المسخ - قصة قصيرة


حميد الحريزي
2016 / 12 / 1 - 10:34     

المســـــــــــــــخ - قصة قصيرة
حميد الحريزي

لفت نظرها فتا ،يتدفق حيوية ونشاطاً، ذو عضلات مفتولة ، شعر اسود فاحم تتدلى خصلاته على جبينه الوضاء ، يرتدي بدلة بيضاء اللون جاءت على مقاسه بالضبط ، كانها هي من تردي الجسد وليس الجسد هو من يرتديها ، حذاءا لامعا ، وساعة يدوية جذابة ، مما جعلها تسير وعينها شابحة نحوه ، نظراته وقحة لاتنفك تتابعها ، كادت ان تسقط سلة الرطب من على راسها ، وهي تتابع نظراته ، لاتدري مالذي يريده منها هذا (( الافندي)) وهي بنت الريف البسيطة ، غاضا النظر عن بنات المدينة المتبرجات كاشفات ستر الجمال ، واسرار الخيال....
المشهد يتكرر حين عودتها بعد بيع سلة الرطب وزوجا من الديكة ، عادت الى قريتها وقد اثقلتها اسئلتها حول الشاب بالاضافة الى ماتحمله من حاجيات تشتريها بثمن ما قامت ببيعه في السوق ..
فجر اليوم التالي اغتسلت في مياه الترعة المحاذية لدارهم، اخذت تستعرض جسمها امام المرآة في كوخها الصغير ، نهديها النافران ، تلمست الحلمتان سرت رعشة مشتهاة في جسدها ، تلمست مكورتها الصلدة الملساء، تاملت عيناها الكحيلتين، تلمست بيت المتعة المستترة في كهوف الممنوع ، انها رائعة الجمال (( اعمت عينج ((يحلومه)) عله هل الحلاه ، هاي وانتي بيت جريو شلون لو تعيشين بيت الافندي))، مما سيثير اعجاب (( الافندي)) ، وضعت مسحة خفيفة من احمر الشفايف على شفيتيها ، ودعكت خديها فاشتعلت حمرة فتانة ... ابتسمت بوجه المرآة علامة الرضا والانتعاش ، قبلت خدها ، ثم اخذت تستعد لرحلة هذا الصباح ،
احضرت سلال الرطب ، وامسكت زوج من البط ، لفت عبائتها على خصرها ، فبانت مفاتن مكورتها الامامية والخلفية الرجراجة ، وضعت في ساقيها المدمدمتين الحجل الفضي الذي ورثته عن والدتها ، سارت تسابق كلبها وحارسها (( حمور)) الذي اعتاد مرافقتها حتى مشارف المدينة ، حيث يانف دخول ازقتها مستنزفا وقت الانتظار بمشاكسة كلاب المدينة (( المخنثة))، الذي تم ترويضها لتلقي فضلات البيوت ودكاكين القصابين وما يطرح في مكبات الازبال قرب اطراف المدينة ....
ما ان اقتربت من المكان المعهود حتى غرز نظراته مستعرضا جسدها من قمة راسها حتى اخمص قدميها ، وقد اطال مكوثه عند مكوراتها الامامية والخلفية ، لاحسا حمرة خديها بشفتيه الورديتين ، متلمسا نهديها ، مادا يده بوقاحة ممسدا مكوراتها الخلفية ، اشعرها بالخدر مما اربك خطواتها ، فهو اليوم يرتدي بدلة زرقاء باذخة الجمال فبدى ساحرا جذابا كعادته ، ففي كل يوم يظهر ببدلة جديدة ولونا جديدا وربطة عنق وقميص، حتى حذائه وساعته اليدوية جديدة متناغمة مع لون البدلة ؟، مما يدل على ترفه وثرائه ورفعة ذوقه ....
تداركت نفسها وقد صحت من حلم اليقظة ، توجهت نحو السوق ، تلاقف الباعة مقتنياتها من الرطب والبط ، كورت نقودها الورقية اخفتها في زيقها المعرق بين منارتي النهدين كعادة اغلب النساء ، عرجت نحو سوق العطور والزينة النسائية ، اقنت قنينة عطر وعلبة زينة صغيرة ، وقد اعدت لهما مكانا خاصا لاخفائهما عن انظار العائلة لئلا يشك في امرها وتكثر حولها الاقاويل ...
الذي يقلقها حقا ان الحبيب الولهان (( الوقح)) النظرات لم يكلمها ولم يتتبعها ليسفر لها عن حبه واعجابه ، بل ظل يلاحقها بالنظرات فقط وابتسامته العريضة التي لا تفتر ، لا يكل ولا ..
يمل بالوقوف بباب المحل منتظرا ذهابها وايابها في كل يوم ...
قررت ان تكون هي المبادرة ، وذات يوم مرت بجواره احتكت به لكزته بمكورتها الخلفية ، عله يتحسس ويتكلم ويفصح ، ولكنها فوجئت بسقوطه على الارض متدحرجا من على مدرجات المحل وسط استياء صاحب المحل وهو يصرخ:-
مالك هل اصبت بالعمة ايتها (( المعيدية )) فقد اسقطت ....
(( المكينان))؟؟؟!!
اصابها الذهول وتبخرت احلامها مرة واحدة وهي تقول :-
(( والله ماينكَدر لمكركم يهل الولاية ، تصورتيه حبيب عاشق تالي طلع لعابه يحلومه ))؟؟؟!!!!!