التقرير السياسي الصادر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري (نوفمبر 2016)


الحزب الشيوعي المصري
2016 / 11 / 30 - 09:38     


موقفنا من التطورات الأخيرة محليا وعربيا ودوليا

مقدمة

توالت في الأشهر الاخيرة المواقف والبيانات التي اتخذها الحزب والتي صدرت من هيئاته القيادية لتؤكد على صحة مواقف الحزب وتوجهاته، حيث عارض الحزب بشكل حازم وموضوعي سياسات وممارسات السلطة في ما يخص تراجع التحول الديمقراطي وتقييد الحريات، وكذلك سياسات واجراءات السلطة الاقتصادية والاجتماعية والتقاعس عن محاربة الفساد والاحتكار، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، ورفض الحزب اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي الذي اعتبره نقطة تحول فاصلة سوف يكون لها انعكاساتها على مجمل السياسات الداخلية والخارجية، وهو ما تجسد في القرارات الكارثية الأخيرة بتحرير سعر الصرف ورفع اسعار السلع والخدمات الرئيسية مما ادى الي موجات غير مسبوقة من الغلاء لم يراها المواطنين من قبل، وانخفاض الدخول الحقيقية بنسبة لا تقل عن 30%، واصدار قانون ضريبة القيمة المضافة والخدمة المدنية واستعداد البرلمان أيضا لإصدار عدد من التشريعات المعادية لمصالح الطبقات الشعبية أبرزها قوانين العمل والنقابات العمالية والجمعيات الأهلية وتعديل قانون الإستثمار، وهو ما يؤكد انحياز السلطة للرأسمالية الكبيرة التابعة والطفيلية والريعية ، والإصرار على السير في نفس طريق الخصخصة والتوجه النيوليبرالي وانسحاب الدولة من مجالي الاقتصاد والخدمات والمزيد من تقليص القطاع العام،. ذلك الطريق الذي أدى إلي خراب البلاد وثار عليه الشعب.

لقد طرح حزبنا والقوى الوطنية والتقدمية منذ فترة طويلة رؤية اقتصادية واجتماعية وطنية متكاملة بديلة لأجندة الاحتكارات الرأسمالية العالمية وصندوق النقد الدولي، غير ان السلطة الحالية وأسلافها ترفض الإنصات إليها وتصر على السير في طريق مسدود قد يؤدي الي إشعال الفوضى وتهديد وحدة البلاد وتماسكها.

وفي نفس الوقت كان حزبنا واعيا للأوضاع الحرجة التي تمر بها البلاد، والاخطار المتصاعدة التي تحيط بنا سواء من جماعات الإرهاب في سيناء والدول المجاورة او بسبب تربص قوى الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية واصرارها على اضعاف دور مصر وابقائها دولة تابعة، لذلك أيد المواجهة الأمنية للسلطة في مكافحة الإرهاب، وكذلك بعض مواقفها الايجابية في مجال السياسة الخارجية، مع حرص الحزب على طرح الشروط والخطوات الضرورية لجعل هذا التوجه الإيجابي أكثر فعالية واقل ترددا في اتجاه اتخاذ مبادرات فعالة لتحقيق استقلالية القرار الوطني ومواجهة المخططات الإمبريالية والصهيونية، وفي ضرورة التصدي للإرهاب بشكل شامل وتجفيف منابعه السياسية والاقتصادية والفكرية، كما اثنى الحزب على نجاح الحملة القومية لعلاج فيروس سي .

وكان الحزب مدركا أن خطر جماعة الإخوان وحلفائها في الداخل والخارج مازال قائما رغم الضربة القاصمة التي وجهت إليها والرفض الشعبي العارم تجاهها. واكد على رفض الضغوط الخارجية للمصالحة مع هذه الجماعة الإرهابية وكذلك نفس الدعوات التي انطلقت من بعض الأبواق في الداخل.

وسوف يتعرض هذا التقرير الى تحليل الوضع السياسي والتطورات التي حدثت منذ اجتماع اللجنة المركزية السابق على جميع الأصعدة المحلية والعربية والدولية.

الوضع الداخلي

أولا: الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية

1- رفض بيان الحكومة:

اصدر المكتب السياسي في 4 ابريل 2016 بيانا بعنوان "بيان الحكومة ينحاز لرأسمالية المحاسيب ويواصل السياسات الفاشلة" أعلن فيه أسباب رفض الحزب لبيان الحكومة الذي قدمته لمجلس النواب بالتفصيل، حيث أكد بيان الحزب على "انه جاء تكرارا لبيانات الحكومات السابقة منذ عهد مبارك، واستمرارا لذات السياسات النيوليبرالية الفاشلة التي أدخلتنا في هذا النفق المظلم، كما جاء حافلا بعبارات إنشائية دون آليات وإجراءات ملموسة وتوقيتات محددة خاصة بالنسبة للقضايا التي تهم عشرات الملايين من الفقراء والكادحين، بينما كانت عباراته واضحة تماما ومنحازة لرجال الإعمال وكبار المستوردين وأصحاب المصالح أو من يطلق عليهم رأسمالية المحاسيب.

2- الأثار الخطيرة للاتفاق مع صندوق النقد الدولي

جاء إعلان البنك المركزي المصري يوم الخميس 3 نوفمبر الجاري عن تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف ليصبح خاضعا للعرض والطلب، مما يمثل خطوة جديدة وخطيرة ستؤدي إلى تحميل أصحاب الأجور والمعاشات ومحدودي الدخل المزيد من أعباء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضخمت عبر السنوات الأربعين الماضية بسبب الاستمرار في تنفيذ سياسات التبعية للاحتكارات الرأسمالية العالمية والخضوع لشروط مؤسساتها المالية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي.

لقد أدى ذلك القرار الكارثي غير المسبوق إلى انهيار قيمة الجنيه المصري، ولم يتم الاكتفاء بخفض القيمة الشرائية للجنيه بل تم في مساء يوم صدور القرار رفع أسعار البنزين والسولار بنسب كبيرة، وسبقه رفع أسعار الدواء والكهرباء والمياه والغاز مما أدي إلى ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات إلى مستويات غير محتملة وكارثية بالنسبة للأغلبية الساحقة من المصريين.

إن قرار محافظ البنك المركزي جاء تنفيذاً لسياسة أقرتها الحكومة والرئيس السيسي، كما أنه تنفيذ لمطلب دائم لصندوق النقد الدولي منذ عقود ضمن ما يسميه "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، الذي تتركز عناصره في تعويم العملة المحلية، وخصخصة القطاع العام، وإنهاء الدور المباشر للدولة في الاقتصاد، والتحرير الكامل للأسواق، وتحميل الفقراء والطبقة الوسطى أعباء هذا البرنامج عبر تخفيض الدعم ورفع أسعار السلع وزيادة الضرائب العمياء التي تصيب كل من يستهلك السلعة أو الخدمة التي فرضت عليها دون تمييز، مثل ضريبتي المبيعات والقيمة المضافة، وفي المقابل فإن شريحة الأثرياء الكبار، التي حددتها إحصاءات العام 2014 بنسبة 10% من السكان، والتي تستحوذ على 73.3% من إجمالي الثروات في مصر، لن يفرق معها ارتفاع أسعار السلع، بل إنهم سيواصلون استهلاك السلع المستوردة الترفية والكمالية مهما كلنت أسعارها، بما يؤثر سلبياً على فعالية تخفيض الجنيه مقابل الدولار في تقليص الواردات كما تدعي الحكومة.

وإذا كان المروجون لبرنامج الصندوق داخل مصر يدعون أن تخفيض العملة المحلية وتعويمها سيؤدي إلى زيادة الصادرات وتدفق الاستثمارات الأجنبية، فإن الواقع الحقيقي يكذب تلك الدعاوى، حيث أن الصادرات لن تزيد إلا إذا كان لدينا إنتاج قادر على المنافسة العالمية من حيث الجودة والسعر وفائض على الاستهلاك المحلي، أو إنتاج موجه للتصدير في اقتصاد ينمو ويتطور وتوجد به استثمارات جديدة وفعالة تنتج تلك السلع، وفي الحقيقة فإن القوى الإنتاجية المصرية تم تخريبها طوال أربعين عاما منذ منتصف السبعينات وحتى الآن عبر تصفية الصناعة والزراعة وصفقات الخصخصة الفاسدة للقطاع العام لصالح كبار المستوردين ووكلاء الاحتكارات العالمية والرأسمالية الريعية.

وقد جاء هذا القرار المعادي لفقراء مصر بعد يومين من قرارات أخرى منحازة للمستثمرين المصريين والأجانب، صدرت عن الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر، حيث خرج الاجتماع بـ17 قراراً دارت أغلبها في فلك التخفيض الضريبي وإلغاء ضرائب أخرى، بالإضافة إلى تخفيض في أسعار بيع أراضي العاصمة الإدارية الجديدة، وهي قرارت مبنية على قانون الاستثمار الصادر في عام 2015، وقد صدرت خضوعاً لابتزاز رجال المال والأعمال والرأسماليين واستجابة لمطالبهم، واستمراراً لنفس سياسات السادات ومبارك الاقتصادية.

إن هذا القرار سيدفع بالفقراء إلى جحيم الغلاء، ويدفع المجتمع إلى حالة من الفوضى المدمرة، في وقت هو في أشد الحاجة فيه إلى سياسات للعدالة الاجتماعية تصمن وحدته وتماسكه في مواجهة الإرهاب المتستر بالدين والمخططات الأمريكية الصهيونية، وعملائهما داخل مصر.

إن حزبنا والأحزاب والقوى الاشتراكية تطرح منذ عقود البرنامج البديل لتجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة، والذي يتمثل جوهره في استخدام إمكانياتنا الذاتية أساساً لتنمية وتطوير القطاعات المنتجة (صناعة وزراعة وغيرها) وقيادة القطاع العام لخطط تنمية مستدامة يشارك فيها الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي بضوابط وحقوق تتناسب مع ما يقدمه اقتصادياً واجتماعياً ضمن خطط التنمية، والمكافحة الحازمة للفساد والاحتكار، وحظر استيراد السلع غير الضرورية أو التي لها بديل محلي، وتحميل العبء الأكبر في مواجهة الأزمة المالية والنقدية للطبقات الأكثر ثراءً عبر سياسات ضريبية عادلة وحازمة، والتوزيع العادل لعوائد التنمية لصالح الطبقات الأكثر فقراً في الأجور والخدمات، وفي هذا الصدد يرى الحزب الشيوعي المصري أن الحد الأدنى للأجور الذي تحدد في عام 2014 بمبلغ 1200 جنيه شهرياً، لم يعد كافياً لمواجهة أعباء انهيار القيمة الشرائية للجنيه ، ولابد ألا يقل عن 1800 جنيه شهرياً لأصحاب الأجور والمعاشات، ولا بد من اصدار قانون بتحديد الحد الاعلى للأجور دون اي استثناءات تطبيقا لما جاء في مواد الدستور.

وتقوم السلطة الآن من خلال خبرائها وأبواقها الإعلامية بإطلاق سحابات كثيفة من الدخان للتغطية على الأهداف الحقيقية للاتفاق مع الصندوق، وما سيسببه من كوارث وطنية واقتصادية واجتماعية سبق وان خربت الوطن طوال الأربعين عاما الماضية ودفعت الملايين من أبناء الشعب إلي ما تحت خط الفقر والي هاوية البطالة بل وغرق المئات من الشباب وخاصة من ابناء الريف في عمليات الهجرة غير الشرعية بحثا عن لقمة العيش، واغتالت حقوق الفقراء في التعليم والصحة والحياة الكريمة. وأصبح من الصعب للغاية وسط هذه الهجمة الإعلامية إن يتبين المواطن البسيط حقيقة المعلومات الزائفة التي يروجونها، فطريق الخراب الاقتصادي المستند إلي السياسيات النيوليبرالية وحرية السوق الذي سار عليه مبارك والسادات يصبح هو الإصلاح الاقتصادي الذي سوف ينقذنا من أزمتنا، وبرنامج الخصخصة الذي أدى إلي تجريف ثروات وممتلكات الشعب المصري واستشراء الفساد يصير هو الأسلوب الأمثل لجلب الاستثمارات وتوسيع قاعدة الملكية، ويصبح شعار "الحماية الاجتماعية" وبرنامج تكافل وكرامة واسلوب التسول الذي تروج له الاعلانات هو البديل لمبدأ "العدالة الاجتماعية" الذي يقوم أساسا على التزام الدولة بتلبية الحقوق الأساسية للمواطنين المكفولة في الدستور.

3- مظاهر الأزمة الاقتصادية الطاحنة:

ولا شك ان هذه السياسات قد أوصلتنا إلي الأوضاع الكارثية التي نعيشها الان، حيث تعاني البلاد من ديون حكومية تزيد على 110% من الناتج المحلي الإجمالي، وتستورد ثلاثة إضعاف الصادرات تقريبا، وأصبحت مصر في مكانة متدنية للغاية عالميا من حيث الإنتاجية ومستوى التعليم والرعاية الصحية والكفاءة الإدارية، وتدفع الحكومة للمصارف التي تقرضها فوائد عن هذه الديون أكثر مما يحصل عليه موظفوها كل سنة، وأنفقت الحكومة أكثر من 100 مليار جنيه مصري على دعم المستوردين لمواجهة سعر الصرف بينما استمر الجنيه في الانخفاض والدولار في الارتفاع. كما أن رفع معدل الادخار من 6% الان وهو ما يعد من ادني معدلات الادخار في العالم إلي 10% في نهاية عام 2018 الذي تطمح اليه الحكومة لن يؤدي بالقطع إلي احداث اي تنمية او توفير فرص عمل للداخلين الجدد في سوق العمل (800 ألف سنويا يزيدون بمعدل 2%).

كما ان المشروعات القومية الكبرى التي تتم تحت إشراف الرئيس شخصيا والقوات المسلحة لا يمكن إن تكون هي بحد ذاتها حلا للأزمة، خاصة في ظل سيادة نهج الإنفراد بالقرار وعدم وجود مشاركة مجتمعية ورقابة برلمانية،وغياب رؤية عامة وانعدام للشفافية وعدم الإفصاح عن تكاليف هذه المشروعات الفعلية وكيفية تدبير الموارد المالية اللازمة لها، ومدى أولوية هذه المشروعات في إطار خطة التنمية الشاملة التي تحتاجها البلاد، وفي هذا السياق يؤكد الحزب على ان ما سوف يتم صرفه من عشرات المليارات على العاصمة الإدارية الجديدة كان الاولى انفاقه على التعليم والصحة والنهوض بالصناعة والقطاعات الإنتاجية الأخرى. كما تجدر الإشارة هنا أيضا إلي المخاوف المثارة من تزايد دور الجيش الاقتصادي- رغم إدراكنا لأهميته في الظروف الحالية في ظل انعدام كفاءة أجهزة الدولة وتفشي الفساد فيها- على حساب مهامه الأصلية وتأثير ذلك سلبيا على عملية التطور الديمقراطي ومدنية الدولة خاصة في ظل استسهال السلطة إحالة أي مشكلة او أزمة تواجه البلاد للقوات المسلحة بدلا من تقاعسها عن تطهير جهاز الدولة والمحليات من الفساد وعن مواجهتها بحسم لمافيا الاحتكار.

والدليل الساطع على أن حكومتنا لا تستجيب إلا إلى املاءات المؤسسات الرأسمالية العالمية والاصوات العالية لأنصار التوجه النيوليبرالي من الرأسماليين المحتكرين والريعيين هو أنها صمت أذانها تماما عن التوصيات الذي تقدم به "الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين" وهو قطاع منتج من الرأسمالية الذي يطالب "بضرورة الأخذ بالضرائب التصاعدية ومكافحة التهرب الضريبي، وترشيد الإنفاق الحكومي بالامتناع عن شراء أي أصول لمدة ثلاث سنوات، والحد من الواردات، ووقف استيراد السلع غير الضرورية، وكذلك السلع التي لها مثيل من الإنتاج الوطني، والمزيد من الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي، وجعل العدالة الاجتماعية واقعا ملموسا يستشعره كل أبناء الشعب".

ويتكرر حديث الوزراء والمسئولين وأبواقهم الإعلامية عن المؤامرات الداخلية والخارجية وتحميلها مسئولية كل المشاكل والازمات التي تواجهها مصر، في حين يرى الحزب انه لا يمكن نجاح أي مؤامرة في تحقيق أغراضها إذا لم تجد وضعا داخليا هشا وسياسات وممارسات فاشلة وعاجزة للسلطة تزيد من معاناة الجماهير ويأسهم، مما يخلق وضعا يسهل لهؤلاء المتربصين في الداخل والخارج من تحقيق أهدافهم، كما أنه يجب أن يكون معلوما أن الذي يحمي مصر من الضياع هو وجود برنامج وطني لتحقيق تنمية شاملة تلبي مطالب وحاجات الأغلبية العظمى من الجماهير، ويلتف حوله الشعب والجيش، فذلك هو السبيل الوحيد لمواجهة كل التحديات وهو القادر على حماية البلاد من أي مؤامرات.

4- تقاعس السلطة عن محاربة الفساد والإحتكار:

ويرى حزبنا إن الحكومة هي المسئول الأول عن الارتفاع الجنوني للأسعار هذه الأزمة الخانقة وإنها عاجزة تماما ولا تستطيع بل لا تريد اتخاذ إجراءات حاسمة ورادعة لضبط الأسواق، والضرب بيد من حديد على التجار الجشعين والقضاء على مظاهر الفساد المستشري داخلها، وعدم المواجهة بحسم مع مافيا الاستيراد والمحتكرين للسلع الإستراتيجية.

ان السلطة الحالية حتى الآن تقوم بتحويل الحرب ضد الفساد من معركة ضد منظومات وقوانين وشبكات مصالح إلي معركة محدودة ضد بعض الأفراد حين تفوح رائحتهم وتتصاعد المطالبة بضرورة عزلهم كما حدث من قبل في قضية فساد وزير الزراعة وتكرر مع وزير التموين حيث تم التستر على مافيا الفساد في الوزارتين والتي تضم من هم اقوي وأكثر فسادا من الوزراء أنفسهم، ناهيك عن التصالح مع الفاسدين بعد رد جزء من الأموال المنهوبة كما حدث مع الملياردير الفاسد الهارب حسين سالم ورموز الفساد في عهد مبارك المخلوع.

كما انه لا يمكن النجاح في محاربة الفساد والاحتكار في مناخ تغيب عنه الشفافية والمساءلة وتحكمه قوانين تسهل هيمنة الفاسدين والمحتكرين على مواقع اتخاذ القرار ومؤسسات التشريع والإعلام، وتغل يد المؤسسات الرقابية (الرقابة الإدارية- جهاز حماية المستهلك- جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار) كما لا يمكن محاربة الفاسدين بقوانين تم سنها في زمن احمد عز!!.ولا بد من تغليظ العقوبات والحرص على استقلالية هذه المؤسسات، وعدم خضوعها للوصاية الحكومية التي تقوم بتنشيطها أو تجميدها حسب الطلب.

ثانيا: تراجع الهامش الديمقراطي وتزايد اعمال القمع والتضييق على الحريات:

أن تنفيذ الإجراءات الاقتصادية الأخيرة أدى وسوف يؤدي بالضرورة إلي تصاعد مظاهر السخط والرفض الشعبي لهذه السياسات، ومن المتوقع أن يصاحب ذلك تشديد آلة القمع الأمني والمزيد من الاجراءات التي تؤدي الى خنق حرية الفكر والتعبير، خاصة الحق في التظاهر السلمي، الأمر الذي سيكون له تداعيات خطيرة على مسار التطور الديمقراطي والسياسي في البلاد.

ومما يزيد الأوضاع الديمقراطية سوءاً ضعف الأحزاب السياسية وتجاهل السلطة الكامل لها، رغم انه لا يمكن تطوير الحياة السياسية والديمقراطية بدون أحزاب سياسية قوية وفاعلة لان ذلك هو الذي يحمي البلاد من الإخطار الناتجة عن انفراد السلطة شبه التام باتخاذ القرارات المصيرية. مع تأكيدنا في نفس الوقت على ان الأحزاب ذاتها تتحمل قدرا غير قليل من المسئولية عن ضعفها

وتتجسد المظاهر السلبية والخطيرة على تطور الحياة الديمقراطية في عدم احترام البرلمان للدستور وقواعد الديمقراطية واصداره لحزمة من القوانين المعادية لمصالح الجماهير نتيجة سيطرة كتلة ائتلاف "دعم مصر" الخاضعة تماما لهيمنة السلطة التنفيذية والمؤسسات الأمنية، وهذا يعود الي اصرار الحكومة والأجهزة الأمنية على فرض قانون الانتخاب الذي سهل وجود هذه الأغلبية الموالية التي لا تختلف عن أغلبية الحزب الوطني المنحل. رغم وجود مجموعة قليلة من النواب الوطنيين الشرفاء الذين لا يدخرون جهدا لمواجهة هذا السيل من القوانين والإجراءات المعادية لمصالح الشعب والمقيدة للحريات، وابرزهم كتلة 25-30.

كما تصر السلطة على فرض قانون انتخابات المحليات على غير إرادة معظم القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، حيث تصر السلطة على أن يكون النظام الانتخابي( 75% قائمة مطلقة و 25% فردي) مما يؤدي بالضرورة إلي هيمنة الحكومة وأجهزة الدولة والأمن على تشكيل القوائم الانتخابية لهذه المجالس وهو ما يعني عمليا استمرار هيمنة الفاسدين والوصوليين والمنافقين عليها. في حين يرى الحزب وحلفاؤه من الأحزاب الاشتراكية والقوى الديمقراطية أن نظام انتخابات المحليات الملائم يجب أن يكون على أساس (50% قائمة نسبية و 50% فردي) كما يرى الحزب ضرورة تحالف قوى اليسار مع القوى الوطنية والديمقراطية في معركة المحليات القادمة تحت شعار تطهير المحليات من العناصر الفاسدة والضغط من اجل ان تكون المجالس المحلية المنتخبة حكما شعبيا محليا، وذلك بان يمنحها القانون المزمع صدوره بشأنها حقها في المشاركة في القرارات المتعلقة بالتنمية المحلية ومراقبة الوحدات التنفيذية المناظرة لمستوياتها، ومحاسبة هذه الوحدات أو أي مسئول فيها وسحب الثقة منهم إذا اخطأوا أو إذا بدر منهم أي فساد.

وبالنسبة للنقابات المهنية فمن الملاحظ أن الحكومة تضيق ذرعا باستقلاليتها وخاصة النقابات المؤثرة فيها، حيث تريد فرض وصايتها على مجالس إداراتها المنتخبة. تلك المجالس الحريصة على ممارسة دورها في حماية مصالح أبناء مهنتها، والدفاع عن حقوق المواطنين المنصوص عليها في الدستور وقد حدث هذا مع نقابة المحامين والأطباء والصحفيين والمهندسين في الفترة الأخيرة. حيث استمر تربص السلطة بقيادات هذه النقابات بل وسعيها لتشويه صورتهم كما حدث مع نقيب الصحفيين وبعض أعضاء مجلس النقابة في اعقاب مظاهرات تيران وصنافير الذين صدر بحقهم حكم بالحبس عامين في سابقة ليست لها مثيل في التاريخ الحديث، فضلا عن مماطلة الحكومة ومناورتها مع والبرلمان في منع إصدار القانون الموحد للمؤسسات الصحفية والإعلامية الذي أعدته لجنة الخمسين ووافقت عليه الحكومة منذ شهور، والتواطؤ لاصدار قانون جديد يفرغه من محتواه.

وسوف تشهد الأسابيع القليلة المقبلة معركة داخل مجلس النواب وعلى امتداد مواقع العمل في مصر بين طرفين احدهما الحكومة التي تسعي لتمرير قانون للنقابات العمالية سرا يضرب بعرض الحائط نصوص الدستور والاتفاقات الدولية ويهدف إلي اعتبار الاتحاد العام لنقابات عمال مصر الحكومي هو التنظيم النقابي الوحيد، ونزع الشرعية عن النقابات التي أنشأها العمال بإرادتهم الحرة، وذلك بالتواطؤ مع قيادات الاتحاد الحكومي ولجنة القوى العاملة في مجلس النواب ، في حين يتمسك العمال والقوى والحركات المؤيدة لهم بمشروع قانون تم إعداده بعد حوار عمالي ومجتمعي واسع استمر عامين عقب ثورة يناير 2011 واقره مجلس الوزراء في ظل حكم المجلس العسكري السابق، وظل صدوره متعثرا أيام حكم الإخوان وحتى الآن، وجاء دستور 2014 ليؤكد توافق هذا المشروع مع نصوصه، وقد تبنى عدد من النواب الشرفاء هذا المشروع وقدموه إلى البرلمان في مواجهة القانون الحكومي السري فيما يستعد العمال واللجان والحركات المؤيدة لهم لخوض معركة القانون دفاعا عن حقهم الدستوري والإنساني في إنشاء نقاباتهم بحرية.

وتجدر الإشارة إلي انه قد تفجرت في العديد من المحافظات خلال شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين عشرات الاحتجاجات العمالية في العديد من المواقع، وابرزها ما قام به عمال شركة الكوك في حلوان وعمال تكنوجاز والمطابع الأميرية وعمال الترسانة البحرية والنقل العام وغيرها ضد التصفية والخصخصة والفساد والتي يطالب عمالها بالتثبيت وبالمستحقات المالية المتوقفة منذ سنوات، وقد قامت السلطة بقمع هذه الاحتجاجات بمنتهى الشراسة الى حد القبض على عمال الترسانة البحرية والنقل العام ومحاكمتهم عسكريا في سابقة خطيرة.

هذا وتستمر جوقة المنافقين للسلطة بالتشهير بالمخالفين في الرأي وتخوينهم.بالإضافة إلي منع نشر عدد من الكتاب من الكتابة في الصحف القومية وإيقاف مذيعين من الظهور على الشاشة، بالإضافة لاستمرار حبس العديد من النشطاء والشباب المعارضين والمتظاهرين السلميين، كما تتجاهل الحكومة المطلب الملح بضرورة تعديل قانون التظاهر الذي يستخدم كسيف مسلط على الحركات الاحتجاجية ، كما ترفض الحكومة ومجلس النواب إلغاء مادة ازدراء الأديان حتى تستمر دعاوي الحسبة لحبس المثقفين والكتاب الذين يتصدون لفتاوى التكفير وللمناخ الظلامي السائد. كما تصر الحكومة ايضا على إصدار تشريع قانون العمل الذي يهدر الكثير من حقوق العمال. كما تريد فرض قانون للجمعيات والمنظمات غير الحكومية لإحكام الوصاية عليها وإفقادها استقلاليتها رغم اتفاق كل القوى الديمقراطية ومطالبتها بإصدار القانون الذي تم اعداده من قبل و الذي تم تعطيله صدوره، والذي يؤكد على المعايير الموضوعية لتقييم أداء هذه المنظمات ومراقبة التمويل الأجنبي وعدم معارضته لأحكام الدستور مما سوف يكون له أثر كبير في وقف حالة الاحتقان التي تضر بسمعة مصر خارجيا وداخليا.

وتستمر الانتهاكات المعادية لحقوق الانسان وعمليات التعذيب الممنهجة في اقسام الشرطة في ظل تجاهل السلطة للمطالب الملحة بضرورة اصلاح وإعادة هيكلة جهاز الشرطة والتوقف تماما عن ممارسات القمع والترويع التي كانت احد الأسباب الأساسية للثورة على نظام مبارك والاخوان.

وما زال يهيمن الفكر الوهابي والسلفي على المؤسسات الدينية بل ويتم فتح المجال الإعلامي والدعوي لمشايخ السلفية وقيادات حزب النور لنشر فتاوى العنف والتمييز والتكفير من على منابر المساجد. والسماح لهم وللعديد من أحزاب الإسلام السياسي بالعمل السياسي بالمخالفة للقانون والدستور.

وفي ضوء تصاعد أصوات المعارضة والكنائس المصرية على ترويع وإرهاب المواطنين المصريين المسيحيين في العديد من قرى الصعيد وتهجيرهم والهجوم على كنائسهم واستمرار إحلال المجالس العرفية محل القضاء والتخاذل في عدم معاقبة المجرمين والمحرضين. وافق مجلس النواب على مشروع قانون بناء وترميم الكنائس الذي تأخر صدوره لعشرات السنين. ورغم أن هذا القانون يعد خطوة ايجابية من وجهة نظر الحزب جاءت رغم معارضة التيارات السلفية والظلامية المعادية لحق المواطنة وحرية الاعتقاد، إلا إننا نرى انه قانون قاصر ويتضمن في بعض مواده تمييزا غير دستوري لحقوق المواطنة، وشروطا قاسية ومعوقات أمام بناء الكنائس.

ويؤكد الحزب الشيوعي المصري على موقفه المبدئي واستمرار نضاله مع كل القوى الديمقراطية في المطالبة بضرورة إصدار قانون موحد لدور العبادة يكفل لكل المصريين حقهم في حرية الاعتقاد وممارسة شعائرهم الدينية ومعارضة أي قيود غير دستورية تعمل على التمييز بين المواطنين. مع التأكيد على ان القانون وحده لن يؤدي الي حل هذه المشكلة الخطيرة حيث تكررت وسوف تتكرر هذه الأحداث طالما استمر هذا المناخ الظلامي والتواطؤ الحكومي مما يهدد بعودة اشتعال الفتنة الطائفية وتفكيك التماسك المجتمعي.

ولقد انتقد حزبنا مؤتمر الشباب الذي عقد في شرم الشيخ برعاية الرئيس ونظمته مؤسسات الدولة برعاية الرئيس حيث غاب عنه التمثيل المؤثر لقطاعات كبيرة من شباب مصر وخاصة من العمال والفلاحين والفئات التي تمثل الغالبية العظمى من الشباب، كما لم يتم توجيه الدعوة للعديد من شباب الاحزاب السياسية سوى من تم انتقائهم من قيادة المؤتمر، كما تم التعرض بشكل هامشي للقضايا الرئيسية الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها قضية البطالة، غير ان حزبنا يرى ان التوصيات الاخيرة التي صدرت عن المؤتمر وخاصة ما يتعلق منها بالافراج عن الشباب المحبوسين وتعديل قانون التظاهر وعقد مؤتمر قومي للتعليم والاسراع باصدار قانون للاعلام والصحافة التي كثيرا ما طالب بها الحزب والقوى الوطنية والديمقراطية، هي توصيات ايجابية بشرط ان توضع هذه المرة موضع التنفيذ الفعلي ولا تتعامل معها السلطة بمنطق المناورة والشو الإعلامي لامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد كما فعلت في المرات السابقة.

ثالثا ضرورة مواجهة الإرهاب مواجهة شاملة:

كشفت تطورات الأحداث وتصاعد والعمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة عن أن معركة الإرهاب هي معركة صعبة وطويلة ومع احترامنا الكبير للشهداء من الجيش والشرطة الذين دفعوا أرواحهم لحماية الوطن والشعب من هذه الجماعات الإرهابية، وتقديرنا للدور الأساسي للمواجهة الأمنية في الحرب ضد الإرهاب والتي حققت نجاحا نسبيا واضحا في سيناء، ، إلا إننا نؤكد أن المعركة مع الإرهاب يجب أن تكون معركة شاملة على جميع المستويات الأمنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وخاصة المواجهة الفكرية في مجالات الإعلام والتعليم والثقافة وضرورة إطلاق حرية الإبداع في مواجهة هذا التيار الظلامي لإعلاء دور العقل والعلم والفن الراقي وقيم التسامح، ولا بد في هذا السياق من تغيير وليس تجديد الخطاب الديني السائد الذي يكرس مناخاً يفرز هذه الأفكار المتعصبة التكفيرية، وتطهير المؤسسات الدينية من العناصر الوهابية المتطرفة وإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تسهم في إيجاد مناخ لجذب الشباب اليائس إلي مصيدة هذا الفكر الظلامي.

رابعا العمل الجبهوي:

سعى الحزب الشيوعي دائما لإقامة تحالف للقوى اليسارية والتقدمية في إطار جبهة وطنية ديمقراطية تناضل من اجل تحقيق المهام الثلاث الرئيسية للثورة الوطنية الديمقراطية المرتبطة جدليا ( الاستقلال الوطني وإنهاء التبعية – تحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية – انجاز التحول الديمقراطي)مع اضافة مهمة رابعة وهي ضرورة القضاء على الإرهاب.

ويقر الحزن بأن العمل الجبهوي بشكل عام واليساري منه بشكل خاص لم يرتق أبدا إلي مستوى التحديات التي تواجهنا، وانه لا يزال قاصرا وضعيفا. ولا شك أن ذلك يعود في جانب كبير منه إلى الأسباب والظروف الموضوعية وضعف الحياة السياسية ذلك الأمر الذي ناقشناه في الكثير من الندوات وفي مجلة أفاق اشتراكية إلا إن ما يهمنا التركيز عليه الان هو ضرورة تجاوز الأسباب الذاتية التي تدخل في صميم مسئولية قيادات كل حزب يساري وداخل التيارين الأساسيين في صفوف الحركة اليسارية ( التيار الاشتراكي الماركسي والتيار القومي الناصري)

وبالنسبة لتنسيقية الأحزاب والقوى الاشتراكية التي تضم أحزاب الشيوعي والاشتراكي والتجمع، فقد قامت بالعديد من الإعمال والمواقف الايجابية لعل أبرزها سلسلة الندوات التي عقدتها التنسيقية من اجل التقدم ببرنامج اقتصادي بديل وشامل، والمبادرات التي قامت بها تنسيقية العمال في الأحزاب الثلاثة في معركة قانون النقابات العمالية ومساندة التحركات العمالية، وكذلك نجاح هذه الأحزاب في استضافة اجتماع تنسيق اللقاء اليساري العربي الذي ضم عددا من القيادات اليسارية العربية. ولكن هذا النشاط الجبهوي للتنسيقية لم يتجاوز حدود التنسيق حتى الان، ولم يرتق بعد إلي مستوى تطلعاتنا وطموحات أعضائنا وشبابنا الذين يطالبون بضرورة تشكيل قيادة موحدة لليسار وخوض المعارك المشتركة على جميع المستويات السياسية والجماهيرية والتنظيمية وهو ما نعمل عليه الان لتشكيل اللجنة الشعبية ضد الغلاء والافقار التي تضم الأحزاب اليسارية والناصرية لمواجهة الإجراءات الأخيرة، كما الاتفاق ايضا على اجراء حوار جدي لتشكيل تحالف استراتيجي بين هذه القوى على أساس برنامج مشترك ومهام محددة .

وسوف نسعى وندفع في اتجاه حشد وتوحيد جهود الاحزاب اليسارية مع الحركات والمنظمات الديمقراطية والنقابات المهنية والعمالية والاتحادات الفلاحية والطلابية والنسائية حول برنامج بديل للسير في تحقيق أهداف وطموحات الشعب ومهام الثورة الوطنية الديمقراطية.

الوضع الدولى والعربى:

أولا: الوضع الدولى:-

لقد شهد الوضع الدولى المعاصر عدة تحولات مهمة على صعيد مكونات أطراف الصراع العالمى منذ انهيار الاتحاد السوفيتى ومنظومة الدول الاشتراكية عام 1992. فبعد انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم ومن ورائها باقى دول المعسكر الامبريالى الغربى (حلف الأطلنطى), برزت خلال السنوات العشر الأخيرة عدة اقطاب مهمة نازعت الولايات المتحدة موقع صدارتها ووقفت فى وجه محاولاتها الهيمنة على مقدرات العالم. فظهرت روسيا الاتحادية بزعامة الرئيس بوتين دولة قوية تواجه الولايات المتحدة والغرب فى ميادين عدة, على رأسها الميدان الأوكرانى والميدان السورى. كما صعدت الصين محققة معجزة اقتصادية ونموا طفريا, خلال فترة وجيزة لاتتجاوز الثلاثين عاما. وازدادت قوتها العسكرية بشكل بات يهدد الهيمنة الأمريكية فى عدة مناطق على رأسها منطقة بحر الصين الجنوبى.

كما ظهرت عدة تكتلات اقتصادية مهمة مثلت انعطافا لافتا فى الاقتصاد العالمى بعيدا عن الهيمنة الاقتصادية لدول الغرب الرأسمالى. فظهرت مجموعة دول ال"بريكس" التى تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. كما ظهرت مجموعة "منظمة شنغهاى" والتى تضم روسيا والصين وكازاخستان وقيرغيزيا وأوزبكستان وطاجيكستان. مما جعل الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية على الاقتصاد العالمى تهتز بقوة. بيد أنه من الضرورى التنبيه هنا الى أن هذه التغيرات انما تتم فى اطار العولمة الرأسمالية ذاتها وليست بديلا جذريا عنها.

ان تغير وضعية الصراع العالمى على هذا النحو من هيمنة أحادية القطب الى عالم متعدد الأقطاب قد صحبه ظهور توجهات استقلالية بعيدا عن الهيمنة الأمريكية – الأطلسية, مثل وصول عدد من الأحزاب اليسارية الى السلطة فى بلدان أميركا اللاتينية وافلات كثير من هذه البلدان من التبعية التقليدية للولايات المتحدة بنسب متفاوتة مثل البرازيل وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراجوا والأرجنتين وغيرها. وعلى الرغم من الحصار الاقتصادى الممتد لما يقرب من ستين عاما لاتزال كوبا عصية على التطويع والاخضاع.

ان كل هذا يعنى أن التبعية لم تعد قدرا يستحيل الفكاك منه كما أن التحرر واستقلال القرار الوطنى والتقدم أضحت أمورا ممكنة، رغم التهديدات الامبريالية بالحصار والغزو. وأن البلدان الفقيرة والمحدودة الموارد باتت قادرة على المحافظة على استقلالها واستكمال خططها لتحقيق تنمية شاملة معتمدة على الذات اساسا فى وجه محاولات اخضاعها من قبل القوى الإمبريالية.

ومن جانب أخر فان هذه التطورات سوف تؤدي الى زيادة عدوانية الامبريالية والصهيونية العالمية , فالولايات المتحدة وحلفاؤها لن يسلموا بسهولة بتراجع قدرتهم على الهيمنة والتحكم, بل ان هذا الوضع بحد ذاته كفيل بزيادة النزعة العدوانية لدول المعسكر الامبريالى,وخاصة بعد صعود اليمين المتطرف في أمريكا بعد مجئ ترامب وفي أوروبا ايضا مما يهدد بالمزيد من العدوان على مصالح الطبقة العاملة وشعوب العالم ، وتزايد احتمالات الاحتكاك العسكري بين القوى العظمى والمزيد من اشعال بؤر التوتر والحروب الاقليمية والاهلية في العديد من مناطق العالم، وازدياد موجة العداء للاسلام والعرب والمهاجرين، وتزايد مخاطر التلوث والعدوان على البيئة والمناخ، وهو ما سوف تدفع ثمنه شعوب وبلدان العالم وخاصة الدول النامية.

ولا يفوتنا هنا الاشارة الى جهود الاحزاب الشيوعية والعمالية وقوى التقدم والسلم وانصار البيئة في العالم، الرامية الى تحقيق السلام العالمى المستند الى قيم التقدم والعدل والحرية وحق الشعوب فى تقرير مصيرها, وحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية, وحسب ما تقتضيه المواثيق والآليات القانونية الدولية المتفق عليها, ودون اللجوء الى القوة الا لردع العدوان والدفاع عن المصالح المشروعة.

ثانيا: الوضع العربى :-

لقد أدت هذه التغيرات العالمية الى عدة تحولات مهمة على صعيد الصراع فى المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط. فلم تعد الولايات المتحدة هى صاحبة القول الفصل أو القرار الأوحد فيما يتعلق بقضايا المنطقة. بل حضرت روسيا في الساحة بعد تدخلها العسكري في سوريا بالإضافة الي تصاعد الدور السياسي للصين "بعد الفيتو الروسي الصيني لمنع العدوان على سوريا". هذا بخلاف اللاعبين الاقليميين بالطبع تركيا والسعودية وايران.

ان الهدف الرئيس الذى تسعى لتحقيقه الولايات المتحدة, ومن ورائها الغرب الأطلسى, هو استمرار الهيمنة على سياسات بلدان المنطقة ومقدراتها وثرواتها. جنبا الى جنب, مع حماية أمن اسرائيل وتحويلها الى قوة اقليمية كبرى قادرة على التحكم فى المنطقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً, كوكيل للامبريالية. وذلك عبر اضعاف وتفتيت الدول العربية, وخاصة المحيطة بإسرائيل اما عن طريق تبنى قوى ارهابية طائفية ودعمها سياسيا وعسكريا, مثل داعش والنصرة وأضرابهما, أو عن طريق التدخل العسكرى المباشر, كما حدث مع العراق وما يحدث الآن مع سوريا بين حين وآخر. غير أننا نلاحظ أن هذه التدخلات العسكرية خلال السنوات العشر الأخيرة (خلال حقبة أوباما تحديدا), تتم على نحو انتقائى وخاطف ومدروس, وبما لايورط الولايات المتحدة والغرب فى بقاء على الأرض أو احتلال عسكرى دائم فى مناطق التوتر والصراع, (تم الانسحاب من أفغانستان والعراق). حيث نرى أن هذا السلوك قد يعد دليلا, غير مباشر, على عدم رغبة الولايات المتحدة, ومن ورائها, حلف الأطلنطى, فى التورط والانخراط بذاتهما فى أتون الصراع الاقليمى. وان تواجدت قواتهما الآن, فان ذلك يتم بصفة مؤقتة, تمهيدا لترتيب الأوراق والخرائط السياسية والعسكرية فى المنطقة, وعلى النحو الذى يمهد الأرض ليتولى الكيان الصهيونى, بالتعاون مع حلفائه الاقليميين, قيادتها بعد ذلك, نيابة عنه.

ومن هنا, يمكن القول بأن الخطة الأمبريالية – الصهيونية, تقوم على اغراق المنطقة فى الصراعات المذهبية والعرقية واحياء النعرات الطائفية والمذهبية, مما يؤدى الى نتيجتين مهمتين:

1- اضعاف وتفتيت دول المحيط العربى وتدمير جيوشها وكياناتها السياسية.

2- تحويل الصراع فى المنطقة, من كونه صراعا عربيا – صهيونيا, الى أن يصبح صراعا سنيا – شيعيا, و عربيا – كرديا, واسلاميا – مسيحيا .. الخ.

وهنا تكمن خطورة الدور السعودي الذى يتسم بالمغامرة والعدوانية، والطموح لزعامة المنطقة، وازكاء النعرات الطائفية التى يتطلبها نجاح هذا المخطط الإمبريالي – الصهيونى. واتضح ذلك خلال دورهم المشبوه في دعم الجماعات الإرهابية في سوريا وعدوانهم السافر على اليمن والذي يسهم فى نهاية المطاف, فى أن تصبح اسرائيل, باعتبارها الرابح الوحيد من كل هذه الصراعات القوة الإقليمية الأكبر في المنطقة.

كما ان ايران بعد اتفاقها مع الدول الغربية بخصوص مشروعها النووي وفك الحصار عنها سوف يزداد تأثيرها على مجريات الأمور كقوة رئيسية إقليمية في المنطقة, ولاشك ان ايران لها طموحات في الهيمنة من خلال وجود ركائز لها في بعض البلدان العربية على أساس طائفي، مستفيدة من غياب دور مصر وتدهور وتفكك الموقف العربي بشكل عام، وتستخدم دول الخليج ذلك كمبرر للاندفاع في التطبيع مع اسرائيل, بل والتعاون معها فى مواجهة ايران باعتبارها الخطر الرئيسي على المنطقة. وتجدر الاشارة هنا الى ان منطلقات ايران تختلف عن منطلقات السعودية وتركيا الخاضعتين تماما للنفوذ الإمبريالي.

ومن ناحية أخرى فان إزكاء هذه الصراعات فى المنطقة واضعاف دولها ولجوءها الى الاستعانة بقوى من خارجها يفتح شهية تركيا الأردوغانية التي لا تبتعد كثيرا عن المخططات الامريكية الصهيونية، والطامحة لاستعادة جزء من مجدها العثمانى الغابر. فاذا بها تعلن عن أطماعها فى كركوك والموصل فى شمال العراق, داعية الى اعادة النظر فى اتفاقية لوزان الموقعة فى عام 1923 ،والتي بمقتضاها تم ضم الموصل وكركوك العراقيتين الى العراق, ومن هنا نفهم سر التواجد التركى فى منطقة بعشيقة على تخوم الموصل, واصرار أردوغان على التواجد فى العراق رغم أنف الحكومة العراقية. والموقف ذاته تتخذه تركيا مع سوريا, حيث لاتخفى الأطماع التركية فى الشمال السورى, وبخاصة فى منطقة حلب وادلب. وهذا هو ما يحرك السياسة التركية الحالية فيما يتعلق باحياء فكرة الحزام الآمن على طول خط الحدود داخل الأراضى السورية. وذلك من خلال دعم الجماعات الإرهابية والعدوان العسكري والقصف الجوي والمدفعي على أهداف داخل سوريا،

وغير بعيد عن هذا المخطط الامبريالى - الصهيونى ما تواجهه كل من ليبيا واليمن من كوارث انهيار الدولة وخراب البنى التحتية وتشريد شعبيهما.

فنجد أن الدول الغربية المتمثلة فى الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الأطلنطى تعمل على محاولة هندسة الوضع السياسى والعسكرى فى ليبيا, عبر تبنى ألوان من الاتفاقات المريبة بين الأطراف الليبية, حيث يجرى دعم قوى محسوبة على الجماعات الارهابية والاسلام السياسى, تارة, وعناصر مدنية موالية للغرب, تارة أخرى. وفى الآن نفسه, يجرى العمل على استمرار حظر تصدير السلاح الى الجيش الوطنى الليبى. بما يضمن استمرار الصراع داخل ليبيا وما يلحقه من عدم تبلور كيان قوى ومستقل للدولة الليبية, الا على النحو الذى يتلاءم مع المصالح الغربية فى نهب النفط الليبى واستمرار تدفقه الى موانيها, وخدمة استراتيجيتها فى الهيمنة على بلدان المنطقة.

ان استمرار الصراع وغياب الدولة فى ليبيا يتعارض بقوة مع متطلبات الأمن القومى المصري ويشكل تهديدا دائما للمصالح المصرية, حيث تتبدى بوضوح حاجة مصر الى التى قيام كيان وطنى ليبى قوى وقادر على المساهمة فى ضبط الحدود ومواجهة تسلل الارهابيين ومهربي السلاح والمخدرات وغيرهما. فضلا عن ما تمثله ليبيا بالنسبة لمصر من عمق استراتيجى وشريك تنموى واقتصادى مهم.

أما الوضع فى اليمن فهو يبدو على قدر هائل من الاختلاط والاضطراب, فالقوى التى كانت حليفة للسعوديين فى السابق, المتمثلة فى جماعة الحوثيين والرئيس السابق على عبدالله صالح, هى نفسها القوى التى تقف الآن فى مواجهة الغزو السعودى البربرى على اليمن, بينما تتبنى السعودية ومن ورائها باقى دول الخليج عددا من القوى المتنافرة من القبائل والأحزاب, يقف على رأسها الرئيس المستقيل على منصور هادى. ولعل عددا من الأطراف الاقليمية المنخرطة فى الصراع السورى هى نفسها المنخرطة فى الصراع اليمنى, مثل ايران من ناحية, والسعودية ودول الخليج من ناحية أخرى. ومع هذا الفريق الثانى تقف بدرجة غير معلنة الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل. وعلى نحو معلن ولكنه لم يتعد المشاركة الرمزية, عدد من الدول العربية ومن بينها مصر !!! تحت ما يسمى بالتحالف العربي. فان هذا يعنى أن جوهر الأزمة واحد, وأطرافها واحدة فى كل ميادين الصراع فى المنطقة. رغم أن كل ميدان يحتفظ بقدر من الخصوصية والأسباب الداخلية الخاصة.

فالصراع فى اليمن قديم, وقد قام على أسس متعلقة بالتنافس على السلطة السياسية والتناقضات القبلية, من ناحية, كما انه يترجم عددا من الأطماع الاقليمية والدولية المتنافسة على الاستفادة من موقع اليمن الفريد وثرواته, من ناحية أخرى. ولعل هذا هو ما جعل المشهد اليمنى معقدا على هذا النحو. وبالتأكيد ما كان لمصر أن تقف موقف المتفرج فى هذا الصراع الذى سيؤثر حتما على المصالح المصرية. نظرا لارتباط باب المندب, الذى تطل عليه وتتحكم فيه اليمن, مع دول القرن الافريقى, مع الملاحة فى قناة السويس. كما أنه يعد نافذة مصر وطريقها التجارى مع الشرق. ولذا كان لابد للسياسة المصرية أن تعمل وفق حسابات المصلحة الوطنية المصرية, وبما يضمن وحدة واستقرار اليمن, وحقن دماء أبنائه. وعلى نحو مستقل, وليس وفق تحالفات مع السعودية ودول الخليج. هذه التحالفات التى قد تفضى الى نتائج لا تخدم المصالح الاستراتيجية لمصر, بل تحملها وزر حرب لم تستفد منها وليست فاعلا رئيسيا فى مجرياتها.

لقد نتجت عن هذه الحرب التدميرية أوضاع مروعة على كافة الصعد الانسانية والمادية, فهناك الآلاف من القتلى وأضعافهم من الجرحى, فضلا عن أعداد هائلة من المشردين. وهناك تدمير شبه كامل للبنية التحتية لليمن, من طرق وجسور ومدارس ومستشفيات ومصانع .. الخ. بما يجعل من الجريمة العسكرية التى اقترفتها القوات السعودية, ومن والاها, جريمة حرب بامتياز.

ولا تبدو لهذه الحرب نهاية واضحة, حتى الآن, بعد أن أضحى الصراع اقليميا ودوليا, أكثر منه يمنيا. فضلا عن الطبيعة الجيولوجية والطوبوغرافية المعقدة للارض اليمنية, بما يجعل من مسألة حسمها لأى طرف, مهما بلغت قوته, أمرا مستبعدا.

وكما هو الوضع بالنسبة للأزمة السورية وقرينتها العراقية فان الحرب اليمنية تمثل خسارة على جميع أطرافها وأولهم الشعب اليمنى. والرابح الوحيد من قيامها واستمرارها هو القوى الامبريالية وربيبتها الدولة الصهيونية.

لقد أدت كل هذه الاضطرابات والحروب وعمليات الاضعاف (فيما يتعلق بالبعض) والالهاء عن الخطر الرئيسى (فيما يتعلق بالبعض الآخر) على طول وعرض الخريطة العربية, وبخاصة فيما يخص بلدان المشرق العربى القريبة من اسرائيل, الى تراجع القضية الفلسطينية وتحولها من كونها "قضية العرب المركزية" الى أن تحتل دورا هامشيا, أو ربما منعدما, فى الاهتمام العربى (والدولى بالتبعية), بل ان الخطر كل الخطر يكمن فى ما ترمز اليه هرولة الحكومات العربية نحو التطبيع مع اسرائيل, وما اقترفته بعض الحكومات من جريمة ارسال مندوبين للعزاء فى القاتل وبانى المستوطنات الأول على الأرض العربية الفلسطينية .. شمعون بيريز, مظهرين الحزن والتأثر الشديد. خطبا لود, وطلبا لرضا, (صديقتهم) اسرائيل.

ان الصراع الرئيسى فى منطقتنا, كان ولم يزل, مع كيان العدو الصهيونى الغاصب. ومن هنا, فلابد من فضح كل المخططات والقوى الرامية الى حرف هذه البوصلة بغية استبدال هذا العدو الرئيسى بعدو آخر مفترض. كما أنه من المطلوب فضح المخطط الامبريالي الصهيوني فى المنطقة للقضاء على الكيانات والجيوش العربية, والعمل على استعادة الدور الفاعل والمبادر لمصر وتشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة التي احبطتها السعودية، والتأكيد على أهمية ايجاد الحلول السلمية العادلة للازمات التي تضمن الحفاظ على وحدة الدولة الوطنية. والعمل على بناء النظام السياسى العربى على أسس احترام سيادة الدول ورعاية حق الجوار، وتحقيق المصالح المشتركة، وتوجيه كافة الطاقات العربية نحو العدو المشترك: اسرائيل وحلفائها من القوى الامبريالية. بدلا من التردى فى حروب بينية والتورط فى صراعات ثانوية, لن ينتصر فيها احد الا اسرائيل ومن وراءها. ولابد من الدفع بقوة باتجاه قيام دولة المواطنة, غير الطائفية, الدولة المستقلة المدنية الديمقراطية العادلة.

وهذه المهام لن يكتب لها النجاح في ظل الاستقطاب الحالي بين النظم المستبدة التابعة الحاكمة وتيار الاسلام السياسي الا من خلال تشكيل جبهات وطنية ديمقراطية تقدمية على المستوى المحلي والعربي تضم الأحزاب الشيوعية واليسارية والتقدمية والديمقراطية على أساس برنامج وطني وديمقراطي لإنهاء التبعية وتحقيق الاستقلال الوطني، وتحقيق تنمية شاملة معتمدة على الذات وانهاء الإستبداد والقضاء على الإرهاب .

29 نوفمبر 2016
اللجنة المركزية

الحزب الشيوعي المصري