خاطرة حول العمل و انتاج القيمة


محمد فيصل يغان
2016 / 12 / 9 - 20:47     

خاطرة حول العمل و انتاج القيمة
لتوضيح الفكرة التي اعرضها في هذه الخاطرة، سأقوم باستعارة تمثيل بياني من ورقة أكثر شمولية تحت الإعداد في نفس الموضوع. و نظرا لعدم امكانية نشر صور من خلال التطبيق المعتمد في موقع الحوار، أرجو من القارئ الكريم أن يتخيل معي الشكل البياني البسيط التالي: محور (ص) العامودي و يمثل القيمة (بالمطلق) و المحور الأفقي (س) و يمثل حجم العمل (بالساعات مثلا)، لنتخيل الآن خطا مستقيما يتقاطع مع محور (ص) في نقطة (أ) تقع أسفل النقطة (صفر) الممثلة لتقاطع المحورين (س) و (ص) أي في مجال القيم السالبة من (ص)، و يمتد هذا الخط بشكل مائل ليتقاطع مع المحور (س) في النقطة (ب) على يمين النقطة (صفر) أي في المجال الموجب للمحور (س) و يستمر الخط صعودا لينتهي بنقطة ما احداثياتها(س موجب = ج، -ص موجب = د).
نبدأ التحليل من المحور (ص) حيث نطلق على القيمة المتمثلة بالمسافة ( صفر إلى أ) في المجال السالب للمحور تسمية القيمة الضرورية و هي القيمة الضرورية لبقاء و استمرار حياة أصحاب قدرة العمل المعنيين في نفس مستوى الضرورة (المحدد اجتماعيا، إذ يختلف هذا المستوى من مجتمع لآخر و من زمان لآخر)، و لنطلق على المسافة (صفر، ص = د) في المجال الموجب للمحور فائض القيمة المنتجة، أي القيمة التي انتجها العمل و تتعدى حاجة بقاء و ديمومة قدرة العمل.
في المحور (س) تمثل المسافة (صفر إلى س = ب) حجم العمل الضروري و هو حجم العمل الذي انتج القيمة الضرورية (صفر، ص= أ)، اما حجم العمل الممثل بالمسافة (ب إلى ج) فنسميه بفائض حجم العمل و هو المسؤول عن انتاج فائض القيمة المذكور و المتمثل بالمسافة (صفر إلى د) على محور (ص).
في حالة المجتمع البدائي القائم على حد الكفاف، يقتصر خط الانتاج ما بين النقطتين (أ، ب) أي أن المجتمع لا يكاد ينتج إلا ما يضمن بقائه في حالته البدائية، و في هذه الحالة لا يكون شكل الملكية الخاصة بالمفهوم الرأسمالي ظاهرا. أما في حالة خط الانتاج الممتد من النقطة (ب، ص = صفر) إلى النقطة (س = ج، ص = د) فهناك فائض قيمة يتطلب شكلا من أشكال الملكية لإدارته. باختصار، تطور هذا الشكل إلى أن وصل لشكل الملكية الخاصة الرأسمالية لفائض القيمة من خلال تملك رأس المال لأدوات الانتاج و تحويل قدرة العمل إلى سلعة. هنا يبدأ التحليل الماركسي لهذه الظاهرة، و يركز تحليلاته على (فائض القيمة في نظام الانتاج الرأسمالي)، و لا يرد حسب علمي أي نص لماركس ينفي إنتاج فائض القيمة حسب تعريفنا لها هنا تحت ظروف انتاجية مختلفة عن الرأسمالية. في الحالة الرأسمالية يقرر الرأسمالي مصير هذا الفائض من حيث التوظيف لإدامة عملية الانتاج أو الاستثمار لتوسيع الانتاج أو الاكتنازكثروة شخصية. و يمكن أن نتصور تحت نظام انتاج اشتراكي مثلا، أن الجزء المكتنز سابقا من قبل الرأسمالي يتم استخدامه اشتراكيا لرفع مستوى معيشة القوى العاملة من خلال إزاحة المحور (س) إلى الأعلى، أي بزيادة طول المسافة ما بين النقطة (صفر) و النقطة (أ) على محور (ص) بعد كل دورة انتاجية و كذلك توظيف المتبقي من فائض القيمة بشكل لا يؤدي إلى الاستغناء عن القوى العاملة (بإحلال الآلات و تسريح العمال على طريقة الرأسمالي مثلا) بما يضمن زيادة رفاه المنتجين تدريجيا.
الموجز أعلاه يتعامل مع العمل (الذي يتجسد في سلعة) و لكن و هو الأهم، في سلعة حاملة لفائض القيمة بالاضافة للقيمة الضرورية مثل سلعة البرمجيات (السوفتوير)، و لكن هناك نوعية من العمل (تتجسد بسلعة بالمفهوم الرأسمالي) و لكنها غير حاملة لفائض قيمة و انما فقط للقيمة الضرورية، أي لا تنتج ما يمكن رسملته و اعادة توظيفه أو اكتنازه، بل تنتج ما يشبع الحاجة الضرورية لبقاء العامل المنتج لها. و أبسط مثال على هذا النوع من السلع هو خدمة الدعارة (و معظم أشكال الترفيه الأخرى). لنعود إلى الشكل البياني السابق و نرسم خط الانتاج من النقطة (صفر، أ) على محور (ص) إلى تقاطعه مع محور (س) بالنقطة (ب، صفر) بخط متصل يمثل حقيقة كون العمل الضروري يولد قيمة ضرورية فعلية، و نمثل باقي الخط من النقطة (ب، صفر) إلى النقطة (ج،د) بخط متقطع، يمثل عمل فعلي ينتج قيمة خيالية (ليس لها قيمة استعمالية أو تبادلية اجتماعية). نجد أن هذا النوع من العمل (الغير منتج لقيمة اضافية) يعمل بشكل غير مباشر على إعادة تدوير جزء من فائض القيمة المكتنز لدى الرأسمالي و الذي يسستخدمه لمتعه الخاصة إلى القوى العاملة لتغطية جزء من احتياجاتها للقيمة الضرورية للبقاء. و كما نعلم جميعا، فإن الدعارة و أعمال الترفيه المشابهة لها تزدهر في ظل الرأسمالية، و يكون من يقدم هذه السلعة/الخدمة هم الأفقر حالا و مستهلكيها هم أصحاب الثروة، و نتيجة (لسخاء) أصحاب الثروة في الدفع مقابل هذه السلع الترفيهية، تصبح مع مرور الزمن و استفحال الفروقات إلى مهن مقبولة اجتماعيا.
عودة إلى موضوع الخاطرة الرئيسي، فإن العمل يمكن تقسيمه إلى عمل منتج للقيمة الضرورية و القيمة الاضافية، و هو مشترك بيين كافة أساليب الانتاج و إلى عمل منتج للقيمة الضرورية و غير منتج للقيمة الاضافية و يزدهر هذا النوع في ظل أسلوب الانتاج الرأسمالي.