هل بلغنا المفترق المصيري؟


نعيم الأشهب
2016 / 9 / 19 - 20:52     


*في اللحظة التي اصطف فيها الرئيس عباس وراء السعودية، ارتهن قراره السياسي لديها، وتعبيرا عن ذلك راح يردد، بمناسبة ودون مناسبة، أنه مع السعودية! فهل انذار الرباعية الذي تقوده السعودية الموجه اليه مباشرة هو جزاء سنمار؟!*


اﻹنذار السافر الذي وجهته الرباعية العربية بقيادة السعودية للرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤشر ﻻ يحتمل التأويل بأن النظام العربي عازم على التخلص من القضية الفلسطينية وتجاوزها، بثمن وبلا ثمن، لصالح التحالف الرسمي والعلني مع اسرائيل، في خدمة أجندات مشتركة في المنطقة. وبالفعل شهدت اﻷشهر الماضية،على وجه الخصوص، تسارع المؤشرات التمهيدية على التوجه نحو هذا التحالف. فهذا النظام العربي الذي تتصدره السعودية يتابع، اليوم، بقلق بالغ تطور اﻷحداث المتسارعة في المنطقة، هذا التطور الذي يرسل اﻹنذارات المتصاعدة لهذا النظام، ليس فقط بالفشل المريع لسياساته في المنطقة، وإنما ﻻرتدادات هذا الفشل على أنظمة هذا النظام العربي الرجعي ذاتها.
ويأتي اندفاع هذا النظام العربي نحو التحالف العلني مع إسرائيل، وعلى حساب القضية الفلسطينية، في ضوء الخسائر المتلاحقة التي راح يمنى بها هذا التحالف بقيادة السعودية على نطاق المنطقة، وبعد أن فقد اﻷمل في توريط الوﻻيات المتحدة في مواجهة عسكرية مع أطراف محور المقاومة في المنطقة: سورية وايران والمقاومة اللبنانية. وغني عن القول أن امتناع واشنطن عن ذلك ليس تعففا، وانما لحسابات الربح والخسارة، بعد تجربتها المريرة في غزو كل من أفغانستان والعراق. وبالتالي، لم يبق أمام هذا النظام العربي من قوة ذات وزن في المنطقة، وفي الوقت ذاته تلتقي معه في الموقف العدائي لمحور المقاومة إﻻّ إسرائيل. لكن إسرائيل من جانبها، ترى في هذا اﻻندﻻق على التحالف معها فرصتها الذهبية لتصفية القضية الفلسطينية بأيد عربية!، علما بأنه من المشكوك فيه كثيرا أن تغامر اﻷخيرة بالدخول في حرب مع محور المقاومة دون ضوء أخضر من واشنطن. ببساطة، ﻷن ماكنة الحرب اﻹسرائيلية مرتبطة باﻹرادة اﻷميركية ؛ بمعنى أن عتادها وذخيرتها اﻷساسية، بما في ذلك لطائراتها الحربية، اﻷميركية الصنع، تعطيه واشنطن ﻹسرائيل بكميات ومعايير محددة، بحيث يبقى بيد واشنطن تقرير شن اسرائيل للحروب ومداها؛ وتجارب حربي 1973 و 2006 على لبنان برهان على ذلك. فدون الجسر الجوي أﻷميركي من اﻹمدادات ما كانت إسرائيل بقادرة على مواصلة تلك الحروب.
أما الرئيس محمود عباس، فهو في وضع ﻻ يحسد عليه. فمنذ اندﻻع الصراع في المنطقة عام 2011، وفرزها الى معسكرين متصارعين، خضع للضغوط واصطف مع محور الرجعية العربية بقيادة السعودية، المتحالف مع القوى المعادية للقضية الفلسطينية، من الوﻻيات المتحدة وحتى إسرائيل، بدل اصطفافه المنطقي مع القوى التي تدعم وتناصر قضية شعبنا الفلسطيني ؛ بل وﻻ حتى التزم موقف الحياد، انسجاما مع التقليد الذي أرسته منظمة التحرير في وقت مبكر، باﻹبتعاد عن المحاور في المنطقة، ﻻستقطاب أوسع دائرة من المؤيدين لقضية شعبنا العادلة. ولكن في اللحظة التي اصطف فيها وراء السعودية،ارتهن قراره السياسي لديها، وتعبيرا عن ذلك راح يردد، بمناسبة ودون مناسبة، أنه مع السعودية! فهل انذار الرباعية الذي تقوده السعودية الموجه اليه مباشرة هو جزاء سنمار؟!
وإذا كان عرفات (رغم أخطائه الفادحة وبخاصة تسرعه في بناء جهاز دولة قبل أن يتحرر شبر من اﻷرض الفلسطينية وقبل تأمين مصادر تمويل مستقلة لهذا الجهاز، ما أدى الى ارتهان القرار الفلسطيني لإرادة الجهات المانحة، وفي عدادها السعودية)، يمثل - أي عرفات - مرحلة المقاومة ؛ فإن محمود عباس يمثل مرحلة الشلل وتجميد النضال الفلسطيني ضد اﻻحتلال، رهانا على مفاوضات عبثية. أما اليوم، فيبدو، من وجهة نظر الرباعية العربية، أن مرحلة تصفية القضية الفلسطينية لصالح المحتل اﻹسرائيلي أزفت، وهذه المرحلة لها رجالها.
في هذا السياق، فإن محاوﻻ ت الرئيس عباس للتمرد على إرادة الرباعية العربية وانذارها له الذي ﻻ يحتمل التأويل، هي محاولة بائسة وبلا رصيد الى حد بعيد. بعد أن أحرق معظم الجسور التي تربطه بشعبه، ضمانته اﻷولى واﻷخيرة، الى حدّ ساد فيه الشعور لدى هذا الشعب بأنه يرزح تحت نير مزدوج: اﻻحتلال اﻻسرائيلي والسلطة الفلسطينية، كما أنه - أي الرئيس عباس - شل قدرات هذا الشعب على مقاومة اﻻحتلال، بل وحوّل جهاز اﻷمن الفلسطيني الى حارس للإحتلال! بخاصة منذ لحظة اصطفافه في محور الرجعية العربية في المنطقة بقيادة السعودية.
إن وضع الرئيس عباس هذا، يعيد الى الذاكرة وضع الحاج أمين الحسيني، الذي سلك نفس الطريق تقريبا، وسلّم قضية شعبه، في أدق المراحل وأخطرها، الى الجامعة العربية إياها والنظام العربي الذي كان مرتبطا بعجلة المعسكر اﻹمبريالي المتآمر مع الصهيونية على القضية العادلة لشعبنا الفلسطيني. وحين دخلت جيوش هذا النظام العربي اعتبارا من 15.5.1948 أرض فلسطين بدعوى تحريرها، كان أول إجراء لهذه الجيوش، هو منع الفسطينيين من ممارسة أي نشاط عسكري أو سياسي، بدعوى أن مثل هذا النشاط يعرقل مهمتها في تحرير فلسطين ! لكن المفارقة، هذه المرة، أن مهمة شل قدرة الشعب الفلسطيني على المقاومة تولتها القيادة الفلسطنية ذاتها. ومعلوم أن الحاج أمين الحسيني كتب نهايته المحزنة بيديه، لحظة تخليه عن دوره في قيادة شعبه، في أدق وأخطر لحظات تاريخه لصالح النظام العربي الرجعي، الذي "كافأه" بعد ذلك بالتهميش واﻹهمال. ومحنة الرئيس عباس أنه لم يحاول التمرد على إرادة النظام الرجعي العربي حين بدا استعداد حكام السعودية للتفريط بالقضية الفلسطينية، لصالح تأمين تحالفهم مع إسرائيل، ومن أجل ضرب حلفاء الشعب الفلسطيني الحقيقيين، وإنما حين جاهرت السعودية وأتباعها بالعزم على التخلّي عنه شخصيا والعمل على استبداله.
وعلى أي حال، إذا ما بقي أمام الرئيس عباس أية فرصة للإفلات من المصير الذي رسمه له حكام السعودية واتباعهم، فإن هذا يتطلب إنقلابا كاملا وفوريا في المسار الخطر الذي سار عليه حتى اﻵن، وفي مقدمة ذلك: أوﻻ - العمل الجاد ﻻستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وانهاء اﻻنقسام المدمر؛ ثانيا- التخلي عن اﻹلتزامات المنبثقة عن إتفاقات أوسلو وفي مقدمتها التنسيق اﻷمني، طالما الطرف اﻹسرائيلي ﻻ يلتزم بأي منها؛ جنبا الى جنب مع فتح المعركة ضداﻹحتلال على مختلف الجبهات، وفي المقدمة الحراك الشعبي، إذ من السذاجة المفرطة توقع ارتفاع منسوب التضامن مع قضية شعبنا ونحن ساكنين تحت اﻹحتلال، وكذلك تحريك مختلف الملفات المجمدة ضد اﻻحتلال في المحافل الدولية، والتخلي عن أعمال التخريب واﻹجهاض لنشاطات مقاطعة إسرائيل، ودعم هذه العملية الواعدة بكل اﻹمكانات؛ وثالثا - تفعيل مختلف مؤسسات منظمة التحريروتصحيح العلاقة المعكوسة بينها وبين السلطة الفلسطينية، والتحوّل من العمل والقيادة الفردية الى الجماعية، لوضع حد للقناعة بأن انتزاع الرئيس محمود عباس أو تغييره يغيّر المسار الوطني برمته، رابعا - فك اﻹرتباط بالمعسكر الرجعي الذي تقوده السعودية، وبالمقابل التحول للتنسيق والتكامل مع محور حلفاء وأصدقاء شعبنا الحقيقيين. وحينها، سيجد الرئيس عباس الشعب الفلسطيني بكامله يتصدى لدعمه ومساندته. فهل من أمل في اﻹصلاح والتغيير، قبل فوات اﻷوان؟