هَل يُحَوّل ترامپ العالم


ييلماز جاويد
2016 / 11 / 21 - 11:02     

لم أكن راغباً في إدلاء دلوي في موضوع فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة ، إلاّ بعد أن ركّز بعض الكتّاب على الإتصال الهاتفي بينه وبين حيدر العبادي وقوله له " أنتم من حلفائنا الأساسيين " . هذا التصريح الذي يمثل واقع حال ، بالإستناد إلى الإتفاقية الأمنية التي تربط بين البلدين ، ولكن بعض الكتاب أخرجوه ، في تحليلاتهم وتعليقاتهم ، من واقع تلك العلاقة .

لقد إعتبر الكثيرمن الكتاب فوز ترامب مفاجأة غير محسوبة ، ثمّ دخلوا في سياسته الداخلية والخارجية تفصيلاً ، كما يشتهون ، وظن بعضهم أنه سيحوّل العالم نحو إتجاه آخر ، وبالتالي على " زعمائنا العرب " أن يكونوا أذكياء جداً في تعاملهم مع التنين القادم .

يقول المثل المصري " يا خبر اليوم بفلوس .. بكرة يبأى ببلاش " ، تُرى لماذا لا ننتظر إلى بداية السنة 2017 حيث يستلم ترامب منصبه رسمياً ، ونرى ما سيفعل ؟

يعترف البعض أن ترامب رجل أعمال أمريكي ، وأن مؤسسته حققت أرباحاً خيالية من العولمة ، كباقي المؤسسات المالية الأمريكية ، ثم يخرجون إلى أن ترامب قد خبر الألعوبة فزجّ نفسه ليكون جمهوريّاً ، فنزل إلى الحلبة بأمواله ليُعبّر عن هشاشة " الديمقراطيين ".

النظام السياسي في الولايات المتحدة الذي يُعتبر بناؤه الفوقي ناتج البناء التحتي الذي هو مجموع علاقات المجتمع الإقتصادية ، لا يمكن تغييره من قبل فرد مهما كانت مكانته . القوانين والممارسات التي تعبر عن أخلاقيات وأعراف تأسيس النظام قد جعلت إستمراريته مرهونة بتوافق عصبة من عمالقة أصحاب الأموال الذين تتشابك مصالحهم المادية ، بغض النظر عن إنتسابهم إلى الجمهوريين أو الديمقراطيين . فقانون الإنتخابات لرئيس الولايات المتحدة فيه من التعقيد الذي ليس بإمكان شخص أن يحقق الفوز بدون حصول توافق على فوزه " داخل العصبة إيّاها " ، ولذلك يخطأ من يعتقد أن نظام الحكم في الولايات المتحدة نظامٌ ديمقراطي بالمفهوم المتعارف عليه في الديمقراطية . نظام الحكم في الولايات المتحدة هو نظام " أوليغاركي " تسيطر فيه على الحكم جماعة أصحاب الأموال ، على الرغم من تلك البهرجة الدعائية التي تجري قبيل وأثناء الإنتخابات . فتجارب عدة إنتخابات سابقة برهنت بأن لا يفوز برئاسة الولايات المتحدة من يحصل على أكثرية أصوات المواطنين .

من أعلاه نفهم ، أن ليس لرئيس الولايات المتحدة صلاحيات غير محدودة ، ولا الإمكانية في إجراء التغييرات كما يشاء ، أو كما عبّر عنه البعض " أنه جاء في لحظة تاريخية حاسمة رافضاً ما حدث رفضاً قاطعاً ، فيشكّل ظاهرة جديدة " .

توصل علماء الإقتصاد والسياسة الأمريكان إلى برنامج جديد ، إثر سقوط الإتحاد السوفييتي ، سمّي " النظام العالمي الجديد " ، وهو مشروع إستعماريٌّ جديد ، يختلف عن أشكال الإستعمارات السابقة ، الغرض منه إستعمار العالم كله تحت طائلة العولمة والتجارة العالمية الحرة . صحيحٌ أن مبادئ هذا النظام قد أعلنت عندما كان بيل كلينتون رئيساً للولايات المتحدة ، وهو من الديمقراطيين ، إلاّ أن الجمهوريين كانوا في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ومسيطرين على الكونكريس ونفّذوا ذلك البرنامج بجدارة إلى أن فاز أوباما من الديمقراطيين برئاسة الولايات المتحدة ، قبل ثمان سنوات.

في الحقيقة أن شعار ترامب " سأعيد لأمريكا مكانتها " ترجمة لذات مشروع النظام العالمي الجديد ، وأن هذا المشروع موضع توافق ستراتيجي فيما بين عصبة أصحاب الأموال المسيطرين على نظام الحكم ، ولذلك فإن أي تغيير قد ينوه عنه أي طرف ، لأغراض دعاية إنتخابية أو غيرها ، لا يتعدى أن يكون تكتيكيّاً ، ومحصوراً في مجال مواعيد التنفيذ أو أسلوبه ، وعلى الأكثر في إطار السياسة الداخلية ، و لا يمسّ الهدف الستراتيجي المتفق عليه . فترامب كأي من رؤساء الولايات المتحدة السابقين أو اللاحقين لا يتعدّى أن يكون موظّفاً يحمل لقباً إسمه " رئيس الولايات المتحدة الأمريكية " ليس إلاّ .