حرب اسرائيل عام 1948 وانحلال الاممية الرابعة -4- يوسي شوارتز ( التيار الشيوعى الأممى )


سعيد العليمى
2016 / 10 / 1 - 03:10     

تأييد الستالينية لحرب اسرائيل الرجعية عام 1948
عرض الستالينيون الحرب الصهيونية زمن حرب 1948 بوصفها حربا مناهضة للامبريالية ومن ثم اعتبرت نشأة اسرائيل حدثا تقدميا . وفى الواقع فقد مثلت نصرا للامبريالية وحدثا مناهضا للثورة .
وقد كان الحزب الشيوعى الفلسطينى ( ح ش ف ) يتجه للتكامل مع المجتمع اليهودى ( ييشوف ) عام 1943 . حيث عارض التقسيم ودعا لدولة ديموقراطية مستقلة ، وتبنى بشكل متزايد رؤية ثنائية القومية ، مؤسسة على " مبدأ المساواة فى الحقوق بين اليهود والعرب من اجل تطور قومى واقتصادى وثقافى ، بدون عراقيل صناعية وتعاون متبادل استنادا لاخوة الامة " ( 11 ) . وقد سبب هذا التوجه نحو دعم الصهيونية سياسيا انشقاقا فى الحزب الشيوعى الفلسطينى والجناح اليسارى الذى ضم وطنيين فلسطينيين اكثر عرفوا بعصبة التحرر القومى وقد ظهروا فى مواجهة توجه ح ش ف .
وبالرغم من اختلافهما فإن كلا من القسمين قد وافقا على المبدأ الجوهرى لمقاربة ثنائية القومية : الحاجة لمعاملة اعضاء الجماعتين القوميتين بشكل متساو ، سواء كمواطنين فى دولة مشتركة او كأعضاء فى جماعيات قومية تتمتع بنفس الحقوق داخل دولة فيدرالية ، او كمجموعات تتمتع بحق قومى فى تقرير المصير .
اعترف الستالينيون السوفييت بحق تقرير المصير للصهاينة للمرة الاولى فى 1947 فى حديث القاه سفير اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية فى الامم المتحدة اندريه جروميكو .
" من الجوهرى ان نتذكر الحقيقة التى لاجدال فيها وهى ان سكان فلسطين ينطوون على شعبين ، العرب واليهود . وكليهما له جذور تاريخية فى فلسطين . لقد اصبحت فلسطين وطنا لكلا الشعبين ، حيث يلعب كل منهما دورا هاما فى الاقتصاد والحياة الثقافية للبلاد ( ... ) وهكذا ، فإن حل المشكلة الفلسطينية بتأسيس دولة عربية – يهودية واحدة ذات حقوق متساوية لليهود والعرب قد تعتبر احد الامكانات واحدى الطرق الاجدر بالاعتبار لحل هذه المشكلة المعقدة . ان حلا كهذا لمشكلة مستقبل فلسطين قد تكون اساسا معقولا للتعايش السلمى والتعاون بين سكان فلسطين من اليهود والعرب ، وفى صالح كلا الشعبين ولفائدة كامل سكان فلسطين وللسلام والامن فى الشرق الاوسط . ( ... )" واذا ثبت انه من المستحيل تطبيق هذه الخطة بالنظر الى تدهور العلاقات بين اليهود والعرب فسوف يكون من المهم معرفة رأى اللجنة الخاصة فى هذه المسألة – وسوف يكون من الضرورى حينئذ ان ننظر فى الخطة الثانية وهى مثل الاولى ، لها مؤيدوها فى فلسطين ، والتى تطرح تقسيم فلسطين الى دولتين مستقلتين ذاتيا ، واحدة يهودية والاخرى عربية " ( 12 )
من المثير للاهتمام ان نقرأ تقدير التأييد الستالينى لانشاء اسرائيل من قبل نورمان برديشفسكى ، وهو مؤيد متعصب لاسرائيل " لقد اصدرت اشد الشخصيات شهرة وجاذبية فى الجمهورية الاسبانية فى المنفى ، مندوبة اقليم الباسك الى الكورتيس ( البرلمان الاسبانى ) دولوريس ايبارورى ، التى ذهبت للاتحاد السوفييتى ، اصدرت اعلانا فى 1948 حيت فيه دولة اسرائيل الجديدة وقارنت الجيوش العربية الغازية بالانتفاضة الفاشية التى دمرت الجمهورية . وقبلها بشهور قليلة غنى بطل اليسار الامريكى المغنى الشعبى الامريكى الافريقى العظيم بول روبسون فى مهرجان موسيقى فى موسكو حيث صعق الجمهور بعزفه لاغنية بلغة اليديش للمحاربين الانصار .
ان قادة اليشوف ( الجماعة اليهودية فى فلسطين ) انتووا بالفعل فى صيف 1947 ، ان يشتروا اسلحة وارسلوا الدكتور موشى سنيه ( رئيس الفرع الاوروبى للوكالة اليهودية ، وهو عضو قيادى فى الوسط من الحزب الصهيونى العام الذى اوغل فى اتجاه اليسار واصبح قائد الحزب الشيوعى الاسرائيلى ) الى براغ حتى يحسن الدفاعات اليهودية . وقد كان مندهشا من سيل التعاطف نحو الصهيونية وبالاهتمام بتصدير الاسلحة من جانب الحكومة التشيكية .التقى سنيه مع نائب وزير الخارجية فلاديمير كليمنتيس الذى خلف جان ماساريك غير الشيوعى والموالى للصهاينة بشكل قطعى . ناقش كل من سنيه وكليمنتيس امكان توريد اسلحة تشيكية للدولة اليهودية وابدى التشيكيون موافقتهم .
فى يناير 1948 ، ارسل بن جوريون ممثلون يهود ليلتقوا بالجنرال لودفيك سفابودا ، وزير الدفاع الوطنى ووقعوا اول عقد للمعونة العسكرية التشيكية . استعملت اربع طرق للنقل الى فلسطين وكلها عبر البلدان الشيوعية ( ا – الطريق الشمالى : عبر بولندا وبحر البلطيق ، ب – الطريق الجنوبى : عبر المجر ويوغوسلافيا ورومانيا والبحر الادرياتيكى ج – عبر المجر ، رومانيا والبحر الاسود د- جوا عبر يوغوسلافيا الى فلسطين . )
فى البداية استؤجرت طائرة من طراز " سيدة السماء" من الولايات المتحدة لتساعد فى نقل الاسلحة الى فلسطين من اوروبا واضطرتها المباحث الفيدرالية الامريكية الى العودة الى الولايات المتحدة الامريكية . وحوالى نهاية مايو كان جيش الدفاع الاسرائيلى قد استوعب حوالى 20000 بندقية تشيكية ، 2800 مدفع رشاش وحوالى 27 مليون طلقة . وبعدها بأسبوعين وصلت 10000 بندقية اضافية ، 1800 مدفع رشاش وعشرون مليون طلقة . احدالمشروعات التشيكية الاسرائيلية التى ارعبت المخابرات الغربية كان مايسمى باللواء التشيكى ، وهى وحدة مؤلفة من المحاربين اليهود من حركة " حرروا تشيكوسلوفاكيا " التى حاربت مع الجيش البريطانى فى ح ع ث . بدأ اللواء تدريبه فى اغسطس 1948 فى اربع قواعد فى تشيكوسلوفاكيا . واشتملت المساعدة التشيكية لقوة اسرائيل العسكرية على ا – اسلحة صغيرة ب - 48 طائرة – الطائرات العتيقة اس 199 س ، قاذفات وطائرات من طراز ميسرشميدت التى لعبت دورا كبيرا فى اضعاف معنويات العدو ج – التدريب العسكرى والصيانة الفنية . فى 7 يناير ، 1949 اسقطت القوة الجوية الاسرائيلية التى تشتمل على عدة قاذفات وطائرات ميسرشميدت مقاتلات ب ف – 109 ( التى نقلت سرا من القواعد التشيكية الى اسرائيل ) اسقطت خمس طائرات بريطانية بطياريها كانت تطير لحساب القوة الجوية المصرية فوق صحراء سيناء مما سبب احراجا دبلوماسيا كبيرا للحكومة البريطانية .
حتى بالاسلحة التشيكية والمساعدة السوفيتية ، لم تكن اسرائيل قادرة بلاشك على ايقاف الغزو العربى بدون تفق ضخم للقوى البشرية . لم تقدم الولايات المتحدة وكندا واوروبا اكثر من 3000 متطوع ، وكثير منهم محاربون قدامى تمرسوا فى المعارك من مسارح الحرب الاوروبية والباسيفيكى اضافة الى بضع عشرات من الشباب المثالى المنتمى الى الحركات الصهيونية ولم تكن له خبرة قتالية ولم يتلقى تدريبا .
ولكن كان عددهم قطرة فى بحر مقارنة باكثر من 200000 مهاجر يهودى من البلدان التى يهيمن عليها السوفييت فى شرق اوروبا ، خاصة ، بولندا وبلغاريا ( 95 % تقريبا من اجمالى الجماعة اليهودية ) رومانيا ، يوغوسلافيا ، تشيكوسلوفاكيا ، دول البلطيق السابقة وحتى الاتحاد السوفييتى الذين هاجروا الى اسرائيل ووصلوا فى الوقت الملائم ليصلوا لخطوط الجبهة او ليسدوا النقص فى مراتب القوى البشرية التى استنزفت . وبدون كلا من الاسلحة والبشر المبعوثة من " المعسكر الاشتراكى " لمساعدة دولة اسرائيل الوليدة لكان قد تم سحقها .
فى عام 1947 ، حين كان ستالين مقتنعا بأن الصهيونية سوف تطرد البريطانيين من فلسطين تغير موقف الحزب كليا .عقب الاعتراف السوفييتى ومساعدة اسرائيل فى 1948 – 49 تسابقت كل من جريدة الديلى ووركر والجريدة الشيوعية اليومية الصادرة بلغة اليديش فى الولايات المتحدة ياسم فريهايت ( الحرية ) .... مع الاخرى لتفسر خط الحزب الجديد مبينة
" لقد اصبحت اسرائيل مستعمرة مهمة ل 600000 نفس ، بعد ان طورت اقتصادا قوميا ، وثقافة قومية نامية والعناصر الاولى لمقومات دولة فلسطينية يهودية وحكما ذاتيا
" ان قرار الحزب الشيوعى الامريكى المعنون " العمل وسط الجماهير اليهودية "ادان موقف الحزب السابق واعلن ان " الماركسيون اليهود لم يطرحوا دائما موقفا ايجابيا بشأن حقوق ومصالح الشعب اليهودى ولا بشأن الاحتياجات الخاصة ومشاكل الجماعة اليهودية فى فلسطين
لقد كان الواقع الجديد الذى خلق فى فلسطين هوظهور "امة يهودية " تستحق حق تقرير المصير . ومما يلفت النظر ان جهاز الدعاية السوفييتى امتدح حتى منظمات اقصى اليمين السرية مثل الارجون و" عصابة شترن " لحملتهم العنيفة ضد السلطات البريطانية " ( 13 )
وعلى ذلك فقد كان الاتحاد السوفييتى هو اول بلد يعترف قانونا بدولة اسرائيل .
لقد حددت السياسة الستالينية المعادية للثورة التى انطوت على تقديم دعم سياسي وعسكرى للصهيونية نتيجة الحرب النهائية .وقد ساعدت اسرائيل على ان تطرد معظم الشعب الفلسطينى من بلده بينما سلب الصهاينة ممتلكاته . والستالينية – برغم بلاغة لغتها " الشيوعية " اثبتت انها قوة مناهضة للثورة وعدو للطبقة العاملة العالمية والطبقات المقهورة . لقد افقدت الشيوعية مصداقيتها لعقود طويلة فى كل الشرق الاوسط . وبنفس المنطق الرجعى تؤيد اغلب القوى الستالينية ديكتاتورية القذافى فى ليبيا عام 2011 ومازالت تؤيد نظام الاسد فى سوريا الذى يشن حربا مضادة للثورة ضد الجماهير المنتفضة .ان حزبا للطبقة العاملة ثوريا حقيقيا وجزء من الاممية الخامسة سوف يتعين عليه ان يحارب بلا هوادة ضد السياسة الستالينية . يتبع