كلمة في هشام الطائي


فالح الحمراني
2016 / 9 / 30 - 16:09     

كلمة في هشام الطائي
فالح الحمراني*

(نعت اللجنة المحلية لمحافظة ميسان/العراق الخميس الموافق 29 ايلول/سبتمبرالرفيق المناظل هشام الطائي (ابو الحارث)، " ذلك الاستاذ والمربي الفاضل والنجم الساطع في سماء الثقافة الميسانية")

دائما تشعر بالصدمة والحزن العميق، حينما يرحل وانت في المنفى الاختياري، رفيق درب طويل، دون ان تلقي عليه نظره اخيرة وتنبس له بانه عاش لهدف جعل لحياته معنى ولم تمض عبثا، لانه كرسها لقضية وطن وشعب وتاريخ. وهكذا غادرنا على عجل في ميسان الخميس المناظل الشيوعي: هشام الطائي.
هكذا يرحل النبلاء في زمن الفوضى واختلاط الاوراق من دون ضجة. وما يُعَزي القلب ان صدى رحيل الرفيق هشام الطائي في ميسانه العزيزه، تردد في قلوب رفاق دربه واصدقاءه وتلامذته الذين من الصعوبه احصائهم، وستبقى ذكراه، المشحونه بنضاله المستديم، تحوم في ازقة المدينة وشواطئ دجله في تلك الارياف البعيده التي ناضل من اجل ان يعمها النور والخير وان يكافئ فيها الانسان ما يعادل كدحه وعمله.
عرفته مناضلا ، ملتهب المشاعر. تلك المشاعر الفياضة التي لا تتبلور بهذا المصداقية الا لمن يؤسسها على قناعات وعقائد ويتوصل لها من خلال خبرة حياة طويلة. وكان هشام الطائي مؤمنا بالحزب وفكره ومنضويا في صفوفه ، واذا ابعدته الظروف فيبقى التصاقه به روحيا. ترى ان الحيويه تتدفق في كيانه حينما تتحدث عن قضايا الوطن والحزب، وتتذكر معه اؤلئك الرفاق الذين رحلوا او انتقلوا الى مناطق الاخرى، بفعل الملاحقات، بفعل الخراب الذي عم وطننا.
لم تكن لديه قضية اخرى اثمن من قضية العراق، او بالاحرى قضية الكادحين في العراق قضية شعب العراق الذي كان يؤمن بصورة مطلقه بمستقبلهم، بان تتوفر لهم الحياة الكريمة والعادلة بان يكونوا هم الاهم من اية قضية اخرى. ولم ير طريقا اخر سوى الطريق نحو الاشتراكية وفق التعاليم الماركسة لتحقيق ذلك الهدف النبيل. كان متسربلا بالفكر الوطني والاممي مستوعبا لتاريخ البشرية، متطلعا دوما الى الامام الى المستقبل، ناكرا الظلامية والغيبية لانها بإيمانه العميق لن تؤدي الى الخراب. وكانت نبؤته صادقة.
ماذا سُيقال بحق ابي الحارث. وهل ستنصب له ادارة محافظة مدينة العماره، المدينة التي التصق بارضها ودرس تلامذتها وخاض النظال القاسي من اجل اهلها، تمثالا او ستطلق اسمه على شارع. وهو يستحق هذا وذاك، فهو المناظل العنيد الذي واجه بصمود وشجاعة ماكنة البعث وبعناد. حتما سيذكره الشرفاء والنبلاء والرفاق المنحدرين من كل الشرائح من الفلاحين والعمال والمعلمين والطلبة. سيذكره اؤلئك البسطاء الذين كان يتعامل معهم بود وتواضع لانهم من ابناء هذا الشعب الذي كرس حياته لقضيته.
في زحمة الاحداث والبحث عن خيارات الانتماءات حينما حاول البعث حينما جاء بانقلاب مشبوه ليستولي على السلطة في تموز 1986 نشط هشام الطائي في صفوف الحزب وادى المهام التي انيطت به، ومن ثم اصبح دليل الشبية في محافظة ميسان نحو الفكر النير والتقدمي، مسؤولا عن منظمتها، ومنذ ذلك الزمن الخطر الذي باسترشادته وخبرته لكسب الجيل الجديد وتربيته ليدخل في اتون المعركة مع الحزب الشيوعي العراقي، الذي حمل الافكار النبيلة والانية باقامة عراق مستقل، ودولة مدنية ومواطن انتماءه الاول والاخير للعراق لا للطائفة ولا للعيشرة او القومية، ومجتمع عصري.
وبفضل اسلوب الراحل المرن والمنفتح والديمقراطي اتسعت صفوف "اتحاد الشبيبة الديمقراطية" حال استئناف نشاطه بسرعه مذهله لتمتد الى الاقضية والنواحي والارياف النائية، وكم كان فرحا ومسرورا ونحن ننظم اول لقاء حاشد في ضواحي المدينة، حيث توافد الشباب من كافة انحاء المحافظة. وبارشادته ايضا تشكل تجمع للمثقفين التقدميين وانتشرت حلقات محبي مطالعة الادب والفكر في مكتبات المدينة وتنظيم المسابقات واعداد النشرات الجدارية، لقد اثارت تلك الانشطة اجهزة امن النظام البعثي ومنظمته التي توقعت عبثا ان شعبية الحزب الشيوعي قد انحسرت، وهذا ما زاد من شراستها في التعامل مع الرفاق بما في ذلك هشام الطائي.
ومن دون تردد اختار الحزب ابي الحارث بعيد قيام ما سمي ب " الجبهة الوطنية"! ليكون ممثلا له في الحوار مع منظمة حزب البعث بميسان. وكنت في هذه المرحلة على علاقة وثيقه بالراحل. لقد جاهد بكل شجاعة وبسالة بان يكون للحزب موقفه الخاص والمستقل في تقيمه للاوضاع في المدينة والتطورات في الشارع. كان كل مرة يرجع من لقاءاته مهموما وغاضبا، لانه اكتشف اللعبة القذرة التي مارسها البعث، اكتشف الخديعة من خلال محاولتهم التعامل مع ممثل الحزب باستعلاء، ومحاولة جره الى مواقفهم، لكنه كان يرفض ذلك دائما. وذات مساء مازال طازجا في مخيلتي جاءني الراحل ابو الحارث واخبرني بقراره الذي اتخذه بعد معاناة بانه طلب من الحزب اعفاءه من مهمة التمثيل. قال لي بصراحة الرجل الشريف : انها ثقيلة، وانه سيخون الحزب اذا واصل اداءها. انه اكتشف خيانة البعث للجبهة الوطنية، وهذا التوجه لم يكن في اطار سياسة الحزب. ورأيت من خلال اصراره بان قراره نابع من وجدانه، لكنه مازال على قناعة برسالة الحزب ومهمته التاريخية.
سنفتدك يا ابو الحارث، فالدنيا تَبخل في خلق الكثير من امثالك، وعزائنا ان اخرين تبنوا احلاملك وتطلعاتك وافكارك النيرة.
اعلامي من العراق يقيم في موسكو