شجاعة سياد بري وكونفيدرالية فيدل كاسترو


خالد حسن يوسف
2016 / 11 / 27 - 03:29     

محمد سياد بري حل على السلطة من مدخل الانقلاب العسكري بينما دخلها فيدل كاسترو من واجهة التمرد المسلح, الأول وصل لسلطة في كهولته اما اثاني في شبابه, كلاى الرجلان كان صعبا المراس وعصرته التجارب, الصومالي كان برجماتي انتهازي في العادة, في حين كان سار الكوبي على خط راسخ في قناعته الايديولوجية, تمت رابطة تحالف قوية بينهما في اطار الايديولوجية التي جمعتهما, ولاشك ان الموقع الجغرافي لكوبا فرض على كاسترو الخط الماركسي اللينيني, كما فرضت المصلحة السياسية على سياد الانثماء إلى الخط ذاته

مسالتين اساسيتين دفعتا سياد نحو موسكو وحلفائها, الأمر الأول ممثلا في الرغبة لثتبيت نظام حكمه وفي ظل مرحلة تاريخية سلك خلالها العديد من الحكام ممن ارادوا البقاء المستمر والسيطرة على مقاليد الحكم, فكان ذلك من خلال تبني نهج سياسي شمولي, اما المنحى الثاني فكان الحاجة للسلاح والذي كان من متطلبات المشروع القومي الصومالي والقاضي حينها بتحرير الأقاليم الصومالية الخاضعة لاثيوبيا وكينيا, كلاى الأمران شكل الاتحاد السوفيتي ومنظومة اتباعه بواجهة لتحقيقه, وفيما بعد فرض المشروع القومي الصومالي على سياد بري الخلاف مع فيدل كاسترو والمنظومة التي انثمى لها وكان من جزئيات هذا الفرض هاجس حاكم مقديشو من محاولات الانقلاب عليه.

وقد دفع الأمران الأخيرين الرئيس الصومالي لدخول الحرب مع اثيوبيا وبالمحصلة كان يعلم معنى وابعاد هذا الخيار السياسي, ودون استيعاب ذلك لا يمكن فهم سلوك الشجاعة الذي صاحب الرئيس الصومالي, والاخير كان يعلم موسكو واصدقائها قادرين على حراسة نظامه ولكنه بحكم خبرته السياسية والعسكرية ادرك ان ذلك كان سيكون مكلفا ولن يعفي نظامه من واقع الاضطراب السياسي المستمر, كما ان النظام قطع شوط كبير في سنواته السبعة الأولى في ظل خيار الحشد القومي والذي كان من الصعوبة التراجع عنه بدون تدرج سياسي, وكانت المحصلة ان الفترة 1974-1977 حبلى بحالة الترقب والترصد المتبادل ما بين الصومال ودول المنظومة الاشتراكية, إذ قطع ظهور الانقلاب العسكري في اثيوبيا على مقديشو رهانها على التحالف مع كتلة حلف وارسو, رغم ان الحالة الرومانية كانت استثناء فيما بعد.

جملة الظروف الوارد ذكرها ادت ان تتخد القيادة السياسية الصومالية قرار دخول الحرب مع اثيوبيا في عام 1977 وفي ظل وجود عسكري سوفيتي مكثف في الصومال وبذلك كان التحدي الأول الذي خاضه الرئيس محمد سياد بري, وعلى أثر ذلك جرى شد الحبل بين مقديشو وموسكو وصولا إلى عام 1987, فجاءت مبادرة حاكم كوبا فيدل كاسترو, لكي تحقق استيعاب نهائي للصومال وقيادتها السياسية, طرح مشروع الكونفيدرالية بين عدة دول شملت الصومال,اثيوبيا,اليمن الجنوبي, لخلق تكثل اقليمي ايديولوجي كان سينتهي كسوفيتية ثانية كانت ستشكل في حال تحقيقها كمخلب قط تجاه مصالح خصوم حلف وارسو, وعلى مستوى الواقع السياسي فان الدول الثلاثة كانت تخوض صراعات - نموذج الصراع الصومالي والاثيوبي ومن جانب آخر الصراع الصومالي- الكيني, وفي اتجاه آخر الصراع اليمني الجنوبي مع شقيقه الشمالي وفي شق آخر صراع عدن مع السعودية ايديولوجيا وعلى خلفية احتلال الأخيرة في عام 1972 لمنطقتي الوديعة وشرورة واللتان شكلتا جزء من تراب اليمن الجنوبي, بينما كانت اثيوبيا تعيش صراع داخلي مع اريتيريا الخاضعة انذاك لجغرافيا السياسية لاديس ابابا, وكانت جبهة التحرير الاريترية ممثلة بتيار أحمد ناصر في صدد تصور مشروع الكونفيدرالي.

وفي ظل استمرار الحرب بين الصومال واثيوبيا عام 1978 تمت لقاءات بين الطرف الصومالي ممثلة بزيارة وزير الدفاع الصومالي وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الثوري الصومالي الفريق محمد على سماتر لموسكو,لقاء جمع قيادات اليمن الجنوبي,الصومال,اثيوبيا وكوبا في مدينة عدن وزيارة لحاكم كوبا فيدل كاسترو, نتائج الزيارتين صبت في طرح العرض على الصومال بقبول التسوية السياسية مع اثيوبيا وقبول الانضمام إلى التجمع الكونفيدرالي المقترح مع تصور ان يمنح اقليم الاوجادين(الصومال الغربي), واقع الحكم الذاتي في ظل الدولة الاثيوبية, فموسكو التي راهنت على الصومال لسنوات كانت عازمة على التمسك بهذا البلد بكل السبل.

والمبادرة الكونفيدرالية خلقت لأجل ايجاد مخرج لصراع الصومالي-الاثيوبي واستيعاب الصومال لاسيما وان الاخيرة كانت قد قطعت شوط في بناء نظام سياسي راسخ مقارنة مع الحالة الاثيوبية المترنحة في تلك الفترة, ودلالات ذلك ان الاثيوبيين وجدوا صعوبة في استخدام السلاح السوفيتي المرسل لهم خلال الحرب وهو ما دفع حلفاء اديس ابابا في تصدر استعمال تلك الاسلحة من طيران ودبابات تحديدا كما أكد المراقبين والتصريحات التي صدرت بهذا الشان, كما ان التصور السطحي والقائل بان الحالة الاثيوبية كانت مفضلة لدى كتلة حلف وارسو بحكم مسيحية الدولة الجارة لصومال, بينما كان التصور ان الصومال في ماركسيتها اللينينية لم تقطع مع الحالة القومية والتي كانت تراها الاممية الاشتراكية بانها سقف معيق لتطلعات ايديولوجيتها واستمراريتها السياسية

خلال جملة تلك اللقاءات بين الصوماليين والأطراف الأخرى المذكورة كان الموقف الصومالي فيها حاسما ورافضا أي تسوية سياسية تتجاوز حق تقرير المصير لصوماليين الخاضعين لاثيوبيا وهو ما دفع فيدل كاسترو لتهديد سياد بري, ورحل الأول بعد زيارة قصيرة له من مقديشو وحشد على اثرها قواته في الجانب الاثيوبي, بينما واصل الرئيس الصومالي محمد سياد بري قراره الشجاع وقام على حين غفلة في ترحيل الوجود السوفيتي في الصومال خلال 48 ساعة وذلك في ظل عدم استيعاب لمفاجاءة الواقعة التي حلت على موسكو وهافنا غفلتا, رغم وجود جهاز الاستخباري في الصومال ناهيك عن حشد من الصوماليين المرتبطين بعمق, كل اؤلئك صدموا على حين غفلة, وغامر الرئيس الصومالي بمستقبله السياسي عبر قرار التحدي الشجاع وسجل يومها موقف قومي التف الصوماليين حوله, ولاشك انه لم يكن بوازع سياسي مفاجئ بل كان قرار عن سابق تصور سياسي, كانت قوى خارجية على سابق اطلاع عليه, وراهن الرئيس محمد سياد بري يومها على القومية الصومالية, وتسببت المطامع الشخصية لمغامرين سياسيين صوماليين في وأد نتائج ذلك القرار التاريخي الشجاع, وبذلك تم اسقاط الصومال تدريجيا .