الديمقراطية والكهنوت الديني


مالوم ابو رغيف
2016 / 11 / 7 - 23:07     

يمر العراق بمرحلة الديمقراطية الانتقالية، تلك التي تستوجب تهيئة كافة متطلبات ومستلزمات الانتقال الى الديمقراطية. اهم تلك المستلزمات واكثرها ضرورة هي خلق الوعي الشعبي الديمقراطي، الذي يستوعب ويفهم ضرورة التحولات الديمقراطية والاجتماعية واهميتها للتطور والتقدم والصفاء الاجتماعي للشعب، فبدون وعي ديمقراطي سياسي واجتماعي وقانوني حقوقي شعبي يبقى البلد عالقا في مرحلة الديمقراطية الانتقالية ولن يستطيع تجاوزها، ذلك لتناقض الجوهر مع المظهر. فالشعوب المتخلفة لن تستطيع انجاز اي شكل من اشكال البناء السياسي او الحقوقي او الاجتماعي المتقدم.
ورغم وجود كافة المؤسسات الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني ، الا ان كل هذا الكم لا يتعدى زخرف الوجود الشكلي للبناء، فبعد مرور ثلاثة عشر سنة على اسقاط النظام، انحدر العراق اكثر واكثر في اعماق غير مسبوقة من الفساد والارهاب والصراعات الطائفية ولم يستطع، ليس تجاوز المرحلة الانتقالية فحسب، انما تراجع عنها حتى بدى وكانه يعيش في مرحلة حكم ما قبل تأسيس الدولة، حيث تسيطر القبائل والمرجعيات الدينية على الشؤون السياسية والاجتماعية وتفرض اعرافها وتقاليدها واعتباراتها على المجتمع.
نعتقد ان السبب الرئيس في هذا التخلف الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي، هو في سيطرة احزاب لا تصلح لبناء اسس الديمقراطية بشقيها السياسي و الحقوقي ناهيك عن شكلها الاجتماعي ، ونقصد بها الاحزاب التي يمتلك اصحابها سطوة المال والدعم الاجنبي وينقصهم الالتزام الاخلاقي والاخلاص الوطني. ولنا تصنيفها هذه الى اثنين:
احزاب قد تأسست من اجل غاية واحدة فقط هي الاستحواذ على الثروة وتهريبها واستثمارها خارج البلاد وهي احزاب لا تختلف عن الشركات الوهمية المتشرة في العراق والتي تحظى بالصفقات الكبيرة وهي في الواقع ليس سوى يافطة عنوان.
لقد كانت هذه الاحزاب من متطلبات العملية السياسية حيث ان النظام السابق لم يبق على اي نوع من الحياة السياسية سوى حزب البعث الصدامي، وعندما اتى الامريكيون شجعوا وعملوا على تأسيس هذه التجمعات ( احزاب ومنظمات) ومنحوا اصحابها مواقع قيادية في العملية السياسية.
اما الصنف الثاني فهي الاحزاب الدينية، وهي اضافة الى فسادها المالي والاخلاقي، فان لها رؤية منهجية متناقضة مع المنهج الديمقراطيي، ولا تتقبل من الديمقراطية الا ما اباحه لها الشرع الاسلامي والمصلحة الطائفية والمذهبية.
واذا كانت احزاب (قطاع خاص) تلك التي يملكها افراد همهم الوصول الى البرلمان او السلطة للحصول على الثروات يمكن ابعاد مرشحيها في مواسم الانتخابات وذلك بفضح فساد ذمم مرشحيها وعدم كفائتهم، فان من الصعب التغلب على مرشحي الاحزاب الدينية المدعومة من الكهنوت ذلك لسيطرته على العقل الشعبي العام واخضاعه لارداته وامتثال الجماهير لأوامره.
يشتد انصياع الناس للكهنوت الديني عند اشتداد الصراعات الطائفية التي تقسم الشعب الى معسكرات متحاربة ومتخاصمة تجد في الاحزاب الدينية ممثلا وحاميا ومدافعا عنها وعن عقيدتها الدينية.
ان من اهم التأثيرات السلبية لسيطرة الكهنوت الديني على العقل الشعبي هي ان الدولة والوطن يتراجعان الى مراتب ثانوية، بينما يحتل الدين والمذهب والمرجعيات المقدمة ويكونان الأولي بالطاعة. وهذا التأثير لا ينحصر على طائفية او قومية بعينها، اذ كلما قوى واتسع تأثير الكهنوت الديني الاولى بالتفضيل، شملت تأثيراته السلبية غير المنتمين له اذ انهم بدورهم يلوذون بما لديهم من تعريفات مميزة، طائفية او قومية او دينية او قبلية.
وهذا ما نراه في النسيج الوطني العراقي الممزق نتيجة لاضعاف روابط الانتماء الوطنية وتقوية راوبط الانتماء الطائفية والقومية، حيث ينتج لنا المواطن السني والمواطن الشيعي والمواطن الكوردي والمواطن المسيحي او الصابئي او الايزيدي بينما تنعدم الثقة بين ما يسمى مكونات الشعب، مع ان الشعب لا يمكن ان يكون مكونات، فهو تعريف قانوني لجميع الناس الخاضعين لدستور وقانون دولة ذات سيادة بغض النظر عن الانتماءات الدينية او القومية او اللغوية او العرقية.
نعتقد ان اي بلد وليس العراق فقط، سيبقى في مكانه لا ينتقل خطوة واحدة الى الامام، هذا اذا لم يتراجع الى الخلف، ولن يصل الى الديمقراطية بمضامينها الاجتماعية والثقافية والمدنية وحتى السياسية، اذا لم يعد النظر في العملية السياسية المبنية على التعريف الطائفي والعشائري والقومي والديني للشعب. نعتقد ايضا بان المحاصصة ليس الا نتاجا لهذا التعريف الخاطيء للشعب والذي اتبعه الامريكيون ليؤسس لمشاكل يصعب حلها دون وسيط له حق التدخل لفض النزاعات وتكون له الكلمة المسموعة.