حرب اسرائيل عام 1948 وانحلال الاممية الرابعة - 9 - يوسي شوارتز ( التيار الشيوعى الأممى )


سعيد العليمى
2016 / 10 / 13 - 22:52     

الثورة الفسطينية عام 1929
لم تدع هذه المقالات العمال اليهود للانضمام للعمال العرب فى النضال ضد الامبريالية والاستعمار الصهيونى ، كما زعم كليف فى سيرته الذاتية . لقد لام فى هذه المقالات البريطانيين لتأجيجهم الكراهية القومية بين الشعبين فى فلسطين ، فى الوقت الذى وصف فيه انتفاضة الجماهير العربية ضد البريطانيين والصهاينة باعتبارها مذبحة ضد اليهود .
كتب كليف عن السياسة البريطانية فى فلسطين :
" ان السياسة البريطانية فى هذه البلاد قائمة على نظام فرق تسد ، نظام استثارة الكراهية القومية بين الشعبين فى البلاد حتى تؤمن لنفسها وضع الحكم . الحقائق التى تشير الى المدى الذى يذهب اليه البريطانيون فى استثارة التناحرات القومية اكثر من ان تحصى هنا . وعلينا ان نقنع انفسنا ببضع امثلة نموذجية . منذ بداية الحكم البريطانى فى فلسطين حتى الوقت الراهن هناك اربع هجمات دموية على ( ... ) اليهود – 1920 ، 1921 ، 1929 ، 1936 – 38
بدأت الحكومة فى 1928 فى الاعلان عن مراسيم استفزازية تتعلق بالوضع القانونى لحائط المبكى ( مقدس عند اليهود الاصوليين ) وهكذا فتحت الباب للدعاية الشوفينية الدينية لعصبة من الافندية مما ادى لمذابح 1929 تحت شعار " الدفاع عن الاماكن المقدسة " وبالمثل قوت الحكومة بهذه الوسيلة نفوذ العنصر الدينى الشوفينى فى اوساط اليهود ( ظهرت فى هذا الوقت ( " لجان الدفاع عن حائط المبكى " ) . " ( 25 )
يختلف هذا التقدير عن الواقع كثيرا . لقد غذته الصحافة الصهيونية والضغوط الصهيونية . ان الحائط الغربى مكان مقدس بالنسبة للمسلمين واليهود الاصوليين . فى 28 سبتمبر 1928 ، قرر الصهاينة اليهود تغيير الوضع القائم ففى صلواتهم فى يوم كيبور ( يوم الغفران ) عند الحائط الغربى ، وضعوا مقاعد ، ونصبوا ( ستائر ) بين الرجال والنساء الحاضرين . ورأى المسلمون ذلك ، بوصفه استفزازا ، وهو كذلك ، وخطوة من الصهاينة للسيطرة على الحائط وتحويله الى معبد / كنيس . اتجه مفتى القدس الى البريطانيين وطلب من الحكومة ان تفى بتعهداتها ، وفقا لوعد بلفور ، وهو ان تحمى الحقوق الدينية للمسلمين . وقد انتهك الصهاينة بالفعل الوضع القائم الذى وجد خلال الحكم العثمانى الذى منع اليهود من اقامة اية انشاءات فى منطقة الحائط الغربى . طلب المندوب ازالة الستائر والمقاعد . حين رفض الصهاينة ارسلوا ضباط الشرطة وحدث شجار بين الصهاينة والشرطة . الحاج امين الحسينى ، مفتى القدس الذى اختاره فى منصبه المندوب السامى ، والصهيونى هربرت صامويل ، اعتقدا ولأسباب وجيهة ، ان اليهود الصهاينة كانوا يخططون للاستيلاء على الحائط الغربى كخطوة باتجاه الاستيلاء على المسجد الاقصى . فى 15 اغسطس 1929 خلال الصيام اليهودى تيشا باآف تجمع بضع مئات من الجناح اليمينى التحريفى لحركة جوزيف كلاوسنر ومن منظمة بيطار مرتدين قمصانا سوداء مثل أتباع موسولينى وتجمعوا عند الحائط صائحين " الحائط حائطنا " ثم رفعوا العلم الصهيونى وغنوا نشيد هاتيكفاه ، وهو النشيد الصهيونى . وقد اخطر المفتى السلطات البريطانية مقدما عن المسيرة ، وقد قدمت حراسة بوليسية مشددة لمنع اية حوادث من الوقوع . وانتشرت الشائعات بأن الشباب قد هاجموا السكان المحليين . وفى يوم الجمعة الموافق 16 اغسطس ، نظم المناضلون المسلمون مظاهرة تجاهلت محاولات المفتى ان يهدأ المسلمين ، فانطلقت تجاه الحائط وضربت المصلين وعادت للهجوم اليوم التالى . وفى اليوم التالى رمى فتى يهودى يدعى ابراهام ميزرا شيكيسكد كرة لعب فى بيت امرأة عربية ريفية ودخل حديقتها بلا اذن . فطعنه رجل عربى ، ومات فى عشية اليوم التالى وتحولت جنازته الى مظاهرة سياسية تطالب بالحائط الغربى ، وقد قمعتها الشرطة . وفى 20 اغسطس ، سلح الهاجاناه 600 يهودى . وفى اليوم التالى تجمع آلاف من القرويين العرب مسلحين بالعصى والسكاكين وتدفقوا الى القدس من الريف المجاور ليصلوا وهم كثر . اتصل هارى لوكر وهو المندوب المحلى بالمفتى وطلب منه الحضور حتى يهدئ الغوغاء الذين تجمعوا تحت نافذته . اخفقت محاولة المفتى لتهدئتهم . اذ اشعلتهم اشاعات ان اثنين من العرب قتلهم اليهود ، بدأ العرب هجوما على اليهود فى القدس القديمة . وسرعان ماانتشر العنف الى اقسام اخرى من فلسطين .وكان لدى السلطات البريطانية اقل من مائة جندى ، وست عربات مصفحة ، وخمس او ست طائرات فى البلاد كلها . وكان للشرطة البريطانية قوة تتكون من 1500 رجل ، وقد كان معظمهم من العرب . قتل المناضلون المسلمون يهودا عزلا وغير صهاينة فى حبرون وصفد بينما انقذ الجيران المسلمون كثيرا من اليهود الاخرين . وقد قتل فى تلك الصدامات 133 يهوديا و116 عربيا .
لجنة شو
طبعت لجنة لتقصى الحقائق ترأسها السير والتر شو تقريرها عن هذه الاحداث فى 1930 . وقد دعم البريطانيون سياسيا الهدف الصهيونى فى تأسيس دولة صهيونية فى فلسطين ، ولكن كان عليهم ان يهدأوا الجماهير العربية ، وقد عكس التقرير هذين الهدفين .
وقد صرح : " ان الانفجار الذى حدث فى القدس فى 23 اغسطس كان منذ البداية هجوما لامبرر له من العرب على اليهود حيث لم يتبين ان هناك اغتيالات اسبق قام بها اليهود
لم يكن الانفجار عمديا وقد جرى تفادى مذبحة عامة للجماعة اليهودية فى حبرون بعناية . غير ان هذه الهجمات ، رغم انها لاتغتفر ، كانت فى معظمها ردا على اخطاء ارتكبها العرب فى المناطق المجاورة حيث جرت الهجمات اليهودية .
كان المفتى متأثرا فى انشطته ( التى ترتبط بالجدال حول الاماكن المقدسة ) برغبة مزدوجة فى ان يواجه اليهود وان يوظف الرأى العام الاسلامى حول موضوع حائط المبكى . لم يكن لديه نية توظيف هذه الحملة الدينية كوسيلة للتحريض على الاخلال بالنظام .
فى موضوع ابتداع الممارسات ( عند حائط المبكى ) يمكن ان نلقى بعض اللوم على المفتى ولاتشاركه فى ذلك بعض السلطات اليهودية الدينية . ... ليست هناك صلة بين المفتى وأفعال هؤلاء المعروفون او الذين يظن انهم قد تورطوا فى التحريض او الاثارة ... بعد ان انفجرت الاضطرابات تعاون المفتى مع الحكومة فى جهودها لتستعيد السلام ولمنع اتساع نطاق الاخلال بالنظام
السبب الاساسي ... هو شعور العرب بالحقد والعداوة تجاه اليهود عقب خيبة املهم فى تحقق مطامحهم السياسية والقومية وخوفهم من مستقبلهم الاقتصادى . ... وهذا الشعور كما هو موجود اليوم مؤسس على خوف مزدوج من العرب انه من خلال الهجرة اليهودية وشراء الاراضى قد يحرمون من مقومات عيشهم وبمرور الوقت يخضعون للهيمنة السياسية لليهود
وفى رأينا ان الاسباب المباشرة للانفجار تمثلت فى :
يجب ان ينظر الى السلسلة الطويلة من الاحداث التى ارتبطت بحائط المبكى ... ككل ، ولكن الحادثة التى اسهمت اكثر من غيرها بين هذه الاحداث فى الانفجار كانت المظاهرة التى جرت عند حائط المبكى فى 15 اغسطس ، 1929 . ويليها فى الاهمية نذكر انشطة جمعية حماية اماكن المسلمين المقدسة وبدرجة اقل لجنة نصرة حائط المبكى " ( 26 )
كتب كليف فى مقالته :
تمثل الهجرة اليهودية عاملا اساسيا فى عملية تسريع التطور الراسمالى . ان نمو طبقة عاملة يهودية عربية الذى يمثل قوة جادة مناهضة للامبريالية ، اذا اعتبرناها تاريخيا ، يرتبط بالهجرة اليهودية الى البلاد " ( 27 )
وكتب مضيفا
" من الواضح ان البريطانيين يعرفون تماما كيف يستغلون الحاجات الاولية للعامل اليهودى ، اى الهجرة والاستعمار ، ولايتناقض اى منهما مع الاحتياجات الحقيقية للجماهير العربية ، من اجل اقامة حاجز من الكراهية بين منتجى الشعبين وليضمنوا لأنفسهم استقلال السكان اليهود "
اضف الى ذلك يظهر تونى كليف فى نفس المقال التعاطف السياسي مع بعض الفلسطينيين الذين كانوا مناصرين للعنصر الصهيونى وهو يكتب فى نفس المقال : لقد منعت الحكومة بشكل منهجى كل المحاولات المؤدية للتصالح بين الشعبين . تأسس حزب عربى فى حيفا ، ورفع شعار " السلام بين اليهود والعرب " ( لقد كان حزبا بورجوازيا ليبراليا ) وكان من ضمن اعضاءه حتى المختار العربى للمدينة . كانت الحكومة البريطانية مع القيادة العربية الاقطاعية والمنظمة الصهيونية مسؤولون عن هزيمة هذا الحزب فى الانتخابات التالية ، فقد ثقل الضغط على اعضاءه الى ان تم حله .
فى الواقع ، كان مختار حيفا ، حسن شكرى ، متعاونا مع الصهاينة . فى المقاله تقمص كليف عمه حاييم مارجاليوت كالفاريسكى . ويمكن لنا ان نعرف من كان حسن شكرى من الانباء اليهودية الكندية التى احتوت هذه المعلومات :
" لاجدال فى ان الفلسطينيين العرب قد عارضوا الصهيونية . ولكن من اللحظة التى شنوا فيها حملة مدبرة لمحاربتها ، انقسم الفلسطينيون الى معسكرين متحاربين ، وقد كان ذلك فى صالح اليشوف اى الجماعة اليهودية فى فلسطين . المعسكر الرئيسى الذى قاده محمد امين الحسينى ، مفتى فلسطين الكبير ، لم يستطع التصالح مع المشروع الصهيونى ، الذى كان هدفه النهائي اقامة دولة يهودية . اما معسكر المتكيفين ، الذى تعين بخصمه اللدود ، اى عائلة النشاشيبى ، فقد كان براجماتيا وقابلا للتعايش مع الصهاينة ، معتقدا ببساطة انهم اقوى ( ... ) من ان يهزموا
حمس وعد بلفور الذى اصدرته الحكومة البريطانية فى 2 نوفمبر 1917 الفلسطينيين ، وحفزهم على تشكيل منظمات قومية وتسيير مظاهرات وتنفيذ هجمات ضد اليهود . ردا على ذلك قام القادة الصهاينة وقد تزعمهم حاييم مارجاليوت كالفاريسكى ، وهو مشترى اراضى لجمعية الاستيطان اليهودى ، والكولونيل فردريك كيش ، وهو ضابط مخابرات بريطانى متقاعد ورئيس القسم السياسي التنفيذى الصهيونى – برسم استراتيجية مضادة . وقد كان حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية متورطا ايضا فى هذه ( ... ) الحملة
ان الفلسطينيين الذين اختاروا ان يتعاونوا كانت لهم دوافع متنوعة . افترض بعضهم ان الحركة الصهيونية كانت ذراعا للانتداب البريطانى ومن ثم لابد ان تستقر . وهناك بعض الفلسطينيين الاخرين خاصة سماسرة الاراضى والباحثون عن عمل ، ممن حركتهم مكاسبهم الشخصية . والفلسطينيون الذين اعتبروا انفسهم قوميين وفى نفس الوقت عارضوا قيادة الحسينى كانوا ايضا مستهدفين من الاستراتيجيين الصهاينة . والفلسطينيون الذين كان لهم اصدقاء يهود والذين نفروا من عنف الفلسطينيين مالوا ايضا الى تأييد التعاون .
اذ وضع كالفاريسكى هذا فى اعتباره فقد اسس جمعية المسلمين القومية ، وهى شبكة مفتوحة من الاحزاب السياسية الفلسطينية . ولكن المفهوم لم يشتغل ، وبعد عقد من الزمان ، هجر ( ... ) الفكرة برمتها
حاول الصهاينة صياغة الرأى العام العربى بتعزيز الجرائد الفلسطينية فى يافا والقدس وباستخدام الكتاب الذين سوف يمتدحون التعاون العربى اليهودى والاخوة . ولكن ( ... ) كما يقترح كوهين ، كانت هذه الاستراتيجية ناجحة جزئيا فقط
وعلى جبهة اخرى ، حاولت الحركة الصهيونية ان تجند الشخصيات الفلسطينية العامة والمخبرين . كان اول فلسطينى عربى اتهم بالتعاون قرويا عجوزا من منطقة جبل حبرون ، وقد قتل عام 1929 . كما ان مختار حيفا حسن شكرى كان مثالا للتعايش وقد نجامن محاولة اغتياله " ( 28 ) . يتبع