تطور الصراعات الطبقية بالمغرب وفشل الحركة السياسية اليسارية - الجزء الأول


الماركسيون اللينينيون الوحدويون المغاربة
2016 / 9 / 22 - 00:38     

خلال الفترة ما بين 1956 و1960 تم تفكيك التحالف الطبقي للعمال والفلاحين عبر تصفية جيش التحرير والمقاومة المسلحة بالمدن والبوادي وبالتالي عزل البوادي عن المدن، ضد مفهوم "محاصرة المدن بالبوادي" في استراتيجية الحرب الشعبية طويلة الأمد، في نفس الوقت الذي برز فيه حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية كتعبير سياسي يساري أفرزته التناقضات الثانوية لحزب الإستقلال، وانتزع من حزب الإستقلال الهيمنة الحزبية على العمال بالإتحاد المغربي للشغل بالإرتباط المباشر بالحركة العمالية عبر قياداته بالمدن، في نفس الوقت الذي حافظ فيه على امتداداته بحركة الفلاحين عبر قياداته بالمقاومة وجيش التحرير.

وكان لارتباط الحزب ببعض مجموعات الحركة الوطنية الثورية الرافضة للإنخراط في جيش وشرطة دولة الكمبرادور، وإفشال تجربته في حكومة عبد الله إبراهيم التي ساندها العمال والفلاحون، دور كبير في إبرازه كتعبير سياسي يساري جماهيري راديكالي، وبرفضه للدستور الأول الممنوح في 1962، ورفضه لنتائج انتخابات 1963 التي اعتبرها مزورة، تموقع في خانة المعارضة مما عرض مناضليه للقمع والإعتقالات والمحاكمات بالمدن والبوادي.

وكان الجناح العسكري لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية من خلال ما تبقى من مجموعات الحركة الوطنية الثورية الرافضة لوضع السلاح يتبنى عمليات عسكرية ضد أعوان السلطة، في شكل من مفهوم "الإرهاب" في "الإستراتيجية الإرهابية ـ التوضيحية" التي تنعدم فيها العلاقات بالجماهير، لكن هذه العمليات تبقى بمعزل عن قرارات قيادة الحزب التي اختارت الإنخراط في العملية السياسية من داخل مؤسسات دولة الكمبرادور، معتبرة الحزب معارضا للدولة من خلال منافسته مع حزب الإستقلال من أجل البرلمان والحكومة، ولم تستمر هذه العمليات العسكرية إلا فترة قصيرة لم يستطع خلالها روادها الوصول إلى الرؤوس العليا في السلطة مما عجل بالقضاء عليها.

وكانت المعارضة التي قادها الإتحاد الوطني للقوات الشعبية تحظى بتأييد العمال والفلاحين بعد تجربته القصيرة في الحكومة ببرنامجه الحكومي الطموح، الذي تناول قضية أساسية مرتبطة بمطالب الحركة الوطنية الثورية وهي "الأرض" من خلال مشروع "الإصلاح الزراعي"، الذي تم فيه وضع أولوية تحديد صفة الملكية العقارية على رأس هذا المشروع والتي تعتبر من بين قضايا الصراعات الطبقية التي ركز عليها الإستعمار القديم اهتماماته، في مشروعه الإستعمار الذي اعتمد فيه تفكيك الملكية الجماعية للأرض وتركيز الملكية الفردية الرأسمالية عبر السيطرة على الأراضي الخصبة، التي تم توزيعها على المعمرين ودعم بناء مؤسسات فلاحية استثمارية رأسمالية عليها كنواة لسياسة تمركز الرأسمال في الزراعة.

واعتبر مشروع "الإصلاح الزراعي" مسألة تغيير البنية العقارية بالبادية ذات أهمية في البرنامج الزراعي الوطني الذي دافع عنه الفلاحون الصغار باعتبار الأرض أداة إنتاج أساسية في مجتمع شبه إقطاعي، وضع الإستعمار القديم مخططا للسيطرة عليها ونزعها من الفلاحين الصغار بالقوة العسكرية وسن ترسانة قانونية استعمارية لحمايتها من الملكية الجماعية، بينما وضع المشروع الزراعي الوطني من بين مهامه السياسية الأساسية استرجاع أراضي الفلاحين التي سيطر عليها المعمرون من أجل توفير أسس التنمية الزراعية ذات البعد الوطني، لكن دولة الكمبرادور لها برنامجها الخاص المرتبط بالسياسات الإستعمارية الجديدة ذات البعد الطبقي، فهي ترى في الأرض أداة لبناء مشروعها الإقتصادي الإستعماري الجديد باعتبار بقايا الإقطاع والمعمرين الجدد سندها السياسي والإقتصادي بالبوادي، ووضعت مخططا طبقيا لدعمهم وتنمية مشاريعهم الإستثمارية الرأسمالية على حساب تحويل الفلاحين الصغار إلى فلاحين فقراء بدون أرض، وتخلت عن سياسة توزيع الأراضي على الفلاحين الصغار بعد استرجاعها من المعمرين، واستصلاح الأراضي البورية ووضعها تحت تصرف الفلاحين الصغار، معتمدة ما يسمى سياسة السدود لتوفير المياه لمشاريع المعمرين الجدد الملاكين العقارين الكبار وتحويل الفلاحين الفقراء إلى عمال زراعيين بالمؤسسات الإستثمارية الفلاحية الرأسمالية بالبوادي.

هكذا تم بروز طبقة الملاكين العقاريين الكبار بالبوادي من بقايا الإقطاع والبرجوازيين الكمبرادوريين المستثمرين الرأسماليين بالبوادي باعتبارهم معمرين جدد، الذين تحولوا إلى قوة اقتصادية داعمة للرأسمال الكمبرادوري المرتكز على المشاريع الإستثمارية الصناعية الرأسمالية التي خلفها الإستعمار القديم بالمدن، وتشكل التحالف الطبقي الجديد على أساس السيطرة الإقتصادية الصناعية والفلاحية بدعم من المؤسسات المالية البنكية التي سيطر عليها الكمبرادور، بينما تشكل العمال الصناعيون والمنجميون والزراعيون كطبقة عاملة تبيع قوة عملها في شروط استعمارية جديدة تطغى عليها عبودية بقايا الإقطاع، ولم ترق الطبقة العاملة إلى مستوى الوعي السياسي الطبقي لكون المشاريع السياسية والإقتصادية التي تبناها حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي يعتبر نفسه التعبير السياسي للعمال والفلاحين، لم تتجاوز البعد الوطني للصراع، بينما الحزب الشيوعي المغربي قد تم حله في ظل رئاسة الحكومة من طرف هذا الحزب، وبقيت مشاريع هذا الحزب حبيسة الوعي الوطني القومي الذي لا يخرج جوهريا عن أيديولوجيا دولة الكمبرادور المرتكزة على استغلال البعد الوطني والقومي لبناء إجماع وطني حول سياساتها الطبقية.

ولم يستطع حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الخروج من سيطرة الفكر البرجوازي الصغير رغم امتداداته الجماهيرية في أوساط العمال والفلاحين، وتبقى هذه الإمتدادات من إرث الماضي الثوري للحركة الوطنية الثورية التي لم تستطع تجاوز البعد الوطني للحركة في مرحلة الإستعمار الجديد، نظرا لفقدانها للحزب الثوري الحامل لأيديولوجيا طبقية مناقضة للبرجوازية وعجز هذا الحزب عن تخطي حدود القومية رغم نداءاته بالإشتراكية كباقي الأحزاب القومية العربية التي يرتبط بها إقليميا، رغم بروز تيار ثوري بداخله "الإختيار الثوري" الذي قدم نقدا ذاتيا دون أن يستطيع بناء بديل تنظيمي جماهيري ثوري وبقي حبيس الإستراتيجيات الثورية البلانكية المرتبطة بالإنقلابات العسكرية محليا وإقلينميا، التي لعب آخر أوراقها المحروقة في 03 مارس 1973 مما ركز في الإتجاهات السياسية اليسارية بالمغرب الفشل السياسي وبالتالي فشل المشروع السياسي الثوري لليسار المغربي، وذلك لعدم قدرته على تحويل الحركة الوطنية الثورية إلى حركة سياسية ثورية ذات البعد الأيديولوجي الطبقي باعتبار الماركسية أيديولوجيا مناقضة للبرجوازية.

وكان لفشل حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية في بناء أيديولوجيا وتصور سياسي للطبقة رغم ارتباطه بالعمال والفلاحين أثر كبير في تداعيات هذا الفشل على امتداد الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، فرغم بروز منظمة ماركسية ـ لينينية من احضان هذا الحزب بعد انتفاضة 23 مارس 1965 إلا أن الفكر البرجوازي الصغير الذي لازمها أعاق تطورها في اتجاه بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي.