الدكتور زهدي الداوودي .. والبعد الرابع


حبيب مال الله ابراهيم
2016 / 9 / 19 - 19:59     


ولد الروائي الدكتور زهدي الداوودي ستة 1940 في مدينة داقوق، ودرس الابتدائية في قضاء (طوز خورماتو ) وقضاء (أتروش) في إقليم كردستان العراق، كما أكمل دراسته في دار المعلمين بكركوك سنة 1959. أحد أعضاء جماعة كركوك التي تضم فضلا عنه: جان دمو وسركون بولص والأب يوسف سعيد وفاضل العزاوي ومحي الدين زنكنة وأنور الغساني وقحطان الهرمزي ويوسف الحيدري ومؤيد الراوي وآخرون .
نشر في بداية حياته الأدبية عدة قصائد شعرية في مجلة (النديم) لصاحبها المرحوم (سعاد الهرمزي)، وجريدتي (فتى الموصل) و(صوت المحاربين) سنة 1958، كما صدرت له باكورة اعماله الادبية سنة 1962 بعنوان (الإعصار). عمل ثلاث سنوات معلما في قرية (مامة) القريبة من كركوك قبل أن ينتقل للعمل في الصفحة الثقافية لجريدة (التآخي) سنة 1973.
سافر بعد ذلك إلى (ألمانيا) وحصل على شهادة (الماجستير) في التاريخ من جامعة (لايبزك) عام 1976، وعلى شهادة الدكتوراه من نفس الجامعة. عاد إلى وطنه محملا بالحنين وقضى ثلاث سنوات في التدريس أستاذا للتاريخ في جامعة الموصل، قبل أن يشد رحاله من جديد إلى بلاد الغربة بعد أن اضطرته السلطة الحاكمة آنذاك على المغادرة ، إذ مورست ضده ضغوط شتى للانضمام إلى صفوف حزب (البعث)، وأصبح أستاذا في إحدى جامعات (ليبيا) قبل أن يتوجه إلى (ألمانيا).
البعد الرابع:
من المعروف إن لصناعة الأدب ثلاثة أبعاد، الأول حين يكون الأديب صاحب التجربة، والثاني حين يكون مطلعا على تجربة، والثالث حين يتجه إلى خياله ويستحضر شخوص عمله الأدبي ويكوّن ثيمة خيالية، بيد إن الروائي الداوودي كان يمثل مع أدباء عالميين آخرين البعد الرابع للأدب من خلال إمتزاج الأدب بالواقع وتأسيس مدرسة (الواقعية السحرية) التي يعتبر الروائي الكولومبي (غابرييل غارسيا ماركيز) أحد أبرز مؤسسيها.
إن واقعية (الداوودي) تشير إلى ملامح شخصيته العلمية (حاصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة التاريخ) الرصينة والقادر على خلق نماذج متعددة من الشخوص عند الكتابة، فالوعي العلمي المستمد لديه أهله للخوض في عوالم شخوص رواياته، وإضفاء الرصانة العلمية عليها، إذ برزت الواقعية لديه كمؤشر على حياد الروائي مع إن التصوير العام ولو من أبعاده المختلفة توضح (القصدية) أو (العمدية) الملائمة لخلق الأجواء، وفي أحد اللقاءات التلفزيونية أجراه معه قناة العراقية / كركوك تحدث الداوودي عن شغفه بالواقعية، واصفا إياها بالمرحلة اللاحقة للأدباء، وبأنه كتب أولى مجاميعه القصصية التي كانت بعنوان (الإعصار) في الستينيات من القرن المنصرم بإسلوب واقعي مع أن عمره لم يكن قد تجاوز الثلاثين.
إن حاجة الروائي إلى الكتابة بإسلوب واقعي استمدت من رغبته في إعتزال العمل الأدبي والإرتكان بعيدا عن تأثيرات الأدباء، بيد إن هاجس الكتابة لا ينقطع هنا، إذ يضع الأديب حدا لذاتيته ورؤيته الشخصية للأحداث ويميل للواقع من خلال إيجاد معادلة رياضية يقيس بها مدى إحتمالية إرتباط السبب بالمسبب (احتمالية اللا احتمال)، والقائمة على إستخراج النسب المئوية للإحتمالية الأفضل، وهذا ما يشبه إلى حد بعيد كتابة البحوث العلمية والأطاريح الجامعية، بحيث يعد العمل متكاملا من حيث علميته وموضوعيته لا من حيث تشويقه.
تتحدد الواقعية كإسلوب لدى الروائي زهدي الداوودي من خلال عد محاور هي:
1. الموضوعية: طالما سأل الأدباء عن معنى مفهوم (الموضوعية)، فنقول انه يعني الإهتمام بالموضوع أكثر من الإهتمام برغبة الأديب وذاتيته في الكتابة ، فالموضوعية تعني الإنحياز لماهية الموضوع بدلا من الإنحياز لذاتية الأديب، أي التمسك بالخيار الأول على حساب الخيار الثاني، إذ إن هذا الإسلوب لم يكن حتى وقت قريب أدبيا، بل صحفيا.
بيد إن الأدباء الصحفيين هم الذين إستعانوا به من الصحافة إلى الأدب، فـ (ماركيز) الصحفي في شبابه إستطاع أن ينقل نجاحه من الصحافة إلى الأدب، كذلك الروائي البرازيلي (فرناندو سابينو)، إذ نقل حبه من الصحافة إلى الأدب، إلى جانب الروائي زهدي الداوودي الذي عمل صحفيا في مجلة (نةوشةفةق) في السبعينيات من القرن المنصرم قبل التوجه إلى الأدب.
2. العلمية: نقصد بالعلمية في هذا المحور ضرورة إجراء اختبار قياسات علمية بين الشواهد والوقائع الأدبية وتقديم الوقائع الأكثر إحتمالا على الأقل إحتمالا في الحدوث، كذلك إعداد قياسات فيما يخص الوقائع الأكثر إحتمالية من غيرها.
إن هذه العملية وان كانت معقدة وتحيل العمل الأدبي الى عمل علمي، إلا إنها تخلق أجواء الواقعية التي ينتظرها القراء، فالعمل الروائي عند (ماركيز) مثلا هو عمل متكامل من حيث المعادلة الأدبية والحسابات الاحتمالية، بيد انه عمل مشوق أضفى اليه التشويق رغم تحليه بالرصانة العلمية، ولابد من القول اننا لم نجد هذه العلمية في الأعمال الروائية الكردية إلا نادرا، ويبدو ان الدكتور زهدي الداوودي يعتبر من أكثر الروائيين الكرد علمية في مجال العمل الروائي.
3. تأطير التجارب: أطر الروائي زهدي الداوودي تجاربه في أكثر من عمل أدبي روائي وقصصي، واستشهد بجوانب متعددة منها بحيث بدت تجاربه وكأنها تجارب شخوصه دون الخروج عن واقعيته السحرية، واستحضر أماكن عدة في أعماله الروائية (كركوك، طوز خورماتو، داقوق) إضافة إلى أسماء أخرى (نهر روخانة، تبة) بأسلوب شخصي، لكن بمنظار شخوصه، وقد قيل ان المتعة في الكتابة تكمن في هذه الازدواجية.

من مؤلفات الدكتور زهدي الداوودي:
1. الإعصار، مجموعة قصصية، بغداد، 1962.
2. رجل في كل مكان، رواية، بيروت، 1974.
3. الزنابق التي لا تموت، مجموعة قصصية، الموصل، 1978 .
4. رحلة الى بابل القديمة، رواية، دمشق، 1984 .
5. إسطورة مملكة السيد، قصة طويلة، لايبزك، ألمانيا، 1990.
6. وداعا نينوى، رواية.
7. زمن الهروب، رواية.
* باللغة الألمانية:
1. الكورد..تاريخ..حضارة..كفاح مصيري، ألمانيا، 1987.
2. سعار، مجموعة قصصية، ألمانيا، 1991.
3. أطول عام، رواية، ألمانيا، 1993.