لكي لا تضيع الحقيقة - ما هو السبب في ضعف و أنهيار الحركة الشيوعية و اليسار السياسي بوجه عام في العراق - الحلقة الخامسة


بهاءالدين نوري
2016 / 11 / 8 - 00:07     

ما هو السبب في ضعف و أنهيار الحركة الشيوعية و اليسار السياسي بوجه عام في العراق

لكي لا تضيع الحقيقة
- الحلقة الخامسة -


في الثاني من ايار 1972 ، أي بعد حملة صدام البوليسية الشرسة على حشع و قتل عدد من كوادره القيادية و الوسطية و تحطيم تنظيماته في 971 ، خطت القيادة أولى الخطوات العملية للارتباط الجبهوي مع حكومة البعث ، بإدخال كل من عامر عبدالله و مكرم طالباني وزيرين ممثلين للحزب ، بقرار من المكتب السياسي ، دون اي اجتماع من اللجنة المركزية . وبعد حوالي السنة اجتمعت اللجنة المركزية بحضور (15) عضو لمناقشة قضية الجبهة بين الحزبين الشيوعي و البعث ، وبعد نقاش مستفيض وضع السكرتير المسألة للتصويت . وصوت لصالح الجبهة 7 رفاق ، في مقدمتهم عزيز محمد و باقر ابراهيم و عامر عبدالله و كريم احمد .. الخ ، وهم كانوا يتأملون ان يصبح صدام حسين كاسترو العراق و يقوده في طريق التطور اللاراسمالي صوب الاشتراكية . و صوت ضد الجبهة ثمانية رفاق ، منهم زكي خيري و بهاءالدين نوري و عمر الشيخ و سليمان اسطيفان و آراخجتور و مهدي عبدالكريم و عدنان عباس ..الخ ، و حجتهم للرفض هي ان قيادة البعث لم تقدم حتى كلمة اعتذار عن مذابح 1963 الرهيبة التي قتلوا فيها آلاف الشيوعيين و مئات الكوادر و 9 من اعضاء قيادتنا ، بينهم سكرتير الحزب الشهيد سلام عادل . فالبعث غير جدير بالثقة و لا يصح الاطمئنان اليه . وكان الموقف الاصولي و النظامي هو القبول بقرار اللجنة المركزية و تبليغ قيادة البعث في اليوم الثاني بأن قيادتنا لم نوافق على عقد الجبهة بين الحزبين للاسباب كذا و كذا . لكن السكرتير لايريد تفويت فرصة التطور اللارأسمالي في البلد ، وهو منتبه الى التوازن القلق بين الطرفين .. وناشد المجتمعين ان يتخذوا موقفا في صالح الشعب و يعيدوا النظر في الأمر و يناقشوه اكثر . وبعد النقاش الجديد طرحه مرة اخرى للتصويت و انتقل احمد بانيخيلاني الى صف مؤيدي الجبهة و امكن للسكرتير تمرير القرار بأغلبية ثمانية ضد سبعة .
ونفذ القرار الخاص بالتحالف بين اعوام 1972 – 1979 لامن قبل الشيوعيين و بالشكل الذي ارادوه ، بل بالشكل الذي خطط له صدام حسين اذ وجه ضربات عنيفة الى القوى اليسارية وكل القوى الديمقراطية ، وبالأخص الى الحركة الشيوعية في العراق . وثبت على ارض الواقع ان الذين صوتوا ضد الجبهة كانوا هم المصيبين و ان الذين صوتوا لها وراهنوا عليها لم يفهموا وضع العراق و اختلافه عن وضع كوبا و تناسوا ان كاسترو كان شابا وطنيا ثائرا نظيفا ، بعكس صدام ، الذي كان قد تربى في حزب قومي فاشستي و بين زمر ارهابية و انضم بعد ثورة 14 تموز الى عصابات اغتيال الشيوعيين و شارك نفسه بعد انقلاب شباط 1963 الفاشي في المذابح الرهيبة بحق الشيوعيين ، و نظم بنفسه ، قبل سنة من توقيع الجبهة ، حملة بوليسية لأباده حشع .. الخ . فعلى أي اساس يمنحه عزيز محمد الثقة و يضع حشع تحت رحمته ؟
ولو عقد الجبهة و تعامل مع حلفائه كسياسي مستقل و حريص على مصلحة الحزب الذي يمثله لهان الأمر . ولكنه دخل الجبهة مستسلما منذ اليوم الاول و حتى آخر يوم ، مخافة أن ينسحب البعث من التحالف ! ارتكب حليفه صدام ابشع اشكال الجرائم يحق حلفائه الشيوعيين ، فاغتال عددا كبيرا من كوادره القيادية امثال على البرزنجي و خضير و حامد العاني و سعيد .. الخ اما في الشوارع أو تحت التعذيب في زنزانات الأمن العام و اعدم علنا عشرات الكوادر و الاعضاء الشيوعيين دون أي محاكمة حقيقية بتهمة انقلاب عسكري ، وهي تهمة مختلقة من ألفها الى يائها ، وسكرتير حشع ساكت لم يدل نفسه أو أحد قياديي الحزب بتصريح احتجاجي أو مذكرة احتجاج علنية أو ابسط مذكرة احتجاج و نشر الخبر و الاحتجاج على الجريمة في وسائل اعلام خارجية ، او .. و أو .. الخ . أرواح كوادر واعضاء حشع ليست بذات قيمة مادام تحالفنا العتيد مع صدام باقيا !! لو تصرف سكرتير حشع ازاء تلك الاحداث تصرفا منطقيا لجمع اللجنة المركزية بعد اغتيال أو اعدام أول شيوعي و عرض عليهم اصدار بيان لأعلان الانسحاب من التحالف الجبهوي ، وفي حالة رفض طلبه من قبل المجتمعين كان عليه ان يقدم استقالته كسكرتير اذ كيف يتحالف الحزب مع حكومة في يدها السلطة و تقتل دون أي سبب كوادر ¬واعضاء الحزب المتحالف معه ؟ لكن سكرتير حشع لم يدافع عن رفاقه من الضحايا بأكثر من همسة خفيفة يهمسها شيوعي في أذن بعثي عند اجتماع لجنة الجبهة ليقول له " هذا العمل ليس في مصلحة الشعب " أو ما شاكل ذلك ، دون أن ينتظر الجواب !
حين اعتقد صدام بأنه حقق ما اراد من عقد التحالف مع الشيوعيين أنهى الجبهة . وكان من المفروض ومن الضروري ان تبادر القيادة الى عقد كوفرنس أو مؤتمر حزبي لحشع تناقش فيه قضية التحالف و تقييمها و دراسة نتائجها الكارثية و تحديد المسؤولية الشخصية و الهيأوية و اعادة انتخاب اللجنة المركزية و مناقشة السياسة اللاحقة للحزب ... الخ .. وانسحب عدد غفير من صفوف الحزب احتجاجا على هذا التحالف الذيلي و طالب الكثيرون بالتقييم والمحاسبة ، ولكن السكرتير تجاهل كل شيئ وجلس في غرفته بموسكو بعيدا عن رفاقه بآلاف الكيلومترات ، وهم في محنة قاسية ناجمة عن التحالف الذيلي الذي راهن عليها ، استنادا الى آراء المنظرين الستالينيين في سني قيادة برجنيف
* * *
لو تواضع السكرتير و احترم التقاليد الديمقراطية المعاصرة بتحمل المسؤولية عن الاخطاء المدمرة التي ارتكبها في قضية التحالف ، لو اعترف بفشله الذريع كقائد سياسي و ادرك ان مراهنته على التحالف مع البعث لسير العراق عبر التطور اللاراسمالي صوب الاشتراكية انتهت بكارثة لحشع - - . لكان من المحتمل ان يؤدي الكفاح المسلح ضد نظام البعث الدكتاتوري الى نتائج اخرى ، الى تضميد جراح الحزب و استعادة قدر مناسب من نفوذه و قدراته النضالية ، وكان في الساحة السياسية اليوم توازن مختلف بالنسبة لليسار السياسي . لكن تشبثه بمنصبه واستمراره على اتباع ذات السياسة الخاطئة جر الحزب لا الى شاطئ النجاة ، بل الى الوقوع في نكسة جديدة قبل أن يتعافي من نكسته السابقة . فبعد اربع سنوات من اقامته في موسكو رجع عزيز محمد الى كردستان ( الى بشتاشان في سفح جبل قنديل المحررة من قوات صدام ) و جلب معه أعضاء اللجنة المركزية بغية عقد أول اجتماع للقيادة داخل البلد بعد نكسة التحالف الذيلي . ومشى الاجتماع في عمله و استحدثت ثلاثة قواطع عسكرية في كردستان ( في السليمانية و أربيل و دهوك ) . و حسبت كركوك ملحقة بالسليمانية ضمن القاطع . سار كل شيئ بشكل اعتيادي باستثناء نقطة واحدة تتعلق بمركز قيادة العمل الحزبي و العسكري بعد عودة السكرتير الى موسكو . في السنوات الأربع السابقة كانت لجنة الاقليم هي المركز القيادي ، السياسي و العسكري في الاقليم ، وكان هناك معنا رفيق عربي مسؤول عن بقايا التنظيم الحزبي في المناطق العربية و مرتبط بالقيادة في الخارج . وعند عودته الى الخارج أوكل السكرتير صلاحياته كسكرتير بالوكالة الى كريم احمد ليقود العمل الحزبي في غياب عزيز محمد . وكان ذلك مصدر الخطر المحدق بالحزب اذ اننا كنا قد اتبعنا سياسة الحياد بين الحزبين القوميين البارتي و اوك طوال السنوات الاربع وفي غياب كريم احمد ، ولم يتطرق اجتماع اللجنة المركزية الى أي تغيير في هذا النهج . فعلى أي اساس استند كريم و غير سياسة الحياد تجاه الحزبين و اتفق بهذه العجالة مع جلال الطالباني ، أثناء زيارته له في شباط 1983 ، بعد اسابيع من مغادرة السكرتير الى موسكو ، على التعاون الستراتيجي ؟ هل اجتمعت اللجنة المركزية ، ولم أدع انا ، لإقرار هذا التعاون الستراتيجي ؟ كلا ابدا وقد ارسلت فوزا رسالة نقد و استفسار على هذا التعاون الستراتيجي الذي قرأت عنه في بريد من المكتب السياسي الي . وقبل ان استلم أي جواب على رسالتي فوجئت ، وأنا في مقر القاطع ( بشاربازير ) ، ببرقية من المكتب السياسي و المكتب العسكري تأمرني بالابتعاد عن أوك و التنسيق العسكري مع البارتي و حسك ( الحزب الاشتراكي الكردستاني ) و باسوك . وفي نيسان 1983 أخذت البرقيات تردني يوميا من المكتب السياسي ومن المكتب العسكري ، تطلب منا الابتعاد من أوك والتنسيق مع البارتي و حسك و باسوك .
انا لا اعرف للآن من هو المسؤول عن اقرار التعاون الستراتيجي بين حشع و أوك في شباط 1983 ، أهو كريم احمد وحده أم هو مع اعضاء م س الموجودين معه ام هو عزيز محمد الموجود بموسكو ؟ لكنني اعرف ان الشيوعيين شاركوا بقيادة الأمعي أبو حكمت في الهجوم مع مسلحي البارتي و حسك على مقر قاطع أربيل لأوك في قرية باليسان في 28 / 4 / 1983 و استولوا عليه و لاحقوا مسلحي أوك . وردا على ذلك جمع نوشيروان مصتفى نائب السكرتير العام لأوك انئذ قوات اوك و هاجم بشتئاشان فورا ( وكانت مقرات قيادة حشع و حسك و باسوك هناك ) واستولى على كل المقرات و استشهد 60 شيوعيا أغلبهم من الكوادر و هربت قيادة حشع عبر ثلوج قنديل الى ايران . ووقعت كافة اسلحة و ممتلكات حشع في أيدي مسلحي أوك . وانتهى بذلك الفصل الأول من قصة التحالف " الستراتيجي " لحشع أو لكريم احمد و عزيز محمد مع بعض الاحزاب القومية . وحل الموعد لمباشرة الفصل الثاني الذي دشنه كريم احمد بالتعاون مع مساعده و شريكه في التحالف الستراتيجي الراحل احمد بانيخيلاني .
* * *
انسحب كريم احمد و بانيخيلاني مع الهاربين كي لا يقعوا في اسر مسلحي اوك في بشتاشان . وكان يفترض أن يبقيا مع الرفاق العرب لمساعدتهم على اجتياز ثلوج قنديل و الوصول الى المكان الآمن . لكنهما افترقا لسبب لا اعرفه و رجعا الى داخل الاقليم في منطقة ديلمان ، حيث وقعا في اسر مفرزة من مسلحي أوك و نقلا الى مقر جلال الطالباني في نيوزنك . و بمجرد وصولهما الى مقر الطالباني غيرا رأيهما سياسيا على 180 درجة . فاصدرا بيانا اذيع من اذاعة اوك يدعوان فيه الشيوعيين لا الى الابتعاد عن اوك و التنسيق مع البارتي و حسك كما كان قبل 24 ساعة ، بل الى الجولات المشتركة مع بيشمركة اوك و القيام بعمليات مشتركة ضد النظام البعثي ! اما كيف حدث هذا التحول السياسي ، فانني لا استطيع ان اسميه الا بالانهيار السياسي . فالمناضل الشيوعي الذي يخوض معركة من اجل هدف يقتنع به يجب ان يتحمل العواقب صامدا . والمناضل الذي يفقد استقلاله السياسي و يختار طريق التبعية وراء حزب أو حكم قومي برجوازي يصبح معتادا على التقلبات السياسية و التنقل من منطلق التبعية من مكان الى آخر ، كما فعل سكرتير حشع الرفيق عزيز محمد ، الذي شد حشع الى ذيل صدام و نظامه سبعة اعوام ، و عندما رفضه صدام ذهب لينشد الى ذيل جماعة قومية اخرى بدلا من ان يبقى مستقلا بعيدا عن اي تبعية ! اي حكمة و اي تعقل كان في زج الشيوعيين العراقيين في اتون حرب طائشة بين حزبين قوميين لم يكن لها سبب سوى التنافس اللامشروع على الزعامة والسلطة ؟ لماذا ارسلتم المقاتلين الشيوعيين الى جبهات ليقتلوا فيها شبابا وطنيين اكرادا أو يقتلوا على أيدي اولئك الشباب ؟ قد تدافع عن نفسك بالقول انك كنت خارج البلد ، ولو كنت في كردستان لماكان زج الشيوعيين في هذا الاقتتال . وهذا كلام مرفوض كليا للاسباب التالية :
اولا – لانك اول سكرتير جلب نهج التحالف الذيلي الى سياسة حشع بتحالفك الذيلي مع صدام و تهربك ، بعد انهيار التحالف ، من دراسة و تقييم هذا الخطأ القتال و استخلاص الدروس منه .
ثانيا – لماذا غادرت كردستان بعد ان عدت اليه ، بعد الاقامة في موسكو لأربع سنوات ؟ هل كان مكان اقامتك الطبيعي في موسكو ام في بلدك و بين رفاقك كسكرتير لحشع ؟ الم يكن من واجبك ان تبقى مع حزبك و رفاقك ؟
ثالثا – انك كنت على علم بما يجري في كردستان ، وانت في موسكو . وكان من السهل عليك ان ترسل برقية الى كريم احمد تأمره فيها بعدم زج الشيوعيين في اقتتال الاطراف القومية الكردية و البقاء على الحياد اذا لم يمكن لحشع استبعاد القتال حتى بين القوميين . ولم تفعل ذلك .
ان كريم احمد و بانيخيلاني و سائر اعضاء القيادة الموجودين آنئذ في بشتاشان يتحملون المسؤولية عن هذه الانتكاسة الجديدة ، باستثناء من صوت ضد مشاركة الشيوعيين في الاقتتال . غير ان السكرتير كان و يظل هو المسؤول الاول و الاساسي .
* * *
ان احد المآخذ على سكرتير حشع عزيز محمد هو خرقه تقاليد الشيوعيين العراقيين في اصرار المسؤولين الحزبين على مواصلة النضال داخل بلادهم و بين رفاقهم ، كما حدث لفهد و سلام عادل و بهاالدين نوري . وكان ذلك يساعد على تعزيز الروح الجهادية لدى الشيوعيين و ضمن النجاح في تحدي النظام الرجعي و تضميد جراح الحزب خلال وقت قصير ، كماحدث عند انتكاسة 1948 – 1949 وفي انتكاسة 1963 ، بعكس ماحدث بعد الانكاسة الناتجة عن التحالف الذيلي مع البعث ثم مع فريق كردي ضد فريق آخر . فالسكرتير وجد في الداخل في الاوقات الاعتيادية الآمنة ، حيث هدأ الوضع و وجد الأمان ، وذهب للاقامة في موسكو كلما تلبد الجو و اشتدت حملات البوليس ضد الشيوعيين . وقد تعلم ذلك من قيادة حزب تودة كيا نوري و اسكندري و غيرهما ممن قضوا عمرهم خارج بلدهم حتى سقط نظام الشاه بثورة شعبية ليعودوا بعد ذلك الى ايران و يشدوا حزبهم الى ذيل النظام الاسلامي حتى يتحطم كليا .
* * *
لو احترم عزيز محمد التقاليد الديمقراطية المعاصرة السائدة بين رجال السياسة في البلدان المتحضرة اليوم لتحمل المسؤولية عن اخطائه في المراهتة على تحالفه مع نظام البعث الصدامي في سبعينات القرن الماضي ، وقدم استقالته من منصبه مقرونة بالاعتذار للشيوعيين و لشغيلة العراق ، عما آل البه وضع الحركة الشيوعية و العمالية تحت قيادته و نتيجة اخطائه . لكنه تصرف تصرف فلاح عراقي لما قيل سبعين عاما حيث كان يتصور بأن الاعتراف بالخطأ يسيئ الى كرامته !! فلم ينتقد نفسه ولم يتحمل مسؤولية اخطائه المدمرة ولم يفكر في التنحي عن منصبه حتى بعد كارثة زج الشيوعيين في اقتتال الاخوة بين الحزبين القوميين وما أدى اليه من نتائج كارثية قبل ان يضمد حشع جراحه بسبب التحالف الذيلي . فالأمر الهام الذي ركز عليه لم يكن تصحيح مسار الحزب و تضميد جراحه ، بل كان الحفاظ على كرسي الزعامة في حشع مهما كانت اخفاقاته . فهو من الرغماء الاسيويين الذين يعتبرون زعامة الحزب أو الدولة شيأ مملوكا بالطابو .
نحن من شيوعيي اربعينات القرن العشرين و كنا نقول باعتزاز آنئذ اننا نهتدي بتعاليم ماركس – انكلس – لنين – ستالين . وفي واقع الأمركنا جميعا – تقريبا – نهتدي بالتعاليم التي صاغها لنا ستالين عقب رحيل لنين . و تميزت الستالينية بميزات غريبة عن اسلوب العلاقات الديمقراطية المفروض ان تسود بين الشيوعيين و الديمقراطيين . انها تميزت بالفظاظة والبيروقراطية في التعامل مع الرفاق و بالفردية في اسلوب القيادة و بالخشونة والتشدد الى حد التصفية الجسدية ازاء المعارضين و المنتقدين والمختلفين سياسيا أو لمجرد الشك في ولائهم للزعيم . وقد تجسدت الستالينية لدى ستالين شخصيا في التحول الى دكتاتور فردي و ارتكاب جرائم الاعدام و القتل بحق أعداد غفيرة من قادة و كوادر الحزب البلشفي لا لجريمة ارتكبوها بل لمجرد الخلافات السياسية أو الشك في ولائهم .
وكنا ، قادة و كوادر حشع في الاربعينات و الخمسينات و لسنوات لاحقة متربين بالعقلية الستالينية . لكن عزيز محمد اثبت انه اشد الجميع ستالينية و اسوأ لون من ألوان الستالينيين في العراق ، لا لانه مشبع بالعقلية الستالينية فقط ، ولا لأنه تشبث بكرسيي القيادة حتى تساوت سنواته مع سنوات قيادة ستالين ( 29 سنة ) ، ولا لأنه افتقر الى المؤهلات القيادية و حسب ، بل لأنه كان ستالينيا يميني المزاج متعودا على الذيلية ، بعكس يوسف ستالين الذي لم يعرف قط بالذيلية في السياسة .رغم جميع عيوبه . كثيراما تباهى الرفيق عزيز محمد بأنه استطاع كسب ثقة واحترام الزعماء القوميين و البورجوازيين ، ناسيا او متناسيا ان ليونته اليمينية سياسيا هي التي حببته اياهم .
ان الشيء الوحيد الذي يمكن ان يخفف من ذنوب عزيز محمد على اخطائه هو أن يعترف علنا بحظاياه و يعتذر للشيوعيين عما سببه من اساءات و متاعب ومن اضعاف للحركة الشيوعية وكل الحركة اليسارية في العراق .