العرب قومية ام أثنية ام مجموعة لغوية؟


مالوم ابو رغيف
2016 / 10 / 16 - 19:02     

العرب بالاصل مجموعة عرقية مثل غيرها من المجاميع العرقية الاخرى فرضت عليها الطبيعة ملامح وسمات جينية خاصة لتتلائم وتتكيف مع الطبيعة الصحراوية القاسية التي وجدت نفسها فيها كشكل الانف وشكل العين ومتوسط طول القامة. لم يعد سهلا العثور على عربي بتلك الصفات التي تختص به كعرق وتميزه عن الاعراق الاخرى وذلك بسبب الاختلاط والتزاوج وتغيّر ظروف الحياة والمناخ، لقد اختفت الصفات المميزة للعرق العربي الا في بعض المناطق التي لم تشهد اختلاطا او تزاوجا او احتلالا اجنبيا مثل القبائل البدوية في صحراء الربع الخالي وصحاري اليمن و محافظة المهرة التي لا زال قسم من سكانها يتحدث اللهجة الحميرية.
وندلل على صحة هذه الفرضية بالاشارة الى الاختلاف والتمايز في الملامح والسمات للشعوب العربية، فلو كان العرب من عرق واحد، لرأينا سمات مشتركة تدل على الانحدار العرقي عند الشعوب التي يطلق عليها الشعوب العربية، بينما هناك تفرد وتمير للملامح العراقية او للمصرية والجزائرية والسورية والتونسية والكويتية واليمنية، ومن السهولة تمييز المصري عن العراقي والجزائري عن التونسي والحال ينطبق على جميع البلدان الاخرى.
لا نعتقد بصحة الحديث عن الاعراق عند التطرق الى المجموعات الانسانية الكبيرة، خاصة تلك التي تنتشر على مساحة جغرافية واسعة، وكلما صغرت المجموعة الانسانية وتقلصت جغرافية تواجدها يمكن لنا رؤية سماتها العرقية المميزة.
اذا كانت فرضية انتهاء العرب كعرق(race) صحيحة فان ذلك يعني ايضا عدم صحة اعتبار الدم احد مكونات العرب.
انتهاء العرب كعرق race والذي يعني الصفات الجينية المتوارثة اب عن جد(Gene pool )، لا يعني انتهائهم كمجموعة اثنية (Ethnic group)
اذ ان الآثنية تتميز بمشتركات اللغة والثقافة والتقاليد والاعراف والموروثات الاجتماعية المتقاربة التشابه وليس بالصفات الجينية كما يسود الاعتقاد وفق النظريات العنصرية.
.
ان هذا التناول يعني ان الأثنية العربية حتى في مظهرها القومي غير مقتصرة على عرقية معينة. فمن يتحدث العربية هو عربي، اي ان القومية العربية بهذا المعنى اصبحت انتماء الى لغة وليس الى اصل عرقي.
قال لي احد المعارف وهو كوردي من سوريا، بانه كان عربيا وقد تحول الى كوردي وذلك لانه كان يعيش في المناطق ذات الغالبية الكوردية فتعلم لغتهم، وعند ذهابه لزيارة اقاربه في مناطقهم حيث يعيش العرب كانوا يقولون ( جاء الكوردي) فقرر ان يصبح كورديا وكان له ما اراد.
ولنا ان نسأل اين هم سكان العراق المنحدرون من السومريين والاكديين والبابليين؟
واين هم الفراعنة في مصر واين هم الحميريين في اليمن؟
هل قضت عليهم كارثة طبيعية natural calamity؟
هل انقرضوا جميعهم؟ ؟
ان الجواب على هذا السؤال هو بحد ذاته تاكيد على انهم ذابوا في اللغة العربية واختلطت مفرداتهم ولهجاتهم فيها بينما ولّد التزاوج والاختلاط سمات وملامحا مميزه للسكان، لذا يمكن تحديد الانتماء الوطني nationality من ملامح الشكل ومن خلال نبرة الصوت حتى وان كان التحدث بـ لغات اجنبية.
لكن هل اللغة العربية من نتاج العرب وحدهم دون مشاركة الاقوام الاخرى في هذا النتاج اللغوي الكبير؟
اللغة العربية تتقبل وتتسوعب اي مفردة اجنبية مهما كانت وتمتاز بانها قادرة على تحويل الاسماء الى افعال والافعال الى اسماء بشكل يجعل التعامل مع المفردات الاجنبية سهلا جدا، كما انها لغة مضياف غير طاردة تتعامل مع المفردات الاجنبية او الطارئة عليها كمعاملتها لمفرادتها الاصلية دون اقحام او شعور باغتراب.
لذلك تزدحم اللغة العربية بالكثير من المفردات والمصطلحات الاجنبية من لغات عديدة، كما ان طريقة نطقها ولفظها وصوتها يختلف في بلد عن بلد اخر وهذا ما يثبت تأثير اللغات واللهجات الاخرى على اللغة العربية ويجعل الناطقين بالعربية خارج دائرة التعصب اللغوي التي يتصف بها بعض الاقوام.
القرآن نفسه باعتباره حافظ للغة العربية من التغيير والضياع، ليس نتاج عربي عرقي، فنحن نميل الى تبني الرأي القائل بان القرآن بنسخته الحالية كتب في القرون الوسطى او في العصر العباسي المتاخر وذلك بالنظر الى وضوح صنعة تجميع الآيات واختلاف مفردات واساليب سردها وخلوها من الغريب الخشن ذلك الذي امتازت به اشعار مرحلة ما قبل الاسلام، واحتواء سوره على كلمات آرامية وفارسية لم تكن معروفة عند العرب في زمن النبي محمد، كما ان القصص والروايات فيه، لا تتحدث عن حياة العرب فقط، انما تتحدث عن حياة طيف واسع من الاديان. ذلك يعني ان القرآن نفسه ليس نتاج العرب بالمفهوم العرقي لكنه نتاج العرب بالمفهوم اللغوي.
اللغة العربية هي نتاج جميع الناطقين بها، يكتبون بها اشعارهم ورواياتهم ومقالاتهم ويضيفون اليها مفرداتهم والفاظهم ويغنونها بنتاجاتهم، ان كتب الاديب بالعربية فان هجاءه لها بعد ذلك يعني انه قد هجا أدبه ايضا، اذ ان ما كتبه يحسب على الادب العربي.