من هناك نبدأ و من ثمة المنعطف.


سعيد زارا
2016 / 11 / 6 - 04:25     

و نحن نخلد الذكرى التاسعة و التسعين لانتفاضة اكتوبر المجيدة التي أدت إلى إرساء أول دولة للبروليتاريا في العالم, هناك من بلاد جبال الاورال أعلن الرفيق لينين معلم البروليتاريا أن مصائر البشرية ستقررها الثورة الاشتراكية البولشفية, ارتأيت أن أسلط الضوء على ما كتبه الرفيق النمري هذا الأسبوع و خصوصا الجزء الثاني "من هناك نبدأ" مع بعض من النقد حتى نساهم في فهم هذا المنعطف التاريخي الذي نعيش تبعاته الآن.

مقالة الرفيق النمري: من هناك نبدأ تكشف حقيقة أخرى هامة و هي خوف ستالين على مصائر الثورة من خطر البورجوازية الوضيعة السوفياتية التي كان يقودها العسكر, خوف لم يكن يراوده و القطعان الهتليرية على مشارف موسكو. و في هذا إشارة بليغة إلى أن البورجوازية الوضيعة السوفياتية أشرس و أكثر خطرا على الثورة الاشتراكية في العالم كله خصوصا و أنها كانت وراء انهيار الاتحاد السوفياتي الذي قهر النازية و الرأسمالية.

إن مكر و يقظة البورجوازية الوضيعة التي شاهدت عضلاتها تقوت و تصلبت , كما تأكدت أيضا من وهن البروليتاريا خلال الحرب و لم تعد تقبل بان تترك الصدارة لها أي للبروليتاريا, انقلبت على مشروع لينين الذي لا يحي إلا بالماركسية سلاح البروليتاريا في التقدم, فكان أن قامت بأساليبها القذرة باغتيال من كان يقظا و متفطنا لمكرها. الرفيق ستالين كان القائد الذي يستشرف الأفاق و متيقظا متأهبا يترصد كل حركة للعدو قبل أن يقدم عليها . فقد قاد عملية البناء الاشتراكي التي قامت بها البروليتاريا ليس بمجهودات خارقة فقط بل و بحماسة لا مثيل لها, فنقل الاتحاد السوفياتي من بلد المحراث الخشبي إلى بلد يغزو الفضاء. بلد كان السباق إلى الاشتراكية العلمية.


الاشتراكية العلمية كما شرحها و دافع عليها أباء الشيوعية ماركس و انجلز كمرحلة انتقالية قصيرة إلى الطور الأعلى للشيوعية و الموسومة بدكتاتورية البروليتاريا هي التي خطط لها الرفيق لينين معلم البروليتاريا و نفذها تلميذه النجيب ستالين. فمن المخطط الخماسي الأول 1928-1932 الذي قطع مع سياسة النيب الذي تم انجازه في أربع سنوات عوض الخمس قد بنى اللبنات الأولى للقاعدة الاشتراكية حيث قفز الإنتاج الصناعي من السنة الأولى للمخطط إلى سنة 1932 بنسبة 219 بالمائة بينما كان ينخفض بنسب مهولة في البلدان الرأسمالية , إلى المخطط الثاني 1933-1937 الذي أرسى دعائم الفلاحة الاشتراكية إلى المخطط الخماسي الثالث 1938-1942 الذي وضع من مهامه تحسين وضعية الإنسان السوفياتي إلى مستوى رفاه الإنسان الميسور في الرأسماليات المتقدمة لكن حلول الحرب حالت دون ذلك. فكان أن ضحت شعوب الاتحاد السوفياتي برفاهيتها من اجل أن تنعم شعوب الرأسمالية بالحرية من عبودية الرايخ الثالث و تنعم شعوب المستعمرات بالاستقلال من استعمار القوى الامبريالية.

فعلا , فقد الحزب صلابته و متانته بعد الحرب كما أشار الرفيق النمري في مقاله, و الخسائر التي تحملها كانت السبب الرئيس في تقدم البورجوازية الوضيعة بعد أن تقلصت أعداد البروليتاريا بشكل مهول أبان الحرب و هي القاعدة الصلبة و المتينة للحزب و الضامنة لنجاح المشروع اللينيني. فقد تراجعت متانة الحزب بتراجع أعداد البروليتاريا كما و كيفا حيث جرفت الحرب معها أعدادا كبيرة من البروليتاريين المتفوقين ليس في الإنتاج و فقط بل في إشاعة روح الماركسية بين صفوف الشغيلة.

الرفيق النمري في مقالته يحصر المخطط الخماسي الرابع في إعادة اعمار ما دمرته الحرب وهنا وجب التوقف نظرا لأهمية المخطط في القفزة التنموية للاتحاد السوفياتي و الذي شكل القاعدة الصلبة للانطلاقة الطموحة للمخطط الخماسي الخامس الذي كان من بين أهدافه نقل المجتمع السوفياتي إلى عتبة الشيوعية.المخطط الخماسي الرابع و إن كان زمنيا بعد فترة الحرب فلم يكن في مهامه إعادة اعمار ما دمرته القطعان النازية فقط بل كان يزيد على ذلك بكثير جدا و هو تنمية الاقتصاد الوطني و هو ما يعني أن المخطط كان يرمي إلى تجاوز مستوى تنمية الاقتصاد الذي كان ما قبل الحرب, وقد تمكن المخطط من ذلك فتم إعادة اعمار الاتحاد السوفياتي التي تحملت أفدح الخسائر لوحدها و تجاوزت مستوى التنمية الذي كان عليه قبل الحرب, و قد سمي المخطط بالمخطط الخماسي لإعادة الاعمار و تنمية الاقتصاد الوطني, أي انه لم يكن يسمى بالمخطط الخماسي لإعادة الاعمار وفقط بل حمل على عاتقه تنمية الاقتصاد الوطني. و قد نجح في ذلك أيما نجاح حيث حققت بعض القطاعات تجاوزا في التوقعات دون أن تكون باقي القطاعات أدنى التوقعات.

فقد صرح نيكولاي فوزنيسينسكي في تقرير للمخطط الخماسي الرابع أن الخطة في مجال الإنتاج الصناعي تهدف إلى تجاوز المستوى الذي كان عليه قبل الحرب, و في مجال الفلاحة صرح نيكولاي إن المخطط الخماسي يتوقع إعادة التأهيل و تنمية جديدة لزراعة الأرض و تربية المواشي, من اجل تجاوز ما قبل الحرب للإنتاج ألفلاحي في مجموع البلاد, و كذلك في مجال النقل أورد رئيس لجنة التخطيط أن حركة البضائع و تدفقها ستزيد مقارنة إلى مستوى ما قبل الحرب و ذلك لضمان برنامج الإنتاج المادي و أشغال التعمير. و من اجل تحقيق هكذا تدفق يجب الزيادة في كل اللوجيستيك و هو ما توقعته الخطة بزياد القواطر و السيارات و الشاحنات و السفن و الطائرات ... و الزيادة في طول خطوط النقل أي تعزيز الشبكة بخطوط جديدة. و في ما يخص رفع المستوى المادي و الثقافي للشعب فقد صرح نيكولاي إن الخطة تتوقع إنفاق 106 مليار روبل لأجل الحاجات المادية و الثقافية لعمال المدن و القرى دون حساب نفقات الدولة في الأشغال الحضرية, أي ما يزيد على ضعفي مستوى 1940.

الرفيق النمري في مقاله و كأنه يؤاخذ ستالين على كتمانه الخطر الذي كان يحيق بمصائر الثورة و خوفه من أن يذهب كل بنته البروليتاريا سدى بعد أن تقوت البورجوازية الوضيعة عدوة الإنسانية. الرفيق ستالين اختار الأمر الأكثر أمنا و سلامة لإضعاف البورجوازية الوضيعة و تصليب عود البروليتاريا لكن الخلل كان في الإعاقة خلفتها الحرب حيث قتل النازيون خيرة الشيوعيين.

في خطاب للرفيق ستالين بتاريخ التاسع من فبراير 1946 أي قبل إعلان المخطط الخماسي الرابع في التقرير الذي أدلى به فوزنيسينسكي رئيس لجنة تخطيط دولة الاتحاد السوفياتي يومه الخامس من مارس 1946, حيث قال: "فيما يخص المخططات الطويلة الأمد ( ستالين يعني هنا المخططات الخماسية) , الحزب عازم على أن ينظم نهوضا جديدا و قويا للاقتصاد الوطني, سيمكننا من رفع مستوى صناعتنا, مثلا إلى ثلاثة أضعاف ما قبل الحرب.... و بهذا الشرط فقط يضمن حزبنا مواجهة كل المفاجئات. و هذا قد يتطلب ثلاث مخططات خماسية جديدة, أو أكثر. لكننا نقدر أن نكمل هذا العمل بل و يجب أن نكمله."

البورجوازية الوضيعة بكل تلاوينها أدركت أنها المستهدفة من استشرافات ستالين تلك بعد أن رأت على الواقع كيف تحقق المخطط الخماسي الرابع و قد خرجت الاتحاد السوفياتي محطمة من الحرب, فما بالك سيكون مصير تلك الطبقة الرجعية و الاتحاد السوفياتي استعاد عافيته و فاق نموه النمو ما قبل الحرب الذي به هزم النازية. فلم يكن لها غير خيار وحيد هو اغتيال الرفيق ستالين بعدما بدأت ترى أن الحزب ماض فيما استشرفه قائده و الذي كان يحفظ مكرها قبل أي عضو أخر في الحزب.

نجاح المخطط الخماسي الرابع 1946-1950 كان إنذارا للبورجوازية الوضيعة التي أدركت أن المخطط الخماسي الموالي كان سيقضي عليها ما إذا تم انجازه و هو أمر لم تستبعده تماما لأنها تعرف تماما كيف يمسك البلاشفة بناصية القوانين الاقتصادية. فالمخطط الذي أعاد اعمار الألف و سبعمائة 1700 مدينة التي دمرها الهتلريون بمصانعها و مراكزها التربوية و الاستشفائية و الترفيهية كما أعاد اعمار السبعون ألف 70000 قرية أيضا المدمرة ناهيك عن الخسائر الأخرى, و تقدم بالاقتصاد الوطني إلى مستوى اكبر عما كان عليه قبل الحرب, فذلك يعني أن المخطط الذي يليه و هو المخطط الخماسي الخامس سينقل الاتحاد السوفياتي إلى مستوى ستنعم فيه كل الشغيلة بالرفاه حيث ستصير الطبقة البورجوازية الوضيعة في خبر كان.


من بين أهداف المخطط الخماسي الخامس كما سطره الرفيق ستالين في قضايا اشتراكية فيما يخص باب تحسين وضعية الشغيلة هو جعل يوم العمل في خمس ساعات حتى يتسنى لكل الشغيلة الاستمتاع بالوقت المتبقي في رفع المستوى الثقافي و الترفيهي و التأهيلي و هو ما سيضمن أيضا لتحويل كل المجتمع إلى شغيلة و في هذا أيضا ضربة قاضية للبورجوازية الوضيعة.