رد على نقد مقياس القيمة لمحمد عادل زكي


محمد فيصل يغان
2016 / 10 / 19 - 16:46     

رد على نقد مقياس القيمة لمحمد زكي
بعد أن قرأت المقال المذكور اعلاه و المنشور على موقع الحوار المتمدن، أدليت بملاحظة سريعة و لكنها كافية (حسب ما اعتقدته في حينه) ليعيد استاذنا الكريم التفكير بما ورد في مقاله، فاللبيب من الاشارة يفهم. و لكن للأسف اتضح ان ملاحظتي كانت نابعة من (ماركسية الفم و ليس الدم) فاستعصت على استاذنا مما حدا بي لكتابة هذه العجالة.
يقول استاذنا زكي: "القيمة بالمعنى المجرَّد، هي خصيصة من خصائص الشيء، صفة، تميزه وتحدده. وهي كما الوزن والطول والارتفاع والحجم... إلخ، فإذ ما كان للشيء ثقل معين لاحتوائه مثلاً على قدْر ما من المعدن (مطرقة مثلاً)؛ قلنا أن للشيء وزن، ذو وزن." ان تشبيه القيمة بالخواص يصلح حين نتكلم عن القيمة الاستعمالية.
إذن استاذنا يتكلم عن القيمة الاستعمالية حسب ماركس الذي قال: "ان منفعة الشيء تجعله قيمة استعمالية، و لكن هذه المنفعة ليست شيئا قائما مستقلا بذاته، إذ نظرا لأن خواص السلعة هي التي تعينها فان المنفعة لا وجود لها منفصل من تلك الخواص" و هنا الفارق الرئيسي مع القيمة التبادلية التي سنتكلم عنها لاحقا.
ينتقل استاذنا زكي من القيمة (الاستعمالية مع انه لا يحددها تصريحا و لكنها المقصودة ضمنا كون هذه القيمة هي حسب استاذنا خاصية ثابتة متعلقة بالشيء و بالتالي بخواص الشيء في حين ان القيمة التبادلية تتحدد في عملية التبادل "تبادل السلع عملية تتميز بالتجرد التام عن القيمة الاستعمالية" حسب ماركس
استاذنا يقول أيضا "لأن القيمة تثبت للشيء بمجرد احتوائه على هذه الكمية أو تلك من العمل" كلام سليم، فلولا الفائدة المرجوة من قبل باذل العمل من منتجه لما بذل العمل أصلا و ذلك على فرض ان العمل هو واعي و هادف، و لكن فالذي يثبت للشيء هنا هو القيمة الاستعمالية الفردية اما القيمة التبادلية فلا تثبت للشيء الا خلال و بعد طرحه للتبادل، بمعنى أن يكون هناك مجموعة كبيرة من الافراد يرون في الشيء قيم استعمالية متفاوتة بتفاوت الافراد، فيقوم السوق من خلال العرض و الطلب بتحديد قيمة تبادلية اجتماعية تعكس (معدل القيم الاستعمالية) في مقابل معدل القيم الاستعمالية للسلع المرشحة للتبادل مع الشيء الذي عرضناه نحن.
حين اقوم بطهي قطعة لحم، لا افكر كثيرا في (مقدار قيمة) هذه القطعة ان كنت سأتناولها أنا شخصيا فاسكات جوعي أهم من التأمل النظري،كما أن "القيمة الاستعمالية لا تتحقق أو يكون لها وجود فعلي الا بالاستعمال و الاستهلاك" حسب ماركس اما ان كنت أنوي (مبادلتها) بالفاكهة مثلا توجب علي التفكير في قيمة اللحمة في مقابل قيمة الفاكهة، أي القيمة التبادلية، و علي أن اتوجه للسوق و اعرض قطعة اللحم للتبادل ليقوم السوق بتحديد اليم بالنسبة للسلع الاخرى.
يقول ماركس: "في الواقع ان قيمة السلع هي العنصر المشترك الذي يكشف عنه الغطاء في نسبة التبادل أو القيمة التبادلية للسلع"
ثم يطرح استاذنا فجأة المشكلة الكبرى من وجهة نظره و يقول: "بيد أننا نواجه مشكلة بصدد القيمة؛ فالقيمة هي مجهود إنساني متجسد في الناتج. والاقتصاد السياسي يقيس هذا المجهود بالزمن الَّذي ينفق (خلاله) هذا المجهود، وليس بالمجهود المبذول نفسه! وكأن النظرية الَّتي يستند إليها هي نظرية الزمن، وليس العمل، في القيمة."
يقتبس استاذنا قولة ماركس التالية: "كيف سنقيس مقدار القيمة؟... أن ذلك سيكون بكمية ما تتضمنه من العمل، الذي هو الخالق للقيمة، أما كمية العمل ذاته فتقاس بطول العمل، بوقت العمل، ووقت العمل يجد معاييره في أجزاء محددة من الزمن كالساعة واليوم..."
و يعلق عليها فاضحا (حسب رأيه) تهافت ماركس و الاقتصاد السياسي برمته بالقول: " ووفقاً لنص ماركس؛ فحينما نقول أن القلم قيمته 30 دقيقة؛ فهذا يعني أن مجهوداً إنسانياً انفق (خلال) 30 دقيقة من أجل إنتاج القلم، ولا يعني أبداً أن المجهود المبذول مقداره 30 دقيقة. وبالتالي لا تعد القيمة مجهوداً إنسانياً يقاس بما يقاس به المجهود، إنما تعد زمناً تم إنفاقه من أجل إنتاج القلم، أي الوقت الَّذي تم خلاله إنتاج القلم.
وعلى هذا النحو يضعنا الاقتصاد السياسي في أزمة الاختيار بين أمرين: إما الإقرار بأننا نستخدم مقياساً خاطئاً للقيمة؛ لأننا نقيس مقدار الجهد الإنساني المبذول باستعمال وحدة قياس الوقت! كأننا نقيس الطول بالترمومتر! وإما أن فهم الاقتصاد السياسي للقيمة هو الخطأ؛ لأنه يقول أن القيمة جهد مبذول، ولكنه يتعامل معها كزمن منفَق!"
لنحاول توضيح هذه النقطة لاستاذنا لانقاذ الاقتصاد السياسي و ماركس من تهمة التهافت المضمرة. أولا ي علم المقاييس هناك وحدات قياس اساسية فعلى سبيل المثال في الميكانيكا لدينا المسافة (متر) و الزمن (ثانية) و الوزن (كلغم) و من ثم لدينا الوحدات القياسية المشتقة مثل السرعة (متر على ثانية)، التسارع (متر على ثانية تربيع) القوة (كلغم مضروب بوحدة قياس التسارع) و اخيرا الطاقة (و تساوي و حدة قياس القوة مضروبة بوحدة المسافة – متر).
لننتقل و نطبق ما تقوله علوم المقاييس على (قيمة السلعة). أسعفنا ماركس حين وحد (معيار) قدرة العمل بقوة (الترجمة الاصح قدرة) العمل الاجتماعي حين قال: "ولكن الذي يخلق جوهر القيمة (هو) عمل انساني متجانس أي بذل قوة (قدرة) عمل متجانسة. و المجموع الكلي لقوة (قدرة) عمل المجتمع كما يتمثل في القيمة الاجمالية لكافة السلع التي ينتجها المجتمع يحسب هنا ككتلة متجانسة من الطاقة الانسانية على العمل و ان كان مكونا من وحدات مفردة لا عداد لها. و كل وحدة من وحدات قوة (قدرة) العمل تماثل الاخرى من حيث ان لها خواص متوسط قوة (قدرة) العمل الاجتماعية." أي أن ماركس حدد ما يكافئ وحدة قياس القدرة الفيزيائية (الوات) و ليكن واضحا أن متوسط القدرة هذا هو اجتماعي، أي يتغير بتغير الظروف الاجتماعية من ادوات و اجهزة و ادارة و تدريب و ليس معيارا مطلقا مثل الثوابت الكونية (ثابت الجاذبية و ثابت بلانك). فمن كان يبحث عن ثوابت مطلقة و قياسات مطلقة في الاقتصاد السياسي فهو في المجال الخطأ، و انصحه بالتحول لدراسة الفيزياء او الهندسة.
اذن حدد لنا ماركس معيار قدرة العمل بوحدة اساسية و حدد لنا اهل العلوم التطبيقية معيار الوقت بوحدة اساسية، و لا يتبقى امامنا سوى اشتقاق وحدة قياس العمل كوحدة مركبة من (وحدة معدل قدرة العمل الاجتماعي مضروبة في وحدة الزمن) و لنقل ان الناتج هو وحدة مشتقة ابعادها (قدرة عمل في يوم) قياسا بوحدة الطاقة (وات في يوم).
نعود لكون القيمة التبادلية هي نسبة ما بين قيم سلع مختلفة، و كون هذه القيم تقاس كما ذكرنا اعلاه بوحدة (متوسط قدرة عمل اجتماعي في يوم) و كون متوسط قدرة العمل الاجتماعي هي (ثابت في الظروف الاجتماعية نفسها) و مشترك بين كافة السلع، و كون القيمة التبادلية كما اسلفنا نسبية و تهدف للمقارنة (تماما مثلما ما يهمنا في الطاقة ليس قياس الطاقة المطلقة، بل الفرق ما بين طاقة حالة و حالة اخرى لنظام ما) يمكن لنا تجاهل متوسط القدرة كونه مشترك و ثابت (في نفس الظروف الاجتماعية) و اعتماد وحدة الوقت لتقدير حجم العمل الاجتماعي المحدد للقيمة.
اما الارتباك و التلبك فيما يخص الفارق بين المقياس و القياس، التي نراها عند استاذنا فتوضيح الموضوع بسيط، في عملية تبادل السلع البسيطة فان مقياس صاحب السلعة أ هو الوقت الذي بذله في انتاج سلعته، و القياس هو عدد القطع من السلعة أ اللازمة للحصول على قطعة واحدة من السلعة المقابلة ب. و كذلك الشيئ نفسه فيما يخص صاحب السلعة ب. و كون هذه الطريقة تكتنفها الصعوبات المعروفة، تم اعتماد سلعة مكافئة لكافة السلع، مثل الذهب و من ثم النقود فحلت مسألة المقياس و القياس، فكل من يتعامل بالسوق يعرف تماما المقياس و يعرف القياس و يعرف متى يشتري و متى يبيع دون أن يلجأ لوزن العمال الذين انتجوا السلعة قبل و بعد انتاجها لمعرفة استهلاكهم من الكالوريات الغذائية (في مدة عملهم الزمنية على المنتج) او بقياس كمية الخبز و اللحم و الخضروات التي استهلكوها خلال (مدة عملهم الزمنية على المنتج)