.. واليسار مطالب بكسر الحدود


خالد حدادة
2016 / 11 / 12 - 18:50     


بعيداً عن لبنان، وإلى أن تهدأ همروجة «الفرح الآتي» باتجاهي ميشال عون وسعد الحريري، وهما اتجاهان متكاملان، وإن بدا للبعض انهما متضادان. متكاملان، وإن لم يكونا متشابهين. ستهدأ الهمروجة ونعود إلى صلب الموضوع: أزمة النظام.
وبعيدا عن همروجة انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، لا بد من وقفة عند عنوان ميّز القرن الماضي وطبعه، وهو اتفاق سايكس ـ بيكو، ونتاجه الأقسى علينا، أي «وعد بلفور».
بطبيعة الحال، ليست الولايات المتحدة أسيرة نص الاتفاق المذكور. هي أسيرة مصالح «رأس المال» الأميركي، الذي وهو يعيش أزمة حقيقية، وجد نفسه منذ سنوات عديدة، وتحديداً منذ بدايات القرن الحالي، أمام واقع جديد. يجب تشديد عوامل السيطرة على الثروة العربية، أقله لنصف قرن مقبل، فالطاقة والغاز الطبيعي ضرورة ماسة لخروج النظام الرأسمالي من أزمته الاقتصادية، خصوصاوأن تقاسم الحصص مع أوروبا، لم يعد كافياً له. الدول الاقليمية الكبرى الحليفة له ومنها تركيا والسعودية أصبحت عبئاً على حركته، وهي غير مكلفة بكل الحالات لأن دول الخليج تكفيها ضمانة حكم العائلات المالكة وبعض «البقشيش» الذي يصرفونه على كل شيء إلاّ على مصالح العرب. أما ربيبته «الدولة الصهيونية» فهي أثبتت قوتها أمام الأنظمة ولكنها بدأت تفقد جزءاً من وظيفتها أمام الشعوب، خصوصاً بعد تجربتي المقاومة في لبنان وغزة واتجاهات الانتفاضات الشعبية وخصوصاً في مصر وتونس.
من أجل كل ذلك، أخذت الولايات المتحدة قرارها، بإنهاء «سايكس ـ بيكو» نحو نظام إقليمي جديد، يتعزز فيه دورها المباشر في الحفاظ على الثروة، من جهة، ومن جهة أخرى، خلق حالة من الفوضى والحروب باتجاه خلق خريطة جديدة أكثر تفتيتاً للمنطقة، ما يعزز السيطرة على الثروات ويسهل مهمة الحفاظ على أمن الدولة الصهيونية، عبر تعزيز عوامل الصدام البديلة المرتكزة على عوامل الدين والمذهب والعرق.
وللمساعدة في تنفيذ هذا المخطط، كان لا بد من خلق أدواته، وبينها الإرهاب الأصولي، وهنا الارتكاز على التحضير الإيديولوجي الذي تؤمنه الحركات الدينية الأصولية وخصوصا تلك التي تفرعت عن الحركة الوهابية.
طرف آخر لم يجد نفسه أسيراً لـ «سايكس ـ بيكو»، هو الإرهاب الأصولي، فلا بد من تسجيل واقعة أن قوى الإرهاب، وخصوصا «داعش»، كسرت حدود سايكس ـ بيكو.
وفي المقلب الآخر، أي قوى مواجهة الإرهاب الأصولي، ولكن من منطلق مذهبي يرتكز على قوة إقليمية هي إيران، هذه القوى خرقت أيضا حدود «سايكس ـ بيكو» وخلقت حالة متواصلة من إيران إلى العراق واليمن ولبنان وسوريا، في مواجهة المخطط الأميركي وحلفائه، المتخطين هم أيضاً خريطة الاتفاق.

لا بد من الاعتراف بأنه على أبواب الغرق في روتين اللقاءات الدورية. ولمنع هذا الاحتمال، وفي الكلمة التي ألقيتها باسم الحزب الشيوعي اللبناني في افتتاح اللقاء اليساري العربي السابع قلنا، انه انطلاقاً من التطورات الأخيرة، يمكن القول إن منطقتنا تمر بحالة انتقالية خطيرة وتاريخية. وبقدر ما هي خطيرة، فإنها قد تفتح أفقاً باتجاه عالم عربي جديد إذا ما استطعنا فتح كوة باتجاه تكوين حركة تحرر عربية مقاومة، تقدمية التوجه وممثلة حقيقية لمصالح شعوبنا وخاصة لفقراء المنطقة وللفئات الاجتماعية الأكثر فقراً.
هذه الدعوة ارتكزت على وقائع عدة. سايكس ـ بيكو انهار والامبريالية أعلنت موته. يجب رفض وضعنا في زاوية الخيار بين السيئ والأسوأ ودفعنا إلى أحضان سايكس ـ بيكو، تحت حجة مواجهة التفتيت بالحفاظ على تجزئة أقامها الاستعمار نفسه.
من جهة أخرى، فإن المشاريع الدينية التي تخطت سايكس ـ بيكو، سواء تلك الوليدة للمشروع الأميركي (الإرهاب الأصولي) أو تلك التي نتقاطع معها في مواجهته لا يمكنها أن تشكل البديل وقدراتها محدودة وأحياناً تدخل في لعبة تقاسم المصالح. والحقيقة الأخيرة، أن التطورات أثبتت عدم إمكان نجاح وثبات أي ثورة ديموقراطية في بلد عربي منفرد. هذا لا يعني إلغاء النضال من أجل تغييرات ديموقراطية في لبنان أو غيره، ولكن يؤكد ضرورة حمايتها بحالة عربية مشابهة.
ولكي لا يتحول شعار «المقاومة العربية الشاملة» الذي رفعه اللقاء اليساري السابع، إلى شعار شعبوي، يلقى مصير الكثير من الشعارات المشابهة والتي حولتها البرجوازية خلال قيادتها حركة التحرر إلى فراغ وانتكاسات. فإن اليسار مدعو، لخطوات سريعة ومتدرجة، تنطلق من قناعة بناء الإطار العربي الديموقراطي التقدمي المقاوم، في مواجهة مشاريع التفتيت والحروب وسرقة الثروة وفي مواجهة الارهاب، هذا الإطار وبناؤه هو موقف طبقي بامتياز في مواجهة مشروع الرأسمال العالمي والرأسمال العربي التابع.
ولعل الشجاعة تقتضي الاسراع في صياغة المشروع اليساري العربي، من أجل بناء عالم عربي ديموقراطي مقاوم، تكون فلسطين في قلبه وإحدى أدواته استعادة الثروات والدفاع عن فقراء العرب وعن الديموقراطية ومقاومة المشروع الأميركي والشجاعة في التفتيش عن إطار تنظيمي يرتقي تدريجاً ويؤطر اليسار العربي في إطار موحّد يشكل ارتقاء في واقع اليسار العربي وتخطياً للتقوقع الفئوي والقطري.
في مواجهة سايكس ـ بيكو الثاني، لنترك ملعب سايكس ـ بيكو الأول.. ولتكن حالة اليسار في لبنان أولاً مساهمة طليعية في هذا الاطار.

الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني