العالم و تحولات سياسية كبرى


محمد فريق الركابي
2016 / 11 / 26 - 12:12     

العالم و تحولات سياسية كبرى
محمد فريق الركابي

بعد الحرب العالمية الاولى ، شعر الالمان بمرارة الهزيمة و الاهانة ، التي تعرضت لها امبراطوريتهم بعد موافقتها على اتفاقية فرساي او عقوبات فرساي على حد وصفهم ، و التي تسببت في اضعاف جيشها ، و خسارة معظم اراضي دولتهم ، و ردا على ما نتج عن الحرب ، و ضعف قادة الامبراطورية , توجه الشعب ،الى اكثر الاحزاب و الشخصيات حديثا عن التاريخ المجيد لألمانيا ، و منجزاتها ، و قدرتها ليس على النهوض من جديد داخليا ، بل قيادة العالم او اوروبا على اقل تقدير ، و نتيجة لذلك وضع الالمان كامل ثقتهم بحزب العمال الالماني او الحزب النازي الاسم الاكثر تداولا في العالم ، الذي نجح بالفعل في اعادة المانيا الى سابق عهدها و هيمنتها على اوربا , طبعا هذه الاحداث التاريخية ، بدأت تتكرر من جديد لكن بصورة اخرى ، لم تفرضها ظروف الحرب المباشرة ، او خسارة مادية كبيرة , إلا ان وجه التشابه بين الحدثين هو الشعور بعدم الرضا عن سياسة من يدير الدولة.


لم تهزم الولايات المتحدة في حروبها الاخيرة ، كما حدث مع الالمان سابقا ، و لم يفرض احد عليها شروطا ، و لم تفقد قوتها او سطوتها الى الحد الذي وصلت إليه المانيا ، و مع ذلك اختار شعبها رئيسا ، ذو ميول قومية ،مناهض لكل ما هو غير امريكي الاصل ،و يسعى بقوة الى اعادة هيمنة بلاده على العالم ،بعد ان تراجعت في عهد سلفه ، طبعا اختيار الشعب الامريكي لترامب لم يكن اساسا سياسيا فقط , بل اقتصاديا ايضا فالسنوات الاخيرة ازدادت اعداد المهاجرين الامر الذي تأثرت معه فرص الامريكان في الحصول على عمل , في ضل منافسة بينهم و ضيوف امريكا الجدد , الراغبين في الحصول على حقوق فشلوا في الحصول عليها في بلدانهم كالعمل و الحرية الدينية و غيرها التي بدأ يتخوف منها المجتمع الامريكي و لجأ الى ترامب الذي نجح في كشف تلك المخاوف و ترجمها الى وعود انتخابية اوصلته في النهاية الى البيت الابيض.


التغيير الذي شهدته الولايات المتحدة مؤخرا , كان دافعا لدولا اخرى تعرضت هي الاخرى لعدة نكسات, سياسية , و اقتصادية , بل حتى امنية , كفرنسا مثلا , التي اختارت المرشح الرئاسي المحتمل فرانسوا فيون المرشح اليميني او النسخة الفرنسية لترامب , الذي استطاع ان يستنهض مشاعر الفرنسيين , و يوجه انظارهم الى الاخطاء التي ارتكبتها الاحزاب الديمقراطية , التي تسببت في فتح ابواب فرنسا للمهاجرين و اللاجئين , ليكونوا فيما بعد سببا في خروقات اقتصادية و امنية كارثية , راح ضحيتها عشرات بل مئات من الفرنسيين , و خير دليل هي حالة الطوارئ , التي تزال قائمة حتى الان ؛ لم يكتفي المرشح الرئاسي الفرنسي فيون بذلك , بل انتقد السياسة الخارجية لبلاده , التي جعلت من فرنسا اقرب الى الدولة تحت الوصاية , و اكد ان فرنسا قوية بما يكفي لتكون في الصدارة , مؤكد ان هكذا تصريحات , تتلائم مع تفكير و مشاعر الشعب الفرنسي المحبط من السياسات التقليدية , التي حطمت فرنسا داخليا و خارجيا.


الناخب الامريكي او الاوروبي , لا يملك سوى صوته , لكنه , يعرف اهميته و قوته في التغيير الذي يريده لبلاده و ايضا له شخصيا , و تعمد الشعب الامريكي او الفرنسي الى اختيار مرشحين غير تقليديين للرئاسة , لن يكون حدثا عاديا , و سيصحبه تغييرات كبيرة , و تحولات سياسية هامة , سواء داخل تلك الدول , او حتى خارجها , فلكل مرشح نظرته , التي يراها مناسبة لقضايا العالم , الامر الذي ربما يكون بداية جديدة لحل ازمات لم تستطع الطرق الحالية فك عقدتها.