لماذا تتحمل البشرية خطأ آدم ؟


رمضان عيسى
2016 / 11 / 14 - 12:04     

حينما نطرح قضية ، أو فكرة ، أو احدى قصص الأديان الكتابية ، لا نطرحها على أنها ضمن الحدث الواقعي ، أي لا نعتبر أنها حدثت ضمن مقدمات واقعية أفضت الى سيرورة الحدث ونتائجه كما هي مطروحة في الكتب ، ولكننا نطرحها بتسلسلها ضمن التفكير الميثولوجي ، لا أكثر ، ومدى امكانية الحدث في الزمان والمكان !!
واذا اصطدمنا بفكرتين تختلفان في التوجه والنتائج ، فاننا نطرحهما كما وردى في النص ، ومن ثم – أثرها على البشرية – والهدف من ذلك استبعاد الخلط في المفاهيم ودلالاتها البعدية على تفكير الأجيال !!
فمثلا ، ورد في القرآن آية تقول ".﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾( سورة الزمر: 7 ) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( 39 ) – سورة النجم - وورد أيضاً آية تقول " كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3- سورة الصف )
فما معنى ؟ ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( 39 ) – النجم - المعنى واضح ، وهو لا يجب أن يُعاقب شخص على جريمة لم يرتكبها ، ولا يجب أن نعاقب شخص على جريمة ارتكبها غيره مهما كانت درجة القرابة بينهما . فلا يجب أن يعاقب شخص ما على خطأ ارتكبه أحد الوالدين ، أو على خطأ ارتكبه أحد إخوته . وهذا المعنى لا غبار عليه . وأن ليس للانسان إلا ما سعى ، أي كل انسان مسئول عن أفعاله ، ولن يعاقب على أفعال غيره .
ووردت في القرآن آية تقول : كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ، أي هناك دعوة الى الصدق في القول والفعل ، وأن يتناسب القول مع الفعل ، فلا يجب أن تقول كذا وتفعل عكسه ، فهذا من المكروهات التي يمقتها الله !!
وبالنظر في معنى هاتين الآيتين نجد أن هناك بعض التعارض في المعنى الذي ترمي اليه هاتان الآيتان ، كيف ؟
" ولا تزر وازرة وزر أخرى ، والآية "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( 39 ) – سورة النجم - " أي لا يجب أن يعاقب الله شخصاً على خطأ ارتكبه أجداده !! وبهذا لا يمكن أن يعاقب الله البشرية بسبب خطأ ارتكبه آدم ، وترتب عليه طرده من الجنة ، فإذا طُرد الأب كعقاب له ، فلماذا يعاقب الله أبناء آدم ، ويحرمهم من جنته ، ويضعهم أمام امتحان إذا ما أرادوا العودة للجنة !!
إن خطأ آدم يجب أن تنحصر نتائجه على آدم نفسه ، فليس للانسان إلا ما سعى ، أي كل شخص مسئول عن أفعاله ، فلماذا تتحمل البشرية وزر شخص آخر ، ولو كان آدم ؟
ان في ترك البشر في الأرض ، وما فيها من زلازل وأعاصير وصحاري وحروب وأمراض وفقر وتصارع على المعيشة ، بالمقارنة مع الجنة الموعودة لهو تخلياً واضحاً عن الآية " ولا تزر وازرة وزر أُخرى " ، أو الجنوح الى مقاصد بعكس ما ترمي اليه الآية شكلاً ومضمونا ، وهو القائل " كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " ، وهذا يعني أن الله لا يمكن أن يقول ما لا يفعل ويعاقب البشر على خطأ ارتكبه آدم !!
وما نراه أن الله قذف بالبشرية في الأرض ، وحرمهم من جنانه بسبب خطأ ليس لهم ضلع فيه . ان محاكمة البشر بتحميلهم خطيئة غيرهم فيه عدم انصاف ، والوضع الطبيعي أن يكونوا في الجنة !!
أم أن الله قذف بهم في الأرض التي هي مسرح الشيطان ، إبليس الذي هو أحد ملائكته ، فلماذا يمنحه القدرة على العبث بهم وتخريب حياتهم ؟ وهو سيد الكون ، مالك المُلك بيده الخير والشر ، وهو على كل شيء قدير !!
فإذا كان هناك مالك اقطاعي ، ولديه مدير أعمال شرير ، ويراه ، يضرب الفلاحين ويظلمهم ويعذبهم ، ولا يردعه ، وهو المالك القادر ، الآمر ، الناهي !! وفي نفس الوقت يسكت على ظلم مدير أعماله ولو كان ممن له حظوة عنده . فإن هذا شيء مستهجن ولا يُعقل من مالك له كل السطوة والقدرة على ردع الأشرار !!
والسؤال : هل يستطيع الله أن يردع الشيطان ، ويمنعه من " الوسوسة في عقول الناس ، ويدفعهم الى ارتكاب الأخطاء ، وبالتالي يمنعهم من العودة الى الجنة الموعودة ؟ الجواب : نعم !!
ولكن لماذا يرفض " الله " ردع الشيطان ، إبليس ؟ فمن الواضح أن هذه ارادته ومشيئته !!
فمعاقبة " الله " للبشر على خطأ آدم – حسب النصوص المقدسة - وحرمانهم من الجنة وقذفهم الى الأرض ، وجعلهم فريسة للشيطان ، فكرة تحتاج للتوقف والتساؤل ، فهم بهذا يُعاقبون على خطأ ليس لهم ضلع فيه ، في حين يُفترض أن يسبغ عليهم رحمته وينقلهم الى جنته الموعودة !!
بالطبع هذا هو المأمول ، فرحمته هي العامة الطامة ، وهي الأمل الأخير ، وهي نهاية النهايات في الالتزام بما يقول : ولا يمكن تصور أن يعاكس الله قوله ، ويعاقب البشرية على خطأ ارتكبه آدم ، وهو القائل : ولا تزر وازرة وزر أُخرى !!
من هنا ، فإن الله لن يخلف وعده ، ولكن يجب الابتعاد عن الأعمال الشريرة التي تضر حياتك وتعكر علاقاتك مع الآخرين ، وعليك بالأعمال الخيرة النافعة لك وللآخرين .