بالجهل نحارب التلوث


محمد باليزيد
2016 / 11 / 17 - 21:31     

تنعقد بالمغرب هذه الأيام دورة (cop22 مؤتمر الأمم المتحدة لتغيير المناخ) لمحاربة التلوث، أو للحد من الانبعاثات الكربونية.
من موقعي كمواطن بسيط أرى أن المثل الشعبي المغربي القائل "أش خاصك أالعريان؟، خاتم أمولاي/ماذا ينقصك أيها العاري؟، ينقصني خام يا سيدي." أرى أن هذا المثل ينطبق على مستويين؟ المستوى الأول على الدولة المغربية والمستوى الثاني على العالم ككل.
فلنبدأ بالمستوى الأول، الدولة المغربية: لقد كان التلوث نتيجة التطور التكنولوجي لدول كبيرة وصلت صناعتها ومنظومتها الاقتصادية إلى درجة صارت تضر بالبيئة الكونية المشتركة لكل ساكنة الأرض. وهذه الدول لم تصل مستوى تكنولوجي فحسب، بل وصلت مستوى من الوعي الحضاري لدى ساكنتها لأن التنمية والتطور لديها كانت سيرورة متكاملة في كل المجالات. فالأمر بالنسبة لها ليس كما "يعتقد"(1) المغرب الذي يتباهى بصنعه، في هذه المناسبة بالذات، بصنعه للسيارات الكهربائية (انظر الرابط(2))، في حين البلد يفتقر إلى الماء الشروب في مناطق وإلى الطرق في أخرى وإلى الكهرباء في أخرى... لكن أخطر ما في الأمر، هو أنه ليس فقط يفتقر إلى المدارس في بعض المناطق، الأمر أخطر من ذلك بكثير، إن المغرب اليوم يحاول، وهو سائر بخطى كبيرة ومضبوطة في هذا، يحاول أن يهدم أهم مكتسب وطني بعد "الاستقلال"(3)، ألا وهو المدرسة العمومية. فمنذ سنوات والاكتظاظ في الأقسام يتزايد(انظر الرابط(4)) والوزارة، علاجا لهذا!!،لا تعرف علاجا سوى "الحد" من الوظيفة العمومية، وبالخصوص في التعليم. فهل التلاميذ الذين يتلقوا الدرس في قسم من 60 تلميذا لهم أي حظ في أن يبتكروا أو يشاركوا في صناعة سيارة كهربائية؟ كلا، فهؤلاء، وللأسف مدبرو أمرنا يعرفون ذلك، هؤلاء لن يكونوا قادرين حتى على تركيب عجلة لكروسة خاصة إن هم جرتهم دوامة الفقر والجهل والهروب منهما إلى اللجوء للمخدرات. اتقوا الله يا سادتنا فمحاربة التلوث تستلزم شعبا واعيا وليس شعبا يرى إلى مؤتمر دولي رؤيته إلى موسم مولاي عبد الله: "شي باع أو شي شرى أو اللي ما شرى تنزه". لقد كان العامل البسيط في المعمل، قبل الدخول في دوامة نصائح البنك الدولي، كان يأمل في الترسم في عمله، بعد تقريبا سنة من العمل، ضامنا بذلك قوت أسرته وحاميا نفسه من البحث، كل شهر أو كل ثلاثة أشهر، عن رب عمل يقبل مؤهلاته ويتبرع عليه بضمان قوته ثلاثة أشهر أخرى. واليوم، بعد أن نجح المغرب في أن يكون التلميذ الأنجب، أو من بين النجباء، للمعلم الكبير "البنك الدولي"، بعد هذا النجاح الذي طالما تباهى به المغرب صار المدرس في المدرسة العمومية الذي ينتظر منه أن يربي أجيال الغد معرفيا و فلسفيا وخلقيا، هذا المدرس الذي ينتظر منه أن يزرع حب الوطن والمسؤولية والوطنية لدى الأجيال القادمة، هذا المدرس صار من قدره أن يعمل مع وزارة التربية بعقدة، غير ضامن لا مستقبله ولا مستقبل تلامذته (انظر الرابط(5)).
لقد تبنى المغرب وبوضوح فلسفة(6) واضحة مفادها أن التعليم والتعلم [قبل نيل الشهادة كي نتكلم عن حق الشغل] ليس حقا من حقوق المواطنة. وأن حقوق المواطنة لدى هذه الدولة المتخلفة تقنيا واقتصاديا وسياسيا وخلقيا ينحصر في حق واحد لا غير : "حقنا عليها أن تراقب الحدود وتثَبت الجدران الشائكة وتساعد الأمن الأوربي" كي لا نخرج من حدودها ونحقق (أو يترتب عن فعلنا دون قصد منا) أمرين:
-الأول النقصان العددي لرعاياها، مما ينقص هبتها.
- الثاني ما يحدثه تواجدنا خارج حدودها من شغب للجار الأوربي الوقور الذي على دولتنا احترام "جورته" جواره وعدم ترك أبنائها يشاغبونه.
أما على الجانب العالمي، فالمسألة تستعصي على الفهم، إذ كيف يتفق أناس على توقيف غازات المصانع في حين هم لم يتفقوا بعد على توقيف غازات البنادق؟ لقد أبدى زعماء العالم تخوفهم من عدم مسايرة أمريكا للاتفاق بعد المجيء المفاجئ لترامب. لكن هذا الرجل الذي لا يفهم في السياسة سوى ما يطبق فعلا على الأرض، وليس ما يقال علنا لتدويخ الجمهور وإلهائه عما سيطبق، هذا الرجل قد يكون أنهى فعلا عهدا من السياسة الداخلية والخارجية كذلك للولايات المتحدة. هذا الرجل جاء ليقول علنا مثلا أن الولايات المتحدة لها مصالح مشتركة مع روسيا مثلا ولا داعي لتمثيل الصراع الأمريكي الروسي كي يفهم ضعاف العالم أن وجود قطبين في صالح الضعفاء. فكما أن الرأسمالية المتوحشة، داخل كل بلد، لم تعد في حاجة إلى مراوغة مواطنيها وأصبح في إمكانها فرض قوانينها بكل عجرفة، لم تعد كذلك السياسة الأمبريالية في حاجة إلى تمثيل "ديمقراطية" على المستوى العالمي.
*) لقد استغل بعض الديماغوجيين الحدث، حدث محاربة التلوث، ليمرروا فصلا من فصول تهميش قضية الاحتلال الصهيوني لأرض شعب ونظموا تظاهرة تنبهنا إلى أن البحر الميت في خطر(خطر الاجتفاف). ومن أجل هذا قطع سباحون البحر ذاك من الأردن في اتجاه إسرائيل، فلماذا لم يقطعوه في اتجاه الضفة الغربية؟؟
**) عقد هذا المؤتمر بالمغرب قد لا يكون استجابة لطلب من المغرب وإنما تلبية لطلب من زعماء العالم الذين ارتأوا أن مراكش هي أنسب مكان في هذا الوقت من السنة. فالمغرب كدولة ليس لديه ما يعطيه كقيمة إضافية للمؤتمر. قد يحتج ضد قولنا هذا أحد قائلا: ألم يبن المغرب أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية عالميا، وهو الأن يسير في اتجاه الطاقة المتجددة؟ نقول فعلا هذا واقع. لكن الأمر كما شرحنا قي مثال السيارة الكهربائية. المغرب ليس سوى مزرعة لشركات وأموال أجنبية بمساعدة (ونيل قسط سمسرتهم) بعض المتنفذين في الدولة المغربية. وعلى من يقول العكس أن يتحاكم وإيانا إلى مؤشر واحد واضح: إذا تأثر المستوى المعيشي والثقافي والحضاري لساكنة المغرب(كلها) بالمشاريع التي تقام على أرضه فهي مغربية فعلا. وإلا فالمسألة كما قلنا وقريبا ستبدأ إحدى أكبر شركات صناعة الطيران(بوينغ) بتصنيع طائراتها في المغرب (انظر الرابط(7)).

1) وضعنا كلمة يعتقد بين قوسين لأننا نحار في أمر قادة الدول المتخلفة، هل هم فعلا لا يفقهون شيئا أم هم أدرى بالأمور وإنما يتصرفون ضد المصلحة القريبة والبعيدة لشعوبهم فقط لأن ذلك هو ما يناسب مصالحهم السلطوية الآنية.
2) سيارة كهربائية
((http://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2568595&language=ar ))
نعرف جميعا أن صنع السيارة إنما يكون من طرف شركات أجنبية، يمكن أن تكون فيها أطر مغربية كما يمكن أن تكون فكرة ما في السيارة أو الفكرة الأساس من ابتكار مغربي، لكن البنية الكاملة لصنع السيارات، سواء البنية المادية أو البشرية، هذه البنية المعقدة بيدة كل البعد على أن يوفرها المغرب بسياساته التي توالت منذ الاستقلال.
3) إذا كان ممكنا قبل اليوم وصف الذين ينعتون استقلال المغرب ب"الشكلي"، وصف هؤلاء باليسراويين أو العدميين...، فإن أوضاع اليوم تبين، ويا للأسف أن أولائك إما كانوا على حق أو أن القدر لبى/ساير دعوتهم بأن حول استقلال المغرب إلى استقلال شكلي حتى وإن لم يكن كذلك أصلا. فلنقدر وسع نظرهم أو نلعنهم لأنهم "تطيروا شرا" بالمغرب.
4) المعلمة ((http://hibapress.com/details-81014.html ))
5) مرسوم 2.15.588 القاضي بفصل التكوين عن التوظيف: ((http://www.sgg.gov.ma/BO/AR/2015/BO_6402_Ar.pdf ))
10000 إطار تربوي ((http://www.aljarida24.ma/p/societe/189043/ ))
((http://www.milafona.com/2014/07/10000-2016.html ))
التوظيف بالتعاقد ((http://www.milafona.com/2016/11/11.html ))
6) إذا حق لنا أن نسمي هذه فلسفة.
7) "بوينغ" تختار المغرب لتوطين منظومتها لصناعة الطيران ((http://www.alarabiya.net/ar/aswaq/ ))