لن نخلع خاتم ماركس


خالد حدادة
2016 / 10 / 22 - 10:47     


درجت العادة في مناسبة عيد الحزب الشيوعي اللبناني أن نستذكر التاريخ. التاريخ بكل ما فيه من أمجاد تستحق الافتخار. وكان البعض خصوصاً ما بعد «البريسترويكا» يستذكر التاريخ على قاعدة «الترحم» لا على قاعدة الضرورة المستقبلية. ولعل السبب الأساس في ذلك، هو ملاحظة الظواهر لا التبحر في العمق، وبالتالي دفعهم الحاضر إلى الترحم على الماضي وأحياناً كثيرة، الى التملص والهروب من المسؤولية عنه وكله مندرج تحت شعار «موت الأيديولوجيا» كمقدمة طبيعية لتبني «الأيديولوجيا» الوحيدة والقائدة، أي تلك التي بشّر بها منظرو الرأسمالية الحديثة، منظرو النيوليبرالية.
لم يصرح بعض اليسار القديم ـ المنفتح بذلك ولكنه مارسه. مارس السياسة على قاعدة القناعة بأن «تلك الحقبة»، أصبحت مرضاً، ولذلك، ركزوا على الإيجابي في العولمة، ورحبوا بالاحتلال الأميركي «المنقذ» للعراق وللمنطقة، وانفتحوا على الخليج وإعلامه ونشروا النعي لحركة التحرر العربية وتبرأوا من تاريخها، محاولين أخذ الحركة اليسارية ومنها الحزب الشيوعي اللبناني بهذا الاتجاه.
وفي لبنان كذلك، وقعوا تحت شعارات البورجوازية اللبنانية ونفي مسؤولية «الدولة الطائفية» عن الفقر والتبعية والحروب، التي تبنت شعار «بناء الدولة»، ليرتقي هذا الشعار، بتغييب الدولة إلى مستوى تبرئة القوى البورجوازية ـ الطائفية من كل ما حدث في البلد من ويلات وما لحق بشعبه وعلى هذه القاعدة انحاز قسم كبير منهم (بل التحق) إلى 14 آذار، وقسم منهم فسر التقاطع حول موضوع معين مع 8 آذار بضرورة الالتحاق بهذا الفريق.
وبعد فشل رهاناتهم، والميل الطبيعي لزعامات الطوائف إلى التوافق تحت عباءتي «الميثاقية» و«الطائف»، ربما سنرى من جديد عودة بعضهم للحديث عن «اليسار» دون ممارسة أي نوع من النقد. وسيكون خطِراً أن نلاقيهم إلى منتصف طريق، هم الذين حددوا ملامحه، نلاقيهم تحت شعارات ظاهرها بريء ومضمونها خطير؛ الانفتاح، المرونة واليسار الجديد.
كيف يحدد المستقبل أهمية التاريخ؟
لقد سلمت الرأسمالية القديمة، الراية، للإمبريالية بعد حربين عالميتين مدمرتين. واليوم إلى من ستسلم النيوليبرالية الراية؟
في تقديم البروفسور أوليفيه كريستين للمرحلة الحالية من «الإرهاب»، قال إن «الدولة الإسلامية» حققت، بعد سلسلة عمليات في أوروبا وفرنسا تحديداً، قطيعة في أيديولوجيتها الإرهابية، أي تزاوج اتجاهين، تنظيم العمل الإرهابي ولكن من جهة أخرى تبني المبادرات المعزولة. هذا ما يذكرنا بما قاله ماكس ﭭيبر عن الفاشية في (الاقتصاد والاجتماع) حيث يصبح «نشاطاً مساهماً، متبنىً من كل الأعضاء» فهناك جنود الحرب النظامية، و«مؤيدون» أي البيئة الحاضنة التي تنتج ما اصطلح على تسميته خلال مرحلة الفاشية «الذئاب المنفردة» وهذا ما يطبقه «داعش» اليوم. إنها إذن تكرار لـ «الفاشية» بثوب «إسلامي».
إن النظرة اليوم إلى الممارسة الأميركية في المنطقة تؤكد ذلك: من جهة دفع «داعش» لكي يشكل إطاره الجيو ـ سياسي داخل سوريا، ومن جهة ثانية، تفتيت العراق واليمن وسوريا وسواها تحت العباءات المذهبية، وبالتالي لبنان على الطريق؟
وعلى المستوى العام، تندفع أوروبا أكثر نحو الممارسات العنصرية والتخلي عن قشرة «الديموقراطية» التي لبستها في الماضي، ويكفي أن نورد ما قاله يوهان هانفاغل: «فرنسا منقسمة وممزقة، حيث تحرر الخطاب العنصري، وأكسب مقولة صراع الحضارات لحماً». وكان قد سبقه جيروم فوركيه الذي أشار إلى أننا «نشهد بداية تساؤل عن جدوى الديموقراطية الليبرالية».
إذن هي أعلى مراحل «النيوليبرالية»: الفوضى والحروب والتفتيت. هو مستقبل يبشرنا به قادة الرأسمال العالمي وبالتحديد الولايات المتحدة ما يجعلنا نقول، إن التجديد يكون بالتمسك أكثر بـ«ماركس» فكراً وممارسة. الرأسمالية الصناعية هي التي عالجها ماركس، من بوابة «القيمة المضافة» و «الفروقات الطبقية» والفقر والاضطهاد الاجتماعي، وها هو مستقبلها، مستقبل الرأسمالية، يبشر بما هو أعتى على كل هذه المستويات، فهل يكون العلاج بملاقاتها فكرياً إلى منتصف الطريق، ونحقق رغبة البعض بأن نخلع خاتم «ماركس»، ليثبت منظرو الرأسمالية «خاتم» الفوضى والحروب، تحت شعار الانفتاح والديموقراطية؟
وعلى المستوى العربي، أنتجت الإمبريالية «سايكس ـ بيكو» والكيان الصهيوني. ومستقبل السياسة الأميركية يدفع باتجاه التفتيت والحروب المذهبية واستمرار نهب الثروات وتثبيت تفوق الكيان الصهيوني...
«المستقبل» يؤشر لنا، تمسكوا بثوابت الماضي، بأولوية فلسطين، برفض سايكس ـ بيكو ونتائجه والاتجاه نحو حركة تحرر وطني عربية بأفق تقدمي وديموقراطي.
في عيد تأسيس حزبنا، يتحتم علينا قراءة الماضي من مهامّ المستقبل وقطع الطريق على أي تفتيت وانحراف، تحت شعارات «المرونة» و«الانفتاح».. على من.. ولماذا؟