حرب اسرائيل عام 1948 وانحلال الاممية الرابعة -5- يوسي شوارتز ( التيار الشيوعى الأممى )


سعيد العليمى
2016 / 10 / 3 - 01:08     

الوسطية اليمينية لأنصار شاختمان تؤيد حرب اسرائيل الرجعية فى 1948
ان البرامج السياسية لبعض الوسطيين الذين يسمون انفسهم تروتسكيين حول مسألة الثورة الاشتراكية فى فلسطين متجذرة فى مواقف الاممية الرابعة . وفى انشقاق انصار شاختمان عن الاممية الرابعة فى تلك الفترة . لقد حققت الاممية الرابعة اخفاقا وسطيا بالفعل فى 1941 قاده حزب العمال الاشتراكى خلال محاكمة مينابوليس حينما قدم كانون تنازلات للنزعة الدفاعية والوطنية الاشتراكية . ورغم ان الاممية الرابعة اتبعت على العموم مسارا ثوريا خلال ح ع ث ، الا ان تفسخها تزايد فيما بعد الى الحدود القصوى . اصبحت عملية التحلل هذه نحو الوسطية واضحة بقوة – اضافة الى الاخفاق المشين فى الحرب الاسرائيلية الفلسطينية فى 1948 – فى "الخطاب المفتوح" الموجه الى تيتو والتأييد السياسي لماوتسى تونج ، وفى شجب التروتسكيين الصينين فى 1948 .
لم تتخذ الاممية الرابعة موقفا من الحرب حينما اندلعت . وهذا فى حد ذاته من اعراض الانحلال . وقد انقضت عدة شهور قبل ان تحدد الاممية الرابعة موقفا سياسيا وماانتهت اليه كان خاطئا . من الواضح انه بسبب كونها منظمة تتفسخ سريعا ، منظمة تتحول الى منظمة وسطية ، فلم تكن قادرة بالفعل على تناول الحرب من منظور الطبقة العاملة العالمية . فقد دافعت عن حق تقرير المصير للاسرائيليين مع ذلك عارضت التقسيم واتخذت موقف الانهزامية الثورية لكل من اسرائيل والدول العربية .
من المستحيل فى العالم الحقيقى ان تؤيد حق تقرير المصير للاسرائيليين والفلسطينيين معا . وعلينا ان تختار جانبا اما المستوطنون المستعمرون او الفلسطينيون المستعمرون والمضطهدون . ان تؤيد حق تقرير المصير يعنى ان تؤيد الحق فى اقامة دولة . والدولة الصهيونية ان اقيمت حتى على اقسام من فلسطين لن تتحقق الا بسرقة اراضى الفلسطينيين . ليس هذا فقط بل وعنت اى دولة صهيونية ذات اغلبية يهودية طرد اغلب الفلسطينيين من الاقليم الصهيونى . كان هذا واضحا بالفعل فى 1937 مع توصية لجنة بييل التى دعت الى خطة تقسيم والتى دعت فى نفس الوقت لابعاد ربع مليون فلسطينى . وهؤلاء الذين يؤيدون اسرائيل اليوم يعارضون الحق الكامل فى عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم اسرائيل فى 1947 – 48 . طور انصار شاختمان الذين انشقوا عن الاممية الرابعة موقفهم من الدولة الصهيونية الناشئة فى جريدتهم النظرية الاممية الجديدة ( التى استولوا عليها بعد الانشقاق عن الاممية الرابعة فى 1940 ) . لقد ايدوا حق تقرير المصير بالنسبة لاسرائيل وعارضوا الدول العربية فى الحرب . ومن ناحية اخرى عارضت الاممية الرابعة التقسيم واتخذت موقف الانهزامية الثورية للصهاينة والدول العربية .
دعونا نتمعن عن قرب فى مواقف الاممية الرابعة ، والتروتسكيين فى فلسطين – والعصبة الشيوعية الثورية ( ع ش ث ) وانصار شاختمان .
كتب هال درابر فى يوليو 1948 ، وهو من انصار شاختمان فى مطبوعة الاممية الجديدة التى كانت قد باتت وقتها لسان حال الجناح اليمينى الوسطى ، كان من الافضل ان ترفض خطة التقسيم . ويواصل درابر ،على اى حال مادامت لم ترفض ، فلابد من الدفاع عن حق اسرائيل فى الوجود كانعكاس لمبدأ حق تقرير المصير لكل الامم . وفى ضوء هذا الحق من الضرورى الدفاع عن اسرائيل ضد الدول العربية الرجعية التى تريد ان تمنع تطبيق هذا الحق . كان هذا – طبقا لانصار شاختمان – هو ايضا موقف السياسة البلشفية فى فنلندا . ثم استدار على الاممية الرابعة وكتب
" ماذا نقول ، على اى حال ، للاشتراكيين المزيفين الذين لايقدمون حتى على هذه البداية ؟ نحن نفكر فى مجموعة حزب العمال الاشتراكى ( انصار كانون ) ، التى كان لديها اخيرا كلمات قليلة لتقولها حول الوضع الفلسطينى فى عدد 31 مايو من مطبوعة المناضل . فهم يجادلون فى صالح عدم تأييد اى جانب . والنتيجة مثيرة للشفقة وجديرة بأخذها كدرس ماركسى على كيف ينيغى الا نتناول المسألة .
وهذا الدرس بسيط للغاية : لايقرر الماركسيون ان يؤيدوا او يعارضوا الحرب على اساس ماإذا كانوا يحبون او يكرهون سياسات قادة الدولة فحسب . لقد اوضحت الماركسية هذا غالبا بمافيه الكفاية ،: فى تأييد حرب الصين ضد اليابان ، والحكومة الاسبانية الموالية ضد فرانكو ، حرب النجاشى ضد موسولينى . ان السؤال الذى سألناه متبعين منهج لينين كان : اى سياسة تمثل هذه الحرب امتدادا لها ؟ الحرب – هكذا القول الشائع – هى امتداد للسياسة بطرق اخرى عنيفة . وفى حالة كل حرب عينية ، نحاول ان نحلل بشكل ملموس اى سياسات تمثل الحرب امتدادا لها .ان الحكومة الاسبانية الموالية كانت حكومة امبريالية ، وقد استغلت مراكش واضطهدت الفلاحين ( واطلقت عليهم النار حين ثاروا !) ولكن حينما حاول الفاشيست الفرنكويين ان يطيحوا حتى بهذه الحكومة البائسة ، دعونا للدفاع عنها – بطريقتنا ، بوسائل ثورية ودون ان ندعم ادنى دعم سياسي قادة جبهة الشعب البورجوازية لأن تحليلنا للاحداث بشكل ملموس اظهر ان الحرب المناهضة لفرانكو لم تكن امتدادا لطابع الحكومة الموالية الامبريالى وانما امتدادا للهجوم الفاشى على قاعدتها الامبريالية .
لقد كانت هذه هى الالف باء ذات مرة . ولكن وجهة نظر انصار كانون يبدو انها مؤسسة على دليل مبسط عن الطابع الرجعى للقيادة الصهيونية لليهود : " انها تهدد باثارة مذابح جديدة ضد اليهود وان تورطهم فى كوارث جديدة " و" لابد من ان تكون بشكل حتمى اداة للامبريالية " وهى " تصلب موقف الحكام العرب الرجعيين وتمكنهم من حرف الصراع الاجتماعى فى بلدانهم وتحويله الى صراع عمومى بين الشعبين اليهودى والعربى " كل هذا صحيح ، وتحديدا بسبب الدفاع عن حق اليهود فى تقرير المصير لايمكن ان يعنى تأييد القادة الصهاينة او سياساتهم . وقد كان من الحقيقي ان حرب شيانج كاى شيك ضد اليابان قد حاول استغلالها من اجل التمويه وتجنيب الصراع الطبقى وراء خطوطه .
ولكن اليس من حق الشعب اليهودى ان يتمتع ب " حق تقرير المصير وتكوين دولة مثله فى ذلك مثل الشعوب الاخرى ؟ " واجابتهم الكاملة – نعم – ولكن اذا جردنا هذا السؤال من واقعه الاجتماعى المذكور سابقا ، تبقى الحقيقة وهى انهم لايمكن ان ينالوا دولة على حساب الحقوق القومية للشعب الفلسطينى . هذا ليس حق تقرير المصير ، وانما غزو لمنطقة شعب آخر .
اجابة غير شريفة . ( 1 ) هذا يعنى ان لليهود حق تقرير المصير ولكن ليس لهم حق ممارسته . وهذا شئ لامعنى له . قد ننصح ، كما قلنا ، ضد ممارسته فى صالح مسار آخر ، لكنه تزييف خالص ان تمنح الحق وفى نفس الآن تشجبه بوصفه " غزوا لمنطقة شعب آخر " ( 2 ) اذا كان لليهود حق تقرير المصير ، اى منطقة يمكن ان "يقرروا فيها مصيرهم " دون تعد على حقوق الشعب العربى ؟ هل هناك اى منطقة ؟ من الواضح انها لاتوجد وهذا يبدو من الجدال ، ماذا تعنى " نعم " ؟
ستكون الاجابة الشريفة الوحيدة هى انكار ان اليهود لهم اى حق فى تقرير مصيرهم فى فلسطين – وتفسير لم يختلفون هكذا عن الشعوب الاخرى . وحزب العمال الاشتراكى لن يقدم هذه الاجابة وهكذا فهم بحكمة ان لم يكن بنفاق يستنكفون عن تأكيد الامر الاول .
اذا كانت اقامة دولة يهودية " غزوا لمنطقة شعب آخر " وهجوما على " الحقوق القومية " للشعوب العربية ، اذن ، من هم اصحاب الحق فى الدفاع عن انفسهم ضد هذا العدوان غير المبرر . كيف يمكن لنا تجنب هذا الاستنتاج ؟ بالتأكيد ليس بالجدال بأن قادة هذه الشعوب العربية ( المهاجمة ) ليسوا جيدين ! مع ذلك فهذه هى الطريقة بالضبط التى يتجنب بها هؤلاء مسؤولية الوقوف صراحة مع غزو عربى .
انهم ( الحكام العرب ) بحربهم المناهضة لليهود ( ماذا ؟ اليست حربا دفاعية ضد محاولة غير مبررة للغزو ؟ -- هال درابر ) يحاولون ان يحولوا الصراع ضد الامبريالية ، وان يستغلوا مطامح الجماهير العربية من اجل الحرية القومية لتخفيف المعارضة الاجتماعية لحكمهم الطغيانى
بالطبع ، بالطبع – ولكن فى حرب دفاعية ضد الغزو من " ادوات الامبريالية الامريكية " سوف يكون من واجب الاشتراكيين ان يحاربوا الحكام العرب بطلب ليس اخماد الحرب فحسب ، وانما اخماد متسق لامساومة فيه للحرب ... معارضة ااى مساومة عفنة مع الاسرائيليين ، على سبيل المثال ، معارضة لأى وقف للصراع قبل تحقيق اعادة غزو كل منطقة فلسطين ، حرب حتى نهايتها المريرة ... تماما مثلما دافع عن ذلك رفاقنا الصينيون ، بصدد عدم المساومة مع القادة البورجوازيين ، فى الحرب ضد اليابان .
واتباعنا ينفرون من هذه النتيجة لاسباب غير قابلة للتعليل . وهذا على اى حال ، البديل الوحيد المتماسك لسياستنا المتماسكة " ( 15 )
والسؤال الذي يمكن ان نسأله لمن يجادلون على نهج هال درابر فى غاية البساطة : من اين تأخذ المبدأ المطلق الرفيع لحق تقرير المصير لكل الامم ؟ هل يمكن ان تجده عند ماركس ؟ بالقطع لا . لقد سجل ماركس موقفه بمعارضة مطلب حق تقرير المصير لملاك العبيد فى الجنوب خلال الحرب الاهلية الامريكية . ورفض ماركس وانجلز فى عام 1848 ان يؤيد حق تقرير المصير للسلاف الجنوبيين لأنه كان سيخدم مصالح القيصر الروسى وقد كان مع الامبريالية البريطانية يمثلان عماد الرجعية . هل اخذته من لينين ؟ بالقطع لا . كان لينين مع سحق استقلال بولندا فى ظل هيمنة القوميين من الجناح اليمينى الذين التحقوا بالهجوم الامبريالى على الثورة الروسية عام 1920 . لايدافع الماركسيون عن حق تقرير المصير ( للامبرياليين الذين يضطهدون الامم وانما فقط الامم المضطهدة ( 16 )
اذا ما ازلنا الهراء عن المبدأ النبيل ونظرنا لكل مسألة من منظور اى سياسة هى التى تدفع قدما مصالح الطبقة العاملة فلابد ان نستخلص ان الموقف الصائب فى حرب 1948 كان هو الانهزامية الثورية لاسرائيل والدفاع الثورى للدول العربية . " تأييدهم فى المواجهة العسكرية بدون تأييد سياسي لاننا لا نستطيع ان نثق فيهم فى قيادة الصراع ضد الامبريالية وضد الصهاينة " كان هذا سيكون الشعار الصائب " يمكن للطبقة العاملة فقط ان تكون موضع ثقة فى تنفيذ تلك المهمة . وهذا هو الموقف الذى اتخذته ايضا كل من العصبة الاشتراكية الاممية والتيار الشيوعى الثورى الاممى ( 17 )
كان هال درابر محقا بالطبع حين جادل بأن الاجابة الوحيدة على موقفه الممالئ للصهيونية كانت موقفا ثوريا ينكر حق تقرير المصير للجانب الرجعى ، وقد كان انصار كانون غير قادرين فى هذا الوقت على ان يبقوا امناء للمنظور والموقف الثورى . يتبع