محاضرات في الإقتصاد السياسي للرأسمالية-المحاضرة الثانية: السلعة. ج3


حاتم بشر
2016 / 9 / 24 - 15:05     

((إني أتوجه بالطبع إلى قراء يريدون أن يتعلموا شيئا جديدا، ويريدون، بالتالي، أن يفكروا بأنفسهم))-ماركس-

ثانيا: القيمة التبادلية وقيمة السلعة.

انتهينا في الجزء الخاص بالقيمة الإستهلاكية للسلعة إلى أن القيمة الإستهلاكية لا يُنظر إليها كسلعة إلا عندما يجري تبادلها عن طريق عملية البيع والشراء.
لنتفحص، إذن، عملية البيع والشراء .
في أثناء هذه العملية، تظهر، في السوق، قدرة السلعة على (التبادل) بسلع أخرى، بتناسب معين. وذلك ما يمثل قيمتها التبادلية.
و"أبسط" مظهر أو صورة للقيمة التبادلية للسلع هو، بداهة، مبادلة كمية معينة من قيمة استهلاكية من نوع ماA، بكمية متناسبة من قيمة استهلاكية من نوع آخرB. وبتعبير ماركس((تظهر القيمة التبادلية، ابتداء، بوصفها العلاقة الكمية أو النسبة التي تجري طبقا لها مبادلة قيم استهلاكية مختلفة النوع، إحداها لقاء الأخرى)).
مثال توضيحي:
إذا بادلنا كيلوجراما من الشاي بخمسة كيلوجرامات من السكر، فإن القيمة التبادلية لكيلوجرام من الشاي تساوي خمسة كج من السكر.
ولا يصح فصل القيمة التبادلية عن الشيء ذاته، عن قيمته الإستهلاكية. فإن القيمتان الإستهلاكية والتبادلية هما وجهان للسلعة: الأولى تعبر عن الجانب المادي للسلعة، والثانية تعبر عن الجانب الإجتماعي لها. وسيتضح هذا الآن..
إذا كانت السلع قابلة للتبادل والمساواة فيما بينها، فلا بد أن هناك-كما يشير ماركس- خواصا عامة مشتركة بين كل السلع المختلفة. ولنشرح هذه النقطة بشيء من التفصيل:
إن ماركس يعني أنه عندما نبادل سلعة(أ) بسلعة(ب)، فإن هذه المبادلة تعني المساواة بين سلعتين مختلفتين، تعني أن أ=ب. يعني أنه بين(أ) و(ب) السلعتين المختلفتين شيء ما مشترك، هو أساس عملية التبادل.
فإذا كان أ=ج
وإذا كان ب=ج
فإن أ=ب
والآن ما هو هذا الأساس المشترك بين كل السلع المشتركة؟ ما هو هذا العنصر(ج) الذي تُردّ إليه كل السلع ويسمح بإتخاذ مقاييس موحدة بالنسبة لهذه السلع المختلفة؟

هل هو الخواص الفيزيائية او الكيميائية او غيرها من الخواص الطبيعية التي تحدد المنفعة أو القيمة الاستهلاكية للسلع؟
كلا، لا يمكن ان تكون هذه الخواص اساسا للمقارنة والمبادلة بين السلع. فالسلع تختلف نوعيا في قيمتها الإستهلاكية(في خواصها النافعة) وتستعصي على المقارنة كميا.
الآن يجيء دور التجريد الذي أشرنا إليه آنفا..
الآن، احذف، في ذهنك، القيمة الإستهلاكية للسلعة، أي سلعة، احذف مختلف خواصها الملموسة النافعة، ستجد أنه لن يتبقى منها إلا خاصية واحدة وحيدة تشترك وتنتشر في جميع السلع. ستجد أن جميع السلع هي: نتاج للــعــمــل.
أي عمل؟! فالأعمال كثيرة ومتباينة!! عمل الحائك؟! عمل النجار؟! عمل الصائغ؟! أي عمل؟!

لا، لا هذا العمل ولا ذاك!
فعندما حذفنا من السلعة قيمتها الإستهلاكية، عندما حذفنا منها خواصها المعينة الملموسة النافعة، فإننا حذفنا أيضا الأنواع المختلفة للعمل الحسي الذي خلق هذه الخواص. إذن فالمقصود بالعمل ليس هذا النوع أو ذاك من العمل، بل العمل بصورة عامة، العمل بوصفه الجهد الذي تبذله قوة العمل على وجه العموم.
لقد سألنا اعلاه عن (ج)، عن ذلك العنصر الذي ترد إليه كل السلع، والذي يجعل من عملية تبادل السلع الإستهلاكية المختلفة ممكنة، ورأينا أن السلع ..((قد ردت جميعها إلى العمل البشري نفسه، إلى انفاق قوة عمل بشرية، بصرف النظر عن الشكل الخاص الذي أنفقت فيه هذه القوة-ماركس)). وكنتاج لهذا العمل العام البسيط، فالسلع هي قيم. والقيمة التبادلية ليست أكثر من "شكل" تتجسد فيه قيمة السلعة.

هكذا نجد أن للسلعة خصيصتين:
1-القيمة الإستهلاكية التي تشبع الإحتياجات الإنسانية.
2-والقيمة أي العمل المجرد المتبلور في السلعة.
والآن، بينما تعبر القيمة الإستهلاكية عن (الإختلاف) بين السلع، تعبر القيمة عن (وحدتها). وبينما تعبر القيمة الإستهلاكية عن علاقة الإنسان-بالشيء(التي تظهر في أثناء استهلاك الإنسان للشيء النافع). تعبر القيمة عن العلاقات المتبادلة بين منتجي السلع(التي تظهر أثناء التبادل).
إن القيمة الإستهلاكية، والقيمة تشكلان معا وحدة السلعة: فالسلعة المعينة يمكن مبادلتها بسلع أخرى في عملية الشراء والبيع(اي انها تعتبر قيمة تبادلية) وذلك بفضل القيمة الإستهلاكية المعينة التي تتمتع بها هذه السلعة. وفي الوقت نفسه يمكن للسلعة المنتجة ان تصبح قيمة استهلاكية(يستهلكها الآخرون فعلا) فقط حين تمر بمرحلة التبادل حيث تكشف السلعة عن قيمتها.