كلنا علي حسين . على هامش حملة الحوار


فالح الحمراني
2016 / 12 / 13 - 18:21     


ان الحملة القذرة التي يتعرض لها الكاتب والصحفي نائب رئيس تحرير صحيفة المدى علي حسين والتي دشن مركز الحوار المتمدن الموقر حملة لدعمه انخرط بها المئات، تعكس في نهاية المطاف الضعف واليأس الذي تشعر به القوى الظلامية التي سرقت السلطة بالعراق بتظليلها الجماهير وتغيبها عن واقعها، واستبدال الوسائل الفعلية والعملية لتحقيق تطلعاتها نحو الحياة الكريمة بوسائل خرافية وعقيمة لا تؤدي الا الى تعميق بؤسها وعبوديتها واستغلالها من قبل رهط زرع اللحى واستغل المذهب ( وليس الدين عموما) للاستئثار بالنفوذ والسلطة وممتلكات البلد وتقاسمها، وترك الجماهير التي يدعي انه ممثلها تخوض في مستنقعات البؤس والجهل والفقر وتعيش وسط انقاض بائسة وليست مدن ولاقصبات ولا قرى.وعلي حسين يقول يوميا الحقيقية " لكن الحقيقية مرة". العبارة التي يفتتح بها ستندال روايته الاسود والاحمر.
يطلعنا علي حسين يومنا بمقالة قصيرة جدا على صفحات جريدة المدى البغدادية، تحولت الى قنبلة. قنبلة تنفجر كل صباح لتهز اركان العراق، قنبلة ضوئية ذات صدى بعيد بعيد. تكشف وتفضح وتعرى، الممارسات التي تتجاوز القانون والشخصيات التي تتبلس ببدلة الطهارة وتمارس العهر، وتعري الصفقات السياسية والاقتصادية عن ستائرها لتنكشف حقيقتها. ان علي حسين لحد علمي هو الكاتب والصحفي العراقي الاول الذي يستحدث هذا اللون من المقالة الموجزة المقتضبة القصيرة جدا ليقول فيها اشياء كثيرة. انه يختار فيها الحدث والتصريح والشخصية النمطية في فعلها اليومي، ليرمز بها الى ظواهر وابعاد كبير في العملية السياسية الجارية. فهو يتابعها بدقة ماهرة بعين مايكرسكوبية ليكبرها ويمنح القارئ الفرصة لتاويلها والخروج باستنتاجات منها، ويفضح مضمومنها، وغالبا ما تتضح به العفونه والقذارة.
وبحق اننا نشعر ان هذه المقالات الصغيرة جدا، التي نمر عليها ونحن نحتسي القهوة او في مقاعدنا بالحافلات وفي المقاهي ومكاتب العمل، انها بيانات يومية ساخنة تساعد على تشكيل الوعي الاجتماعي لجمع الراي العام حول الحقائق التي لا يمكن الصمت عنها. انها صرخة يومية بوجهنا جميعا، تقول لنا، كما توجه ذات يوم الروائي غسان كنفاني بوجه الفلسطينين " ماذا تبقى لكم؟" وتُنتهك كل يوم كرامتكم وحقوقكم ويسرق وطنكم ( العراقي هذه المرة) وتُشطب على كل المنجزات الحضارية والثقاية التي انجزها شعبكم بقومياته المتآلفة. اين انتم؟. اين مسارحكم ومتاحفكم ومقاهيكم التليدة ومؤسساتكم الخيرية وشوارعكم الشهيرة ومصادر خيراتكم وشمائلكم الحميدة، ايها المثقفون ايها العاملون في الورش والمزارع ووراء المكاتب في المتاجر والمخازن والحوانيت في الجامعات والمدارس. اين انتم؟ وقوى التدمير تمارس فعلها اليومي لتصفية اجمل ما لديكم!. تدمير الثقافة التي بناها اجدادكم وابائكم، وتضع الممهدات لتقسيم بلدكم على اساس طائفي، الذي حتما ستيله حروب لانهاية، لخلق صومال وافغانستان جديدة في عقر دياركم. هل سيقبل بكل هذا الزهاوي والرصافي والمدرس والاخرس والجدرجي وعبدالجبار عبدالله وابراهيم كبه وغائب طعمة فرمان والبياتي والسياب وفؤاد التكرلي ويوسف العاني...ضمير الشعب العراقي. بالطبع كلا.
مقالات علي حسين الصغير جدا، غدت شوكة ومسمارا مؤلما في عيون وقلوب من يواصل سيناريوهات اشاعة الظلام في حياتنا وتغذية الطائفية والمذهبية لاستخدامها كورقة لترسيخ مواقعه في السلطة وجمع المزيد من الثروات او بالاحرى نهبها. ولم يكن في يد تلك القوى اي سلاح اخر للدفاع، لانها هشه بدون سند فكري وعقائدي راسخ، فلجأت الى وسائل التهديد والتلويح بالعنف والعقاب. وهذا ليس غريب في العراق ومن تشهبه من الدول. انه استمرار لعقلية الفكر الاستبدادي والدكتاتوري، الذي قدم شعبنا العراقي الضحايا الجسيمه من اجل الاطاحة به، ولكنه حصد الريح.
ان علي حسين بمقالتها الصغيرة وفي رحلاته الممتعة والعميقة مع الكتب والكتاب ادباءا وفلاسفة، التي تنم عن سعة في الفكر والتعرف على تاريخيه وتقلبه وتطوره، ينهض امامنا بقامة المثقف المسؤول، المثقف الذي يرفض ان يكون على هامش العملية التاريخية، ويدخل في اتونها بجرأة موظفا وبشرف ونزاهة كل خبراته ومعارفه ومواهبه من اجل المشاركة فيها وتصحيحها ودفعها نحو الافضل نحو الاحسن من اجل بناء بلد متحضر وعصري وتشكيل مجتمع عراقي متكاتف متالف يتجاوز التقسيمات المتخلفة العشائرية والمذهبية ويشارك بفعالية في عالم اليوم. ان علي حسين يؤمن بقدرات هذا المجتمع وهذا الوطن، ويتالم مثل الكثير لتسلط قوى الظلام عليه وتظليلها بشعارات " شربَ الدهر واكل" غير عقلانية ولا تخدم مصالحه الفردية ولا الجماعية.
ان هبه العدد الغفير من الذين يقفون الى صف علي حسين من مختلف المناحي والبلدان في مواجهة القوى التي تريد تصفية حرية الراي والعقيدة، والجمال يبرهن على ان انه ليس وحده يقف في المواجهة وان هناك الملايين التي ستقول " كلنا علي حسين "في مواجهة القوى الظلامية.