رأي حول المبادئ التنظيمية


محمد علي الماوي
2016 / 10 / 1 - 23:06     

رأي حول المبادئ التنظيمية

لقد مثلت قضايا المركزية الديمقراطية والانضباط والنقد والنقد الذاتي اساس التنظيم الشيوعي غير ان تطبيق هذه المبادئ عرف العديد من التجاوزات بل وقع استعمالها في الصراعات الداخلية لتصفية هذا الخصم او ذاك وذلك بالاعتماد على ضرورة الانضباط او احترام المركزية او كذلك التشبث بالديمقراطية الى حد الفوضى الخ ونظرا لطبيعة المجتمع الاشتراكي وبفعل استغلال هذه المبادئ بصفة خاطئة ومشبوهة في الصراع داخل الحزب الشيوعي تمكنت البرجوازية من تحويل الاحزاب الشيوعية الى احزاب تحريفية –برجوازية (الاتحاد السوفياتي-الصين...)
لقد حذرت التجربة الصينية من امكانية اعادة تركيز الراسمالية كما كشفت الاسباب الفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت سببا في تحول الاتحاد السوفياتي -مع قدوم خروتشوف- الى مجتمع تحكمه راسمالية الدولة وبيروقراطية الحزب ولن نتطرق هنا الى الصراعات التي عرفها الحزب البلشفي او الحزب الشيوعي الصيني ضد اعادة بناء الراسمالية بل سنكتفي بابداء الراي حول هذه المبادئ وكيفية تطبيقها راهنا صلب المجموعات الشيوعية في تونس.


قدمت التجارب الشيوعية السابقة العديد من الدروس في مجال كيفية تطبيق المبادئ التنظيمية , لكن لم تنجح المجموعات الشيوعية في تطبيق هذه المبادئ نظرا لسيطرة العمل الحرفي (الحلقي)فوقع التعامل مع هذه القضايا بصفة ذاتية اساسا بمعزل عن محتوى البرنامج والمهام المشتركة المتفق عليها مما ادى الى ارتكاب العديد من الحماقات التي افضت الى الانشقاقات الفوقية و تشتت الحركة الشيوعية عموما.
وقد تجاهل الرفاق مبدأ العمل من اجل الوحدة ونبذ الانشقاق كما تجاهلوا ان هذه الوحدة هي نتاج لصراعات معينة ونتاج لممارسة النقد والنقد الذاتي في علاقة بالاهداف المرسومة وبالواقع الاجتماعي .ان تجاهل مبدأ صراع- وحدة- صراع او وحدة- نقد- وحدة يؤدي بالتاكيد الى التعامل مع المسالة التنظيمية تعاملا ذاتيا في قطيعة مع مصالح الجماهير من جهة ومبادئ التنظيم من جهة أخرى.
إن مصالح الجماهير تتطلب تغليب الوحدة على الانشقاق من خلال توحيد غالبية الشعب حول المطالب الاساسية فالوحدة مع الاغلبية هي المطروحة للانجاز وتتمحور هذه الوحدة حول اهم المطالب واهم التطلعات المستقبلية للجماهير وتندرج في اطار توحيد ما امكن توحيده من فئات شعبية حول المطالب الانية وكذلك حول آفاق التحرر من النظام الاستعماري الجديد.
وتشكو جل التنظيمات الشيوعية من عدم احكام تطبيق مبدأ المركزية الديمقراطية ويرجع ذلك اولا الى ضعف الهياكل او انعدامها كمؤسسات حزبية وضعف الارتباط بالمعنيين بالثورة وثانيا الى التركيبة الطبقية للتنظيم الشيوعي التي قد تقدم المركزية على الديمقراطية او الفردية على حساب العمل الجماعي فتعم الارتجالية والمبادرات الفردية وتصبح المركزية الديمقراطية مجرد هراء .
إن المركزية الديمقراطية تتطلب حدا ادنى من الهياكل(خلايا-مكاتب محلية وجهوية-معارضات نقابية وثقافية...لجنة مركزية او ندوة وطنية-قيادة مركزية) وتفترض درجة متطورة من النضج والاستقامة لطرح المشاكل ونقاشها في الاطر واخذ مواقف ازاءها .غير ان اوضاع التنظيمات في اشباه المستعمرات عادة ما تتسم بسيطرة النزعة الفردية وعدم تشريك الجميع في أخذ القرار وهو ما يطور الزعاماتية ونزعة الولاءات الشخصية والجهوية او العشائرية بحيث يصبح الانتماء الى الخط مسالة ثانوية تتحكم فيها العلاقات العائلية وبذلك يقع دوس الخط وهيبة الاطر والمؤسسات التنظيمية وقد أضرت مثل هذه التصرفات الليبيرالية ايما ضرر بالحركة الشيوعية وساهمت في شق الصفوف وتغذية الصراعات الذاتية والتي لاعلاقة لها بمصالح الجماهير ومطالبها كما انها تتعارض وجوهر ما ورد في البرنامج وكذلك مع المهام المشتركة المتفق عليها والتي لايقع متابعة انجازها لان العناصر بكل بساطة ليست في مستوى الانجاز.
ولم تحسن التنظيمات الشيوعية التطبيق الخلاق للمركزية الديمقراطية ولم تجد السلوك المناسب في حسم التناقض بين المركزية والديمقراطية الذي يمثل وحدة الاضداد ونتج عن هذه النقيصة تغليب المسؤولية الفردية على القيادة الجماعية .وانعكس هذا السلوك على كيفية ممارسة النقد والنقد الذاتي وهو ما يغيب عادة في التنظيمات القليلة العدد والتي تشكو من ضعف الارتباط بالكادحين.فعوض نقد المواقف الخاطئة يقع السكوت عنها بتعلة التسامح او المجاملة وبفعل تغليب العلاقات الذاتية على الارتباط الموضوعي يقع النقد خارج الاطر ويتخذ صيغة القيل والقال دون علم المعني بالامر ويتحول النقد الى خبط عشوائي وعوض انقاذ المريض يقع الاجهاز عليه.
فمتى يقع استعمال سلاح النقد؟
يقع نقد الرفيق مهما كانت مكانته-قيادي او قاعدي-في صورة تنكره للخط العام او تطويره لخط متناقض والبرنامج المتفق عليه او الخطة إن وجدت او المهام المشتركة التي وافق علي انجازها. ويعتمد النقد على حجج مادية دامغة وليس على مجرد تأويلات ذاتية ويسعى النقد الى دعم الوحدة دون تشنج او انفعال وتهجم على الرفيق دون مستندات مادية .ويقدم النقد في الاطار شفاهيا او كتابيا حسب الحالة ويدلي كل عضو برايه ثم تحسم المسألة في كامل الهدوء باتجاه دعم العمل الجماعي والحفاظ على الوحدة النضالية.
يعالج النقد دائما الاخطاء او التصرفات غير التنظيمية عندما تتحول الى سلوك عام فقد يجبر الرفيق مثلا الى الاخلال بالانضباط عند المواعيد لظروف قاسية اما اذا اصبح الغياب في المواعيد او التأخر سلوكا عاما فلابد من اعلام الرفيق بكل لطف ودعوته الى الانضباط واحترام التوقيت الذي اتفق عليه مسبقا.
ان ممارسة النقد في اشباه المستعمرات وخاصة صلب مجموعات صغيرة تفتقد الى هياكل واضحة المعالم ودون قانون اساسي او نظام داخلي,يكون دوما محل صراع وسوء تفاهم يصل في بعض الاحيان الى التشنج ويرجع ذلك الى تأثير تخلف المجتمع على الرفاق واعتبار النقد قدحا في شخصهم او تقزيما لدورهم الخ...
ومهما كانت طبيعة النقد فلابد من تقبله بصدر رحب والاستماع الى الناقد وفهم جوهر نقده فإن كان في محله لابد من تقبله وإن رأت الاغلبية عكس ذلك فيقع تجاوز الاشكال دون توتير العلاقة الرفاقية.
ودون تعداد كل المشاكل المتعلقة بكيفية ممارسة المركزية الديمقراطية والنقد والنقد الذاتي نقول ان التركة الاقطاعية وواقع البرجوازي الصغير من جهة ثم عدم الانصهار بما فيه الكفاية صلب الكادحين وضعف الهياكل التنظيمية كل ذلك يساهم في عرقلة تطبيق المبادئ التنظيمية ويعيق تقدم العمل وينعكس ذلك على واقع القوى الشيوعية التي لم تبلع المستوى الحزبي المطلوب بما ان المجموعات الشيوعية الماوية مازالت تعاني من التشرذم-بالرغم من ان الجميع يدعو الى الوحدة ويعمل البعض على عكس ذلك في الممارسة- ولم تنجح الى حد الان في قيادة الجماهير وفي تصدر النضالات الشعبية ضد الامبريالية وعملائها بحيث ظل الشعب ضحية الدعاية الرجعية والاوهام الاصلاحية.
محمد علي الماوي
1 اكتوبر 2016