تأجيج الطائفيه في العمليه الأنتخابيه اجهاض للديمقراطيه


عودت ناجي الحمداني
2005 / 12 / 27 - 15:47     

الديمقراطيه ظاهرة حضاريه وانسانيه تمارسها الشعوب المتطلعه الى اقامة نظام اجتماعي عصري متحضر,يحترم الحقوق السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه للمواطن بغض النظر عن دينه وقوميته وعقيدته .وان شعبنا الذي قدم قوافل الشهداء في سبيل تحرره من الدكتاتوريه الدمويه قد صدم بنتائج الأنتخابات التشريعيه التي خاضها في الخامس عشر من الشهر الجاري. اذ جائت النتائج مخيبة لآمال العراقيين وتطلعاتهم الى الديمقراطيه وارادتهم في اختيار ممثليهم الى الجمعيه الوطنيه.
ان تصاعد هستريا الطائفيه وتبني مبدأها على الصعيد الحكومي رغم ما تخبيء من مخاطر كارثيه على وحدة العراقيين ,انما يعكس اصرار القائمين والمخططين لهذا المشروع الظلامي لأعاقة نهضة العراق وتقدمه على اسس حضاريه وديمقراطيه ومحاولة اعادته الى القرون الوسطى, وقد حضى هذا النهج التخريبي منذ البدايه بمباركة السيد بريمر الممثل الأعلى لسياسات الأحتلال الأجنبي والحكومه الايرانيه الطامحة الى الهيمنه على مقدرات الشعب العراقي بتنصيب حكومه شيعيه مواليه لنظامها الايراني.
فالقوى الدينيه في بنيتها الطبقيه والفكريه وعلى اختلاف شرائحها البرجوازيه الأستغلاليه تشكل حليفا طبقياً وسياسياً للولايات المنحدة الامريكيه , ومن الجانب الآخر فالولايات المتحده الامريكيه تفضل التحالف والتعاون مع القوى الدينيه وتركن لها اكثر بكثير من التعاون مع القوى السياسيه اليساريه والعلمانيه التي تعتبرها عدوا طبقياً يهدد مصالحها الستراتيجيه في العراق وفي المنطقه.
وقد اكدت الوقائع والشواهد ان العمليه الانتخابيه شهدت خروقات وانتهاكات صارخة من قبل قوى الائتلاف الموحد,ومن غير المستغرب ان تزيف ارادة العراقيين في اختيار ممثليهم من خلال تزوير اصوات الناخبين في مناطق معينه ومصادرتها في مناطق اخرى .فقد لجأ الائتلاف الموحد قبل الانتخابات الى عقد التحالفات مع القوى الأكثر دمويه والأكثر عداءً للديمقراطيه وسخر قوى الشرطة والميليشيات المعبئه بالتعصب الطائفي والمذهبي في محاربة ممثلي ومؤيدي القوائم الاخرى المنافسه لقائمته , وهو أمر معروف ومكشوف ويلقى المباركه من الحكومه الجعفريه الممثله للائتلاف الموحد.
ولقد كان من الواضح ان الائتلاف يخطط لمؤامرة كبيره على الانتخابات العراقيه , وللتغطيه على عملية التزوير المبيتة حذر السيد عبد العزيز الحكيم رئيس قائمة الائتلاف من التزوير المحتمل, اما مسؤل منظمة بدر فأعلن عن استعداد المنظمه لأستخدام السلاح اذا زورت النتائج وهي تصريحات استباقيه للتغطيه على المؤامرة التي حاكت خيوطها الأجهزه الأمنيه في ايران .ان الائتلاف الموحد يعرف تماماً قبل غيره ان الشعب العراقي لم يصوت له ولم يمنح الثقه لقائمته التي تنكرت للوعود التي قطعتها على نفسه في الانتخابات السابقه .وبدلاً من العمل على اتخاذ خطوات ملموسه لتعزيز الوحدة الوطنيه ورص صفوف مكونات الشعب العراقي وتآخيه شكل الأئتلاف حكومةً طائفيه كانت سبباً في اندلاع ازمات جديدة وعاملا ًفي استفحال الأزمات القائمه ,فأزدادت معيشة الناس تدهوراً وبؤساً وازداد الفقراء سوءاً واتساعاً بسبب التصاعد الجنوني لأسعار المواد الغذائيه وأسعار المحروقات البتروليه وتقليص مفردات البطاقه التموينيه .وبدلاً من ان تضاعف الحكومه جهودها لحل الأزمات المستحكمه التي تطوق رقاب الناس كأزمة الأمن والبطاله والكهرباء والبنزين وأزمة ثقة المواطن بحكومته اتجهت الحكومة بصورة محمومة الى تأجيج نار الطائفيه وممارستها نهجاً يومياً في سياسة الدوله, ولم تعر اهتماماً لما يحمله هذا التوجه من مخاطر كارثيه على وحدة بلادنا ارضاً وشعباً ولهذا فمن الطبيعي ان يرفض شعبنا هذا النهج التخريبي ويمقته لأنه طريق ً لأشعال نار الحرب الأهليه التي تخطط لها ايران واسرائيل,وهو ما اثار مخاوف العراقيين من مجيء الأئتلاف مرةً اخرى الى الحكم .
فقد مارس الأئتلاف الموحد أساليب ملتويه ومرفوضة من الناحيه الأخلاقيه والقانونيه وتتناقض مع ما يصرح به قادته حول الديمقراطيه واحترام ارادة الشعب العراقي و خياراته في الأنتخابات . وبسبب القناعه الكبيره للأئتلاف الموحد في ان هوى العراقيين وأتجاههم في الانتخابات يميل اكثر فأكثر الى القوائم العلمانيه واليساريه المعتدله أي الى القوائم التي تؤمن بالديمقراطيه قولاً وفعلاً وتمتلك مشروعاً وطنياً لأستعادة الوحدة الوطنيه وأعادة اعمار العراق وبنائه وتصفية مخلفات الطائفيه والدكتاتوريه, لجأ الاتلاف الموحد الى استخدام الدين والرموز الدينيه كمؤثرات نفسيه وفكريه على الناس من جهة والى ممارسة الترغيب والترهيب على الموطنين غير الموالين لقائمته من جهة اخرى .وأرتكب مؤيدو الائتلاف الموحد انتهاكات فضيعه بحق الناخبين ومرشحي القوائم الأخرى ومؤيدوها في سبيل تحقيق فوز في الأنتخابات بأي الثمن وحتى لو قاد ذلك الى تفتيت الوحدة الوطنيه ومن هذه الأنتهاكات نوجز مايلي :
1 -ممارسة التضليل الديني للتأثير على الناس البسطاء من خلال الأفتراء بدعم مرجعية السيد السستاني لقائمة الأئتلاف .
2-استخدام صور السيد السستاني في الدعايه الانتخابيه في محاولة لكسب اصوات الآخرين .
3-ممارسة الخطب الدينيه الحماسيه التي تؤجج نار الطائفيه والتحريض على القوائم العلمانيه.
4-تبني بعض الشعارات الطائفيه مثل انتخاب قائمة الائتلاف هو تجديد البيعه للامام علي .
5-وضع نسخ من المصحف الشريف امام صناديق الأقتراع و المراكز الأنتخابيه للتأثير الروحي على الناخبين .
وبذلك جرى توظيف العامل الديني للتأثير على بعض فئات الشعب المحبطه اساساً بسبب كوارث الحروب التي اشعلتها الدكتاتوريه البغيضه وبسبب الحصار الاقتصادي وازمة الفقر والمعانات الكثيرة التي خلقتها الحكومه القائمة المحميه من الاحتلال الأمريكي مما يجعل تلك الفئات اكثر تقبلاً للغيبيات في حل معاناتها الأقتصاديه والاجتماعيه .وبفعل التأجيج الطائفي وأثارة الرعب من فوز القوائم اليساريه اقدمت الميليشيات المواليه لللأئتلاف الموحد المتعطشه للأنتقام وسفك الدماء الى مهاجمة وحرق مقرات الحزب الشيوعي العراقي في مدينة الثورة والناصريه واغتيال عضوين من الحزب كما قامت هذه الميليشيات الشريرة بحرق مقر احد الاحزاب الاخرى ومكتب السيد اياد جمال الدين في الناصريه,وتحت بصر وسمع حكومة الجعفري تعبث الميليشيات الهمجيه بأمن المواطنين وحرياتهم وممتلكاتهم ,فتعتقل وتعذب وتقتل ممن يخالفها نهجها الطائفي,وقد تم اغتيال اكثر من عشرة عناصر من مرشحي ومؤيدي القائمة العراقيه الوطنيه , وشنت المليشيات الغوغائيه حملة ملاحقات وضغوط وترهيب على الناخبين وعلى عوائلهم في سبيل تغيير قناعاتهم الفكريه والسياسيه .
وقد شهدت منطقة بغداد التي تعتبر معقلاً للقوى اليساريه والعلمانيه وبعض المناطق الجونبيه و الفرات الاوسط الواقعة تحت نفوذ الميليشيات حالات تزوير واسعة النطاق .
ان استياء العراقيين على مختلف اتجاهاتهم السياسيه والدينيه بما فيهم فئات واسعة من الشيعة من اداء الحكومه التي فشلت في تحقيق الأمن والاستقرار وأغرقت البلاد بالأزمات المتنوعة وخلقت شرخاً عميقاً في نسيج المجتمع العراقي لا يمكن للشعب العراقي ان يصوت لقائمة الائتلاف بهذه النسب العاليه .فالعراقي في ظل حكومة الأئتلاف فقد حريته الشخصيه واصبح يعاني من فرض الوصايه عليه ويتعرض لبطش الميليشيات الهمجيه دون رادع وهو ما يرفضه الرأي العام العراقي ويدين هذه الممارسات التي تكرس استعباد الأنسان للأنسان .
وعليه فأن تحليل طبيعة القوى المنظويه في قائمة الائتلاف الموحد في بنيتها الطبقيه وايديولوجيتها ومدارسها الفكريه تجد في الديمقراطيه الحقيقيه الواسعة خطراً يهدد نفوذها و مصالحها في المدى البعيد , بل انها لا تؤمن بالديمقراطيه اصلاً لأنها تأتمر بأمر شخص واحد هو ولاية الفقيه الذي يقرر كل شيء, ولهذا نجد تبخر التصريحات التي ادلى بها قادة الأئتلاف عند مجيئهم للسلطة بفصل الدين عن الدوله ودولة العدالة والقانون وحقوق الأنسان , وحلت بدلها الطائفيه والمحاصصه والمحسوبيه والتزكيات الحزبيه,وتأكد للناس ان شعاراتهم عن الديمقراطيه هراء بهراء لا اكثر في سبيل المناورة وكسب الوقت .
وعليه ان القوى السياسيه التي ادركت مؤامرة تزوير ارادة العراقيين في الأنتخابات وكشفها لهذه العمليه المشينه انما تعبر بذلك عن استياء واستهجان العراقيين لهذه الاساليب التي لا يمكن لأية قوى سياسيه تحترم نفسها وتحترم شعبها ان تضع نفسها في هذا الموقف المخالف لأبسط الأعراف والقوانين . ومن المنطقي ان تتعرض العمليه الأنتخابيه الى التزوير والتلاعب طالما ان اجهزة الدوله والميليشيات هي المهيمنه على صناديق الاقتراع وعلى مفوضية الانتخابات وبذلك تصبح مطالب القوى السياسيه باعادة الانتخابات وحل المفوضيه المشرفه عاى الانتخابات مطالب مشروعة ,اما الأصرار على النتائج المعلنه للأنتخابات سيدخل البلاد في ازمه سياسيه حادة اذا لم تبادر القوى السياسية الخيرة الى تطويقها على اساس البحث في نتائج الأنتخابات والأشكالات المتعلقه بها في اطار اللوائح التي تنظم العمليه الانتخابيه وفي هذا الاطار يعتبر البيان الذي اصدره الحزب الشيوعي العراقي في الرابع والعشرين من الشهر الجاري حول الأزمة التي فجرتها نتائج الانتخابات طريقاً سليماً لحلها والتخيف من الاحتقان السياسي والطائفي المحتدم ,فالشعب العراقي لا يتحمل من الازمات اكثر مما هو فيه وعلى مفوضية الانتخابات ان تحترم شعبها بأثبات حياديتها للحفاظ على مصداقيتها ,اما الأنحياز والمحاباه لبعض الاطراف السياسية سواء لأسباب طائفيه او ايديولوجيه سيفقدها مصداقيتها وتتحمل مسؤليه قانونيه وأخلاقيه,فالهدف النهائي للعمليه الأنتخابيه بناء تجربه ديمقراطيه تكون نموجاً لشعوب المنطقه العربيه وتسفر عن تكوين حكومة وحدة وطنيه قادرة على حل الأزمات المستفحلة وتحرر البلاد من الأحتلال الأجنبي وتحقق الأمن والاستقرار.

د.عودة الحمداني