زمن تغيير الرؤساء


حنا غريب
2016 / 11 / 26 - 07:23     


راقب العالم مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية خاصة مع بلوغها مرحلتها النهائية، والتي انحصر فيها التنافس بين دونالد ترامب الذي يقوم خطابه على العنصرية وعلى اقتصادية شعبوية يمينية وقومية متطرفة تحت شعار "استعادة عظمة أميركا"، وبين هيلاري كلينتون ابنة النظام المدللة والتي تجندت معها قيادة الحزب الديمقراطي لإسقاط المرشح الإشتراكي برني ساندرز في انتخابات الحزب الداخلية. وبسبب اليأس من النظام المأزوم الذي أدى إلى تهميش وإفقار الملايين داخل أكبر وأغنى دولة رأسمالية في العالم، جنحت الفئات الأكثر تهميشاً وأجزاء من الطبقة العاملة إلى التصويت إلى المرشح الآتي من خارج النظام في تصويت ينم عن يأسها وأساها واعتراضها على الواقع الذي انتجته عقود من السياسات النيوليبرالية.
إنّ الولايات المتّحدة التي بُنيت أساساً على التطهير العرقي للأمريكيين الأصليين وعلى دعم الأنظمة الرجعية والديكتاتورية والإرهاب في الخارج، نجدها اليوم تعتمد النهج عينه في الداخل وعلى هذا الشكل العنصري للحكم كمنتج "لديمقراطيتها".
هكذا فاز ترامب رئيساً في مشهد يجسّد بداية عودة الجناح الفاشي لقيادة الرأسمالية، وليفتح الأفق أمام مستقبل محفوف بزيادة المخاطر خاصة إذا ترافق مع انتصارات يمينية مستقبلية مماثلة في أوروبا. فهذه التحولات سبق أن حصلت أثناء صعود النازية والفاشية في أوروبا، حيث غيرت الإمبريالية شكل حكمها كنتيجة طبيعية لاحتدام أزمتها.
أما الجديد في هذا التحول الخطير هو أنه يجري هذه المرة في رأس الهرم أي في الولايات المتحدة الأميركية، مع ما يؤشر إلى تراجعها كقائدة وحيدة للعالم في خضم الصراع الدائر في هذه المرحلة الانتقالية للعالم من نظام القطب الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب.
هذا المشهد يحتم علينا تعزيز الجهود الداخلية والعربية والدولية لمواجهة المشروع الأميركي في كافة ميادين الصراع دون استثناء لأنه سيستمر بالقيام بتسعير الحروب لحل أزماته الداخلية ولمواجهة القوى الصاعدة الأخرى، وسيبقي العالم كله مسرحاً للمواجهة والصراع. وفي هذا الإطار علينا أن نرفض بشكل قاطع كل الرهانات التي يروج لها في منطقتنا عن التحالف مع ترامب ضد الإرهاب.
أما على المستوى المحلي، فالأزمة ليست أقل حدةً، إذ عانى اللبنانيون في الفترة الماضية من تبعات أزمة النظام الذي فشل في تأمين الحد الأدنى من مقومات الاستقرار السياسي والاجتماعي وكذلك الأمني. فمنذ انفجار الأزمة الداخلية في لبنان بعد تفجر الصراعات الإقليمية واغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وما تبعها من انقسامات عميقة داخلية، دخل لبنان في النفق المظلم وما زال فيه حتى يومنا هذا.
وكانت أبرز مظاهر الأزمة عجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس للجمهورية وفشله في إقرار قانون جديد للانتخاب. وها هو المجلس النيابي الممدد لنفسه يستمر في المماطلة والتباطؤ المقصود في إقرار قانون جديد للانتخاب. ومن مظاهر الأزمة أيضاً عجز الحكومة عن إقرار أي تعيين إداري إلاّ بعد أشهر من الاضطرابات والمقاطعة الحكومية التي تليها تسويات فوقية تعيد تقسيم الحصص بصيغ ترضي أطراف السلطة. وتمظهرت أزمة البنية الطائفية في عدة ملفات منها ملف تفرغ أساتذة الجامعة اللبنانية، وملف سلسلة الرتب والرواتب والمستأجرين والكهرباء... وأزمة النفايات التي أظهرت السلطة على حقيقتها في مواجهة أكثرية الشعب اللبناني بعماله وموظفيه وطلابه وشبابه. كما إنّ عدم إقرار موازنة للبلاد طوال 11 عاماً شرَع أبواب الإنفاق الكيفي والاستنسابي وشكل أيضاً منفذاً لمنع البحث بالسياسات الضريبية وأي نقاش جدي في سياسات إعادة توزيع الثروة.
ويأتي اليوم انتخاب رئيس جديد ليوقف التعطيل في مؤسسة الرئاسة وحال التفاؤل لدى اللبنانيين اليوم، لجهة تسيير عجلة الدولة، إلاّ أن العبرة تبقى في تغيير السياسات وليس في إنهاء الفراغ الرئاسي في حد ذاته. لذلك بادر الحزب الشيوعي اللبناني إلى طرح العناوين التي لا يمكن من دونها البحث في أي تغيير أو إصلاح أو إنماء، فالمشكلات التي لازمت العهود السابقة ما زالت حاضرة بقوة ويمكن تلخيصها في عناوين محددة.
العنوان السياسي الأول المطروح اليوم هو الانتخابات النيابية المقررة في أيار 2017، وفي هذا المجال، تتداول القوى الأساسية عدة قوانين في العلن كالقانون المختلط أو التأهيل في القضاء ثم النسبية في المحافظة، لكنها في الحقيقة لا تتداول سراً إلاّ قانون واحد هو قانون الستين. وهذا القانون المشؤوم أنتج السلطة التي شلّت البلاد منذ عام 2005 وبالتالي لا يمكن أن يكون أساساً للتطور السياسي المطلوب بعد كل هذه السنوات. يقول أينشتاين أن "إعادة تكرار التجارب نفسها وتوقع حدوث نتائج مختلفة منها هو ضرب من ضروب الجنون"، وأي جنون تريد هذه السلطة أخذ البلاد إليه؟
لذلك أعاد حزبنا طرح اقتراحه القائم على النسبية خارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة وتخفيض سن الاقتراع إلى 18 عاماً والكوتا النسائية...، كونه الحل الذي يؤدي إلى تحقيق عدالة التمثيل من جهة، وإلى ضرب المذهبية من جهة ثانية. مع ضرورة تطبيق الدستور وفق المواد ذات الصلة وفي مقدمها المادة 22 منه التي تنص على انتخاب أول مجلس نيابي خارج القيد الطائفي.
بالإضافة إلى القانون الانتخابي الجديد، يحتاج الإصلاح السياسي لعدة قوانين منها القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية، والجنسية وتكريس مساواة المرأة فيه، والإقامة، وقانون وطني للأحزاب، وقانون جديد للبلديات يزيد من مواردها ومن صلاحياتها.
أما الحقوق الاقتصادية للبنانيين فهي مرهونة أيضاً بإصلاحات حقيقية في قوانين الضمان الاجتماعي وقانون العمل، وإلغاء نظام التعاقد الوظيفي ومعالجة نتائجه السلبية جراء تفشي نظام الزبائنية والمحسوبية واستلاب إرادة المتعاقدين والمياومين والأجراء وتراجع نوعية الخدمة العامة، وإقرار التغطية الصحية الشاملة وسلسلة الرتب والرواتب، وقانون للسكن، وقانون للتقاعد يستفيد منه كل اللبنانيين.
وليكتمل الإصلاح الاقتصادي لا بدّ من إطلاق ورشة تنمية تطال النقل العام والطرقات والمترو لحل أزمة السير والازدحام، وتطوير قطاع الاتصالات وإنهاء أزمة النفايات عبر الحلول البيئية وإصلاح جذري للكهرباء من خلال المعامل الجديدة ومصادر الطاقة المتجددة، وإنشاء صندوق وطني للنفط يستخدم حصراً للتنمية بعيداً عن خدمة الدين العام ونفقات الموازنة. ولا بدّ من علاج حقيقي للعجز عبر ضرائب تصاعدية تطال الأرباح الكبيرة والريوع والشركات العقارية والمصارف.
هل يستطيع العهد الجديد تحقيق هذه الطموحات التي يحلم فيها معظم اللبنانيين، وهل ينوي الدخول فيها؟ خصوصاً أن العهد بني على تسويات تجعل من تحقيق أي من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً. يبدو حتى الآن من خطاب القسم وما يجري على صعيد تشكيل الحكومة أننا ذاهبون مجدداً إلى نفس السياسات القديمة لتتفاقم مجدداً من بعدها أزمة النظام. لذلك كان موقف حزبنا أن الإصلاح هو في إقرار سياسات جديدة تبدأ ليس بانتخاب رئيس للجمهورية بل بإطلاق ورشة الاصلاحات والتغيير فعلاً على الصعد الآنفة الذكر كافة وهنا يكمن التحدي في زمن تغيير الرؤساء.
* الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني