول على الغذاء وقد عرفوا نوع معين من التجمع والمشاعية الجنسية، وكان الاقتصاد يدار بصورة مشتركة ( تهيئة الغذاء، قنص الحيوانات، المساكن كذلك كانت مشتركة ) ومما زاد في حياتهم التعاونية اكتشاف النار إذ يجتمع حولها الناس بهيئة جماعات أو عائلات ولا شك في ذلك قد حسن من لغتهم البسيطة.

إن هذا النظام المشاعي كان ضروريا للمجتمع العراقي في هذه المرحلة من التطور فلقد كان من المستحيل لو عاش الفرد حياة العزلة أن يخترع الأسلحة والأدوات البدائية وأن يحسنها فيما بعد، ولم يستطع الإنسان العراقي القديم أن يحرز أي نجاح في ميدان الكفاح ضد الطبيعة إلا بفضل حياتهم التعاونية ولم يكن في مثل هذه الظروف أي استغلال من قبل الإنسان لاخية الإنسان الأخر بل لم يكن هذا الاستغلال ممكنا في المجتمع المشاعي، لقد كان العمل مقسما بين الرجل والمرأة فهي تتولى شؤون الطبخ والطحن وصنع الملابس أما الرجل فيتولى جمع القوت ومطاردة الحيوانات وجمع بذور النباتات وسيقانها وصنع الأسلحة الضرورية.

ومن الطريف ما روي عن السومريين إنهم تخيلوا ذلك الماضي البعيد على هيئة (( عصر ذهبي )) كان السلام والوئام يسودان العالم – هذا صحيح في العصر المشاعي – فلا خوف ولا بغضاء ولا حيوانات مفترسة وكان البشر بلسان واحد يمجدون الإله أقليل اله الهواء.
إن التطور الذي حصل في قوى الإنتاج هو الذي حدد ظروف النظام المشاعي في العراقي ف ( الناس أثناء الإنتاج الاجتماعي لمعيشتهم يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية مستقلة عن إرادتهم، وتطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة ).
لقد جاء التطور الذي حدث بعد ذلك في قوى الإنتاج المشاعي كتحسين الأدوات واختراع أدوات جديدة، وتدجين الحيوانات، الزراعة، استعمال المعادن بمثابة مسمار في نعش النظام المشاعي في العراق القديم حيث أدى إلى انحلال هذا النظام.
كان تدجين الحيوانات قد تم في العراق في العصر الحجري الوسيط ( 15000 – 10000 ق.م ) حيث عثر على بقايا عظمية لخروف مدجن في زاوي جمي في اربيل قبل أكثر من 10000 سنة قبل الميلاد.
وكان هذا أول تقسيم اجتماعي كبير للعمل أي تميز القبائل التي تقوم بالرعي وهذا أدى إلى زيادة واضحة في إنتاجه العمل الثابت ( الحليب، اللحم، الصوف، الجلود ) ولهذا هيأت البوادر المادية لظهور الملكية الخاصة والمجتمع الطبقي.
كان ثاني خطوة إلى الإمام في تطور قوى الإنتاج هو ظهور الزراعة، زراعة البساتين أول الأمر ثم في منتصف العصر الحجري الحديث ( 10000 – 6000 ق.م ) وقرية جرمو تمثل أول عهد الإنسان بتعلم الزراعة في الإلف السابع قبل الميلاد.
وجاء معرفة العراقيون القدماء صنع النحاس في العهد المسمى ( طور العبيد ) في حدود 4000 ق.م وعرفوا صنع البرونز في عهد ( جمده نصر ) في حدود 3200 ق.م عاملا مساعدا للزراعة التي كانت التقسيم الثاني للعمل أي تميز الحرف عن الزراعة.وقد أدى هذا التقسيم إلى جانب التقسيم الأول للعمل إلى توسع إنتاج البضائع الخاصة بالتبادل وتطور التجارة وتوسيع السوق مما ساعد على التقسيم الثالث للعمل أي ظهور طبقة التجار وهذا معناه كما يقول أنجلس: (أول انقسام كبير للمجتمع إلى طبقتين أسياد وعبيد مستغِلين ومستغَلين).وهذا أدى على عدم التساوي في الكسب ( فقطعان المواشي وهي وسيلة الربح الجديدة ملك له (الرجل) ويعود إلية ما يحصل علية مقابلها من سلع وعبيد. وكانت المرأة تمتع بة معه ولكن دون أن تكون لها أي حصة في ملكيته) .وجاء استخدام المعادن بمثابة تنوع في الأدوات والأشياء المستعملة في الزراعة سيما إدخال المحراث ذو السكة المعدنية في عصر العبيد 4000 – 4500 ق.م.
كل هذا أدى إلى نشوء فوارق جديدة بين الأغنياء والفقراء من ناحية الملكية وهذا أدى إلى فسخ المشاعية البدائية ( وانحل معها العمل المشترك في الأرض لحساب هذه المشاعية ومنحت الأرض للأسر الخاصة ثم صار ملكا لها إلى الأبد ) .
ولهذا السبب انحدر العراقيون القدماء نحو جنوب العراق للحصول على الأرض ( في الإلف السادس ق.م في عصر العبيد 4000 ق.م وقيامهم بتجفيف الاهوار في الجنوب وان انتشار فخار العبيد في مواقع مختلفة من جنوب العراق له بشير إلى تغلغل أهلة في أكثر جهات العراق الجنوبي).
وجاء حاجة العراق الجنوبي إلى المواد الأولية اللازمة في بناء الحضارة كالخشب والحجر والمعادن عاملا هاما في نشوء التجارة وظهور التقسيم الثالث للعمل ولهذا لا نعجب أن نجد ( نماذج من وسائل المواصلات أهمها العربة ونماذج من سفن شراعية تستعمل في نقل البضائع والأحجار الكريمة والمعادن من عمان والبحرين وأسيا الوسطى وجبال طورس وسوريا وشرق إيران).

إن ظهور الطبقات الاجتماعية الجديدة، الرعاة، الفلاحون، الصناع، التجار أدى إلى تغيرات جذرية في حياة المجتمع العراقي وفي ظروف خلاف الأسر حول الملكية أدى إلى ظهور قوة اجتماعية جديدة وهي الدولة وقد عملت مصالح الحرفيين وجماعات التجار الذين ظهروا نتيجة لتقسيم العمل على ظهور أجهزة حكومية لحفظ الأمن والنظام والدفاع الحربي عن البلاد وقد عرفت أولى النظم في العراق في الفترة ( 2900 – 2800 ق.م ) وهي دويلات المدن السومرية وكانت كحاجة ضرورية لحسم المشاكل الجديدة بعد ولادة الملكية في العراق القديم وعندما فشلت هذه الدويلات في حسم هذه المشاكل بسبب خلافتها وحروبها حول، الملكية والثروات مما مهد الطريق للاكديين إلى توحيد العراق في حدود 2371 ق.م.وهكذا تفسخ نظام المشاعية البدائية في العراق القديم تحت ضغط قوى الإنتاج الجديدة ( تدجين الحيوان، الزراعة، المعادن )
وأفسح المكان لمجتمع جديد منقسم إلى طبقات وهو مجتمع الرق والعبودية الذي بدأ عمليا في عصر الوركاء 3500 ق.م.....



المصادر

1.الدكتور بهنام أبو الصوف، محاضرات في تاريخ العراق القديم، بغداد – 1968 ص12،13،15،14.
2.طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، بغداد – 1955 ص31،43،32.
3.إبراهيم كبة، دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي، بغداد – 1970 ص88.
4.طه باقر، ملحمة كلكامش، بغداد – 1962 ص5-6، 41،49،65،440.
5.ماركس،أنجلس ( دراسات اقتصادية ) دمشق – 1964 ص53.
6.أنجلس،أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، دمشق – 1958 ص254،258.
7.د.سامي سعيد، العبودية في الشرق القديم – مجلة المثقف العربي عدد 8/9 بغداد 1969 ص44.
8.كرافتسوف، أصل وجوهر الدولة والقانون، ترجمة د.سعاد محمد خضر – مجلة الثقافة الجديدة عدد 7/1969.