تطور الصراعات الطبقية بالمغرب وفشل الحركة السياسية اليسارية - الجزء الثاني


الماركسيون اللينينيون الوحدويون المغاربة
2016 / 9 / 24 - 02:01     

شكلت الفترة ما بين 1971 و 1975 فترة موت التجربة الثورية المرتكزة على البعد الأيديولوجي الوطني القومي للبرنامج السياسي والعسكري لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، فالإنتفاضة الشعبية في 23 مارس 1965 بالدار البيضاء غيرت أسس الحركة الثورية بالمغرب، مما ساهم في تجاوز الإستراتيجية البلانكية التي تبناها هذا الحزب منذ تأسيسه في 1959، من خلال تجاوز الفهم القومي لقضية التحرر الوطني الذي ورثه من الحركة الوطنية الثورية بعد بروز الفهم الإستراتيجي للثورة عالميا، الذي بلورته التجارب الثورية العالمية بالصين والفيتنام وكوبا .. في الوقت الذي غرق فيه الحزب في مستنقع أحزاب القومية العربية، الذي تجاوزته الجماهير الشعبية في انتفاضة الدار البيضاء وعلى رأسها الشبيبة التلاميدية، بينما هو غارق في مطالبه الإصلاحية الضيقة الأفق التي وضعت لها دولة الكمبرادور الحد بحل المؤسسات ونشر حالة الإستثناء وسريان القمع، مما أعطى مؤشرات بروز جيل جديد من الحركة الثورية نواة الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية.

وشكل فشل انتفاضة "الضباط الأحرار" داخل المؤسسة العسكرية في 1971 و1972 ضد تسلط دولة الكمبرادور البوليسية، الإنقلابات العسكرية التي ارتبط بها هذا الحزب على غرار الإنقلابات العسكرية للأحزاب القومية العربية، آخر مسمار في نعش هذا الحزب، مما ضرب في العمق إمكانية امتداد الحركة الثورية داخل المؤسسة العسكرية وحال دون ارتباط "الضباط الأحرار" بالجماهير الشعبية، بعد هيمنة العقلية العسكرية ذات البعد الديكتاتوري على هذه الإنتفاضة التي برزت في مشاركة الجنرالات الملطخة أيديهم بدماء انتفاضة 23 مارس، ولم يبق أمام هذا الحزب إلا لعب آخر ورقة بلانكية منفردة في 03 مارس 1973 مرتبطة بالفهم القومي للثورة في تجارب أحزاب القومية العربية الديكتاتورية، مما ركز الفشل في برامج هذا الحزب بعد إعادة نفس التجارب الفاشلة خلال عقد ونصف من الزمان دون قدرته على فهم أسباب الفشل، مما أفرغ تصوراته السياسية من أي منظور ثوري نظرا لفقدانه للإستراتيجية الثورية وتخلفه أيديولوجيا وسياسيا وعسكريا عن مواكبة التجارب الثورية الماركسية اللينينية العالمية في مواجهة الإمبريالية.

وعاشت الطبقة العاملة بعيدا عن المغامرات السياسية لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي ينظر إليها على أنها القوة الخلفية لمشروعه الثوري البلانكي، بينما البيروقراطية النقابية بالإتحاد المغري للشغل تسير بالطبقة العاملة في اتجاه تحويل الحركة العمالية عن المسار الثوري الذي ورثته عن الحركة الوطنية الثورية، وترى فيها القوة الخلفية لتطلعاتها البيروقراطية الإنتهازية للوصول إلى مواقع القرار السياسي، في الوقت الذي حسمت فيه دولة الكمبرادور وجود أي حركة ثورية يمكن أن ترتبط بها الطبقة العاملة بعد تحويل نقابتها إلى أداة لقهرها، وعملت على بلورة مفهوم برجزة العمال الذي تحدث عنه إنجلس في الحركة العمالية بإنجلترا في نهاية القرن 19، عبر احتواء البيروقراطية النقابية وإلحاقها بباقي البيروقراطيات العسكرية والإدارية لتتشكل طبقة برجوازية بيروقراطية، ليكتمل تحكم دولة الكمبرادور في الحركة العمالية بتحويلها إلى حركة مطلبية "خبزية" بعيدة عن الفهم الثوري للحركة حتى في بعده القومي، مما مكن البرجوازية الكمبرادورية من التحكم في الإقتصاد الوطني بعد ضمان حياد الطبقة العاملة وتيسير سبل استغلالها في الإنتاج وتسخير نقابها خدمة لمصالح الباطرونا.

ولم يستيقظ حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية من غفوته البلانكية إلا ووجد الطبقة العاملة بعيدة كل البعد عن مساره الثوري الفاشل، ولم يبق أمامه إلا محاولته الأخيرة للسيطرة على نقابة الإتحاد المغربي للشغل التي اعتبرها أداة شبه جماهيرية بينما هي قد تم إلحاقها بالمشروع الطبقي لدولة الكمبرادور، ولم يفهم بعد أن الطبقة العاملة لا يمكن إلحاقها بأي مشروع سياسي ثوري دون أن تكون هي سيدة هذا المشروع الذي لن يكون إلا ثوريا بالفهم الماركسي للثورة، بينما هذا الحزب قد استنفذ جميع مشاريعه الثورية الفاشلة يستحيل معها تنظيم الطبقة العاملة في الوقت الذي تشكلت فيه بيروقراطية نقابية تهيمن على تنظيمها النقابي المستقل، وما كان على هذا الحزب إلا أن يختار الطريق السياسي الإصلاحي على طول خط الخدمة تحت المشروع الطبقي لدولة الكمبرادور، ذلك ما نهجه الخط البرجوازي الصغر داخله الذي شكل حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية في طريق تقسيم الطبقة العاملة بعد تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في محاولة فاشلة لجر الطبقة العاملة وراءه بينما يغيب عن مشروعه الأيديولوجي والسياسي أي مؤشر يوحي بتبنيه للفكر الإشتراكي ـ الديمقراطي، ولم يستطع هو الأخر الخروج من مستنقع الأحزاب القومية العربية التي تسمي نفسها اشتراكية بينما هي تقود حربا قذر ضد الشيوعيين، في ظل دول تسير بها بمنظور اشتراكي ـ شوفيني لعدم قدرتها على بلورة الإستراتيجية الثورية الجديدة التي وصلت إلى التجارب الثورية العالمية.

وموازاة مع هذه التحولات التي عرفتها الحركة السياسية الثورية بالمغرب في النصف الأول من السبعينات من القرن 20، تمت بلورة منظور جديد للثورة المغربية عبر بروز الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية على شكل منظمات ثورية سرية كتعبير عن فشل المشروع القومي الثوري لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية والمشروع الثوري للحزب الشيوعي المغربي، هذان المشروعان الفاشلان المساهمان في إفشال تطور الحركة الثورية المغربية واللذان يلازمان الحركة العمالية المغربية ويكبلان تطورها، ويشكلان عائقا أساسيا أمام تطور الحركة الماركسية ـ اللينينية في اتجاه بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي، ما يزالان يلعبان نفس الأدوار عبر امتداداتهما التعبيرية السياسية الإصلاحية والتحريفية داخل مؤسسات دولة الكمبرادور أو خارجها، بينما تعيش الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية أزمة الهوية الأيديولوجية والسياسية بين النظرية والممارسة كامتداد لفشل المنظمات الماركسية ـ اللينينية السبعينية المغربية التي استحالت إلى تنظيمات برجوازية صغيرة تركز عرقلة تطور الحركة الثورية المغربية.

إن من بين مهام الماركسيين اللينينيين الوحدويين المغاربة مباشرة النظر في مسألة فشل المشروع الثوري المغربي المرتبط بالحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، عبر دراسة تطور شروط الحياة المادية الجديدة للمجتمع المغربي في ظل التحولات السياسية والإقتصادية العالمية وتداعياتها على تطور الإستراتيجيات الثورية العالمية، ضمن مشروع ثوري شامل مناهض للهيمنة الإمبرالية العالمية ودعمها لدول الكمبرادور بالبلدان المضطهدة خاصة بإفريقيا، موازاة مع بلورة استراتيجيات جديدة لبناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي في علاقته بالتحالفات الإستراتيجية الإقليمية والعالمية في الحركة الماركسية ـ اللينينية الإقليمية والعالمية، خاصة وأن المغرب يعتبر قاطرة الحركة الثورية بإفريقيا القارة التي تعتبرها الإمبريالية العالمية مجالا خصبا للإستغلال الرأسمالي في الأفق المتوسط والبعيد.