نحو المؤتمر الوطني العاشر :أهمية النقد والنقد الذاتي في عملية التجديد والديمقراطية


ماجد لفته العبيدي
2016 / 11 / 21 - 17:45     

نحو المؤتمر الوطني العاشر: أهمية النقدوالنقد الذاتي في عملية التجديد والديمقراطية


يشكل النقد حيزا كبيرا من اهتمام الباحثين والمفكرين والمثقفين والسياسيين وكل المعنيين بعلم السياسية والاجتماع والعلوم الإنسانية الأخرى ، للان للنقد دور كبيرا وهاما في عملية إنتاج وبناء الأفكار والتعلم من التجارب العلمية والإنسانية ، والذي يتم عبر النقد والتقييم واستخلاص العبر والدروس واستنباط الجديد منها وإعادة ممارسته في الحياة ، ويعتبر النقد تجسيد للممارسة العقلانية في مختلف مجالات الحياة ، وقد استخدمه الإنسان منذ سالف العصور أي منذ التشكيلة الاجتماعية البدائية قبل ألاف السنين ، ليعبير عن مشاعره وانطباعاته وتصوراته عن اللاشياء والظواهر المادية والاجتماعية ، وقد اتخذ هذا النقد طابعا ارتجاليا واعتباطيا لايستند إلى المنهجية المعرفية التي تستمد قوتها من المعارف النظرية العامة بمختلف جوانب الحياة .
ويؤكد الماركسيين على أهمية العلاقة الجدلية بين فحوى النقد ومستوى تطور الوعي النقدي وعلاقتهم بمستوى تطور الوعي الاجتماعي التاريخي للمجتمعات المختلفة ، فعلى سبيل المثال في المجتمعات المتدنية التطور يتحول النقد في اغلب الأحيان إلى حالة من التقييم الاجتماعي الشخصي في( السلب والإيجاب ) والتي تتحول فيما بعد إلى حالة من النقد الهدام الذي يهدف إلى النقض والنفي والإلغاء عبر القذف والشتم والهجاء ، و يؤدي في النهاية إلى النفي المتبادل، ويؤسس إلى عملية التقاطع الحاد والتي تتناقض مع أهداف النقد العقلاني الرامية إلى ممارسة دور ايجابي في الحياة الاجتماعية .
إن النقد السلبي ( الهدام ) يخلق حساسية بالغة إزاء النقد المتبادل ويثير نزاعات وهمية تعيق العمل اليومي وتخلق حالة غير صحية في العمل والنشاط ، ويستثمر ليس لتصحيح الأخطاء و ممارسة الشفافية في النشاط والعمل ، بل يصبح عبارة عن عملية كشف حساب ومجرد نشر غسيل ، ويقضى بشكل كامل على مهمة النقد الرئيسة الرامية إلى التطوير في الأداء والعمل ، ولهذا لا يحبذ هذا الشكل من النقد الذي غالبا ما يظهر في حالات التراجع والانكسارات ووصول الأزمات إلى الأفق المسدود ، وفي فترات الصراعات الحادة والأوقات المفصلية التي تكون في الغالب مشحونة بلغة هجائية حادة تتجاوز تقيم الحالة وتركز على الحالة الخاصة والشخصية مستندة على إحكام قاطعة مبتسرة .
واليوم يتوجه الشيوعيين العراقيين لعقد مؤتمرهم العاشر، وهم عازمون على تحويله إلى نقله نوعية في حياة الحزب الداخلية لتمكنه من استعادة دوره الفاعل في الحياة السياسية ، واضعين إمام أعينهم تاريخهم النضالي الذي قدموا فيه التضحيات الغالية و التجارب النضالية المختلفة ، والتي جرى تقيمها وانتقاد اللاخطاء والسلبيات بجرأة وبسالة ثورية ، وقد أكدت تلك الممارسة النقدية والتقييمات المختلفة للعقل الجماعي في الحزب على إن نقد السلبيات و أظهار العيوب والنواقص لا يعني تدمير كل ماهو ايجابي في تجربتنا ، بل هو مسعى جاد وحقيقي لتقيم هذه السياسية واستخلاص أفضل ما في تلك التجارب النضالية الثورية الإنسانية من الايجابيات والمنجزات والعمل علي تطويرها في المستقبل .
كما أكدت تلك التقييمات أيضا على أهمية النقد البناء ودوره في بناء الحياة الحزبية الداخلية وتطوير الصراع الفكري الداخلي ،وبناء شخصية العضو الحزبي وتعليمه على الشجاعة الأدبية والجراءة في الدفاع عن آراءه وتصوراته وسياسية حزبه وخطابه السياسي الذي تم إقراره بالأغلبية في المؤتمرات الحزبية والتي تمثل العقل الجماعي الأوسع للحزب ، وفي ذات الوقت تشكل تلك التقييمات تأكيد واضح لايقبل الشك بأن الجميع أعضاء وهيئاته الحزبية ليس بدون أخطاء أو نواقص ، وان الجميع يخضعون للنقد والمسائلة الحزبية ولا يوجد أحد فوق النقد مهما كان وضعه في الحزب . .
اليوم ونحن نتوجه إلى عقد المؤتمر الوطني العاشر يحاول البعض تحويل النقد من حالة صحية تساهم في خلق الشفافية في العمل ، إلى حالة لجلد الذات أو النقد من اجل النقد ليتحول فيها النقد إلى هجوم على الآخرين والنقد الذاتي إلى حالة من دفاع عن الأخطاء والتملص من المسؤولية وإلصاقها بالآخرين ، أو إيجاد مبررات للنواقص والأخطاء وتحميلها للظروف الموضوعية والذاتية .
إن تحقيق النقد البناء والهادف ، يتوقف على درجة التزام الأعضاء والهيئات والمنظمات بالشروط والضوابط التي يجب إن يتم النقد فيها،وان النقد في كل الأحوال لا يعني الفوضى والعدمية والتنصل من المسؤولية الجماعية واقتناص الفرص ونقل الصور الناقصة والمشوه لدلاله على صحة الموضوع والنقاش والحوار ، والاعتماد على نقل الإخبار من دون التحقق من مصدرها واعتماد على مصادر غير محايدة وغير نزيه كدليل للبحث والتقصي . إن ذلك يحول النقد إلى نقدا هداما لا يلتزم بالشروط وضوابط الصراع الفكري بين الأقلية والأكثرية ويفقده الناصية الموضوعية ويشوش على طبيعة الصراع الفكري واتجاهاته ، ويفقد الأقلية والأكثرية مصداقيتها إمام الرأي العام الاجتماعي والثقافي والسياسي والحزبي في داخل المؤسسات الاجتماعية والثقافية والحزبية والسياسية والتي يتطلب أن تشد الاعضاء و الإفراد إلى بعضهم البعض ، ويعمل هذا النقد السلبي والهدام إلى تقويض عمل هذه المؤسسات المختلفة بدلا من ترميمها وصيانتها وتطوير عملها وأدائها وممارستها اليومية .
وفي ظل عملية التجديد والديمقراطية التي شرعى بها الحزب الشيوعي العراقي منذ المؤتمر الوطني الرابع عبر تقيمه لتجربة الجبهة الوطنية والتحالف مع حزب البعث و التي وسارت في طريق متعرجه وتعاني من مصاعب جدية موضوعية وذاتية ، يحاول البعض استخدام النقد والنقد الذاتي كوسيلة للمباهاة وللتصفيق والتهليل والتعريف بالهوية الثورية الشكلية التي لا تمت للتجديد والديمقراطية بصلة والى العرف الاجتماعي والحزبي بأي شكل من الإشكال الإنسانية والنضالية الاجتماعية .
وحينما يواجه البعض في ظل الصراع الفكري اليومي الذي يشكل عصب الحياة في مختلف مجالاتها ، بالحقائق والأدلة التي تبين الخطل والتجني على الآخرين ، يعلنون في زهو وكبرياء عن عدم استعدادهم لتحمل المسؤولية الكاملة الفردية والجماعية عن الأخطاء، التي وقعوا فيها، وان هذا السيل من السب والشتائم وإلغاء الأخر برأيهم ماهو الا تعبير عن الرأي والرأي الأخر ، وتعبير عن حق الأقلية في التعبير عن أرائها وتصوراتها ،ولاكنه هو التشويه والتشويش بعينه على الحق الحقيقي للتعبيرعن الرأي الأخر وحق الأقلية .
إن ضرورة النقد والنقد الذاتي تنبع من كونه اتخاذ موقف من الأخطاء والسلبيات ونتائجها المدمرة المعرقلة للمواصلة والعمل، وتحميل الإفراد والجماعات مسئولياتهم الفردية والجماعية،
وتقييم الأخطاء بالدليل والبرهان وطرح المعالجات السديدة لها وليس الاعتماد على الأهواء الذاتية والتحليلات الغير موضوعية المبنية على أساس الأوهام والخيال وأنصاف الحقائق والصور والمعلومات المبتورة والحقائق المجتزئة.
إن مفهوم النقد والنقد الذاتي والذي مارسه ماركس وانجلس ورفاقهم من قادة الحركة العمالية والاشتراكية والشيوعية في مراسلتهم وعملهم في الحركة العمالية العالمية ، وعبر نقاشاتهم وحواراتهم وكتاباتهم ودراساتهم وأبحاثهم الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية ، أكدوا فيه على حقيقة علمية لايمكن تجاوزها إلا وهي ليس هنالك حقيقة كاملة مجردة ،بل هناك حقيقة نسبية دائما ، وعليه يتطلب من الناقد الذي يتعامل مع الأشياء والظواهر الاجتماعية والمادية إن يبرهن ويثبت بالأدلة صحة تقيميه لهذه الظواهر والأشياء ارتباطا بالزمكانية التاريخية.
إن العودة إلى ممارسة النقد الثوري الماركسي الحقيقي يجب ان لاتنفصل عن الحقيقة الموضوعية في جوانبها الزمكانية التاريخية، ولا عن الجدال المعرفي البحثي وشروطه الموضوعية في البحث والتقصي للاستدلال على الحقائق ودراسة الأشياء والظواهر الطبيعية والاجتماعية ولتوضيح المسائل الأساسية المعنية بالنقاش والموضوعات المطروحة للدراسة والتقييم ، وتشكل اليوم مسودات وثائق المؤتمر الوطني العاشر واحد من أهم القضايا التي يتطلب ان يجري حولها الحوار والنقاش ، وقد جرى نشر العديد من المساهمات المتفقه والمختلفة والمتقاطعة مع مسودات الوثائق في العديد من الوسائل الصحفية والإعلامية ومنابر التواصل الاجتماعي وهي دليل على عافية وصحة وشفافية الحوار وسلامة الصراع الفكري الدائر وهذا لايعني بأي حال من الأحوال إن ذلك الصراع يخلو من الممارسات السلبية الخاطئة والتي ينحدر البعض فيها إلى مستوى الإساءة الشخصية كبديل عن البراهين ، أويجري تحجيم دور الأقلية بهذا الشكل اوذاك ، أو ترمى الاتهامات المطلقة ضد الأكثرية والتشهير بها وغيرها من الممارسات السلبية التي تحرف النقد عن هدفه الايجابي في تعزيز الديمقراطية وتطوير أدوات التجديد في العمل والحياة .
[email protected]