مُتَّلازمة كوردستان و مُتَّلازمة ستوكهولم في كوردستان


دانا جلال
2016 / 9 / 19 - 12:24     

بعدَ أنْ تحَولَ الكردي الى ضحية لِحملات إبادة ثقافية مُتَّعددة الهويات لإمبراطوريات سبقت الإمبريالية الثقافية واللغوية وبأشكال أكثر همجية، بدأ الكوردي يُمارس الإبادة الذاتية بحق ذاته التائهة والمتناقضة كجزء من حالة الاغتراب مع هويته وتاريخه.
اذا ما كان تقديس قادة الجريمة والاحتلال وهي اكبر عملية تزوير تاريخية يمارسه الكوردي المتأسلم بلاوعي لتشويه وعيه، والذي لا يمكن تفسيره الا في سياق متلازمة ستوكهولم (ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه)، فان طقوس اللعنة والرجم الذي يُمارسه الكوردي بحق المُقاومين الكورد، من الذين وقفوا بوجه حملات الاحتلال الاسلامي لكوردستان لا يمكن تفسيره الا من خلال "مُتَّلازمة كوردستان" والذي نراها بانها ظاهرة نفسية تصيب الفرد باحتقاره للمدافعين عن حريته وانسانيته كمقدمة للوقوع في فخ متلازمة ستوكهولم التي تفسر عبادة الضحية لجلاده.
ان وجود دولي كافران (وادي الكفار)، وهي مقابر جماعية للمقاومين الكورد فترة الاحتلال الاسلامي لكوردستان، وممارسة طقوس اللعنة بحقهم، جزء من ظاهرة "مُتَّلازمة كوردستان" التي تفسر المازوشية الثقافية التي تُمارس في اغلب اجزاء كردستان.
ظاهرة تقديس قادة الاحتلال وجعل شواخصهم مزارات مقدسة أو أسماء لمدن كردستانية هي حالة اغتراب مع التاريخ، هي ماسوشية ثقافية يمارسه الكوردي بحق ذاته التائهة، فعلى سبيل المثال يتخذ الكورد من قبر ابو دجانة الانصاري في قضاء رانية التابعة لمحافظة السليمانية مزارا يتبركون به ويطلبون منه مرادهم.
الحقيقة ان القبر الموجود في رانية ليس بقبر ابو دجانة الانصاري، فعن الواقدي في كتاب الردة (فلما دخلوا إِلى الحديقة وحصنوا في جوفها ومسيلمة الكذاب معهم، أَقبل المسلمون إِلى الحديقة فقال أبو دجانة الأنصارِي: ويحكم يا معشر الأنصارِ، احملوني حملة وألقوني إليهِم، فحُمل أبو دجانة على ترس بعض الأنصارِ ثم رفع بالرماح حتَّى أُلقي في جوف الحديقة، فَوَقَعَ أَبو دجانة في الحديقة، ثم وَثَبَ كَالليث المغضب، وهو يرتجز ويقول:
أنا سماك أبو دُجَانَهْ لست بذي ذل وَلا مَهَانَهْ
ولا جَبَان القلب ذِي استِكَانَهْ لا خَير في قوم بدين خَانَهْ
فَلم يَزَل يُقَاتِلُ فِي جَوفِ الحدِيقَةِ حَتَّى قُتِلَ)
اما قبر عكاشة في كاميران (كوردستان ايران) فهو مُختلق لان عُكاشة بن مِحْصن بن حُرْثَان بن قيس بن مرّة بن كثير بن غَنْم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسديّ المكنى أبا محصن قتل في قتال أَهل الردّة، في خلافة أبي بكر سنة 11 كما يذكر ابن الاثير في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة.
اما قبر مقداد بن اسود الكندي في شهربان ورانية، فقد بني بمخيلة مازوشية في وعي جمعي سلبي يحركه رجال دين كورد بغية الاستفادة من المرقد اقتصاديا وسياسيا، لان المقداد قد دفن بالجرف قرب المدينة. يروي ابن سعد في الطبقات الكبرى جـ3 ص 148 ( كان له غلام رُوميٌّ؛ فقال له: أشقّ بطنك فأخرج من شحمه حتى تلطف، فشقَّ بطنه ثم خاطه؛ فمات المقداد، وهرب الغلام. وقيل أنه شرب دُهْن الخِرْوَع فمات. ومات المقداد بالجُرُف على ثلاثة أميال من المدينة فحُمل على رقاب الرجال حتى دُفن بالمدينة بالبقيع وصلّى عليه عثمان بن عفان، وذلك سنة ثلاثٍ وثلاثين، وكان يومَ مات ابن سبعين سنة أو نحوها. وأوصى إلى الزبير بن العوام، وجعل عثمان بن عفان يثني عليه بعد موته).
ويؤكد أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة الامر ذاته ((كان المِقداد عظيمَ البطن، وكان له غلام رُوميٌّ؛ فقال له: أشقّ بطنك فأخرج من شحمه حتى تلطف، فشقَّ بطنه ثم خاطه؛ فمات المقداد، وهرب الغلام.)) ويكتب ابن سعد (قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأسديّ قال: أخبرنا عمرو بن ثابت أبي المقْدام عن أبيه عن أبي فائد أنّ المقداد بن الأسود شرب دُهْن الخِرْوَع فمات. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا موسى بن يعقوب عن عمّته عن أمّها كريمة بنت المقداد قالت: مات المقداد بالجُرُف على ثلاثة أميال من المدينة فحُمل على رقاب الرجال حتى دُفن بالمدينة بالبقيع وصلّى عليه عثمان بن عفّان، وذلك سنة ثلاثٍ وثلاثين)
اما قصة قبر ابو عبيدة الجراح في منطقة (عه با به يلي) التابعة لمحافظة حلبجة فان وقائع التاريخ يؤكد اكذوبة القبر، حيث ورد في تاريخ الطبري الموسوعة الشاملة، ج2 ص488ان أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي (40 ق هـ/584م - 18هـ/639م) (لما اشتعل الوجع (الطاعون) قام أبو عبيدة في الناس خطيباً فقال: «أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيّكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يَقسم له منه حظَّه»، فطُعن فمات.
كتب محمد حسن شراب ( أبو عبيدة عامر بن الجراح ص238-240): هناك اتفاق وتواتر بوفاة أبي عبيدة في الشام بسبب الطاعون، وهناك تواتر بأنه توفي بالغور الأردني، ولكن لم يوجد اتفاق على بقعة محددة من الغور، ولكنّهم ذكروا أماكن متقاربة تساعد على حصر المكان في بقعة صغيرة تجعل زائر قبر أبي عبيدة مطمئناً أنه يقف أمام قبر حقيقي؛ إذ قال ابن سعد إنه قُبر بعمواس، ونقل ابن عساكر عن عطاء أن قبر أبي عبيدة في بيسان، وبيسان تقع غربي نهر الأردن في الغور، في الجهة المقابلة من مزار أبي عبيدة، ويؤوَّل قوله "في بيسان" أنه في كورة بيسان أو صقع بيسان، ونقل الذهبي «أنه أدركه أجله بفِحْل فتوفي بها بقرب بيسان»، وفحل على الضفة الشرقية من النهر أمام بيسان، ولذلك يقال للمعركة المشهورة "فحل بيسان".
لنفرض ان قبر ابو عبيدة في حلبجة هو قبر ابو عبيدة بن عامر بن محسن، هذا الاحتمال لا يستقيم مع نهاية ابو عبيدة بن عامر بن محسن لأنه قتل في معركة بئر معونة الذي وقع في صفر سنة 4 للهجرة، اي بعد أربعة أشهر من أُحد، وان بئر معونة تقع غرب المهد (معدن بني سليم قديما) إلى الشمال، وتتصل غربا بحرة الحجاز العظيمة.
لنضع احتما اخرا وهو ان القبر الموجود في حلبجة هو لأبو عبيدة بن عبد الله المسعودي وهذا الاحتمال غير قائم لان ابو عبيدة بن عبد الله المسعودي قتل ودفن في الدجيل التابعة لمحافظة الكوت.
ماسوشية الكوردي المُغتَّربْ تبلغ مداها بتضخيم صورة المُحتَّل وتأليهه، فعلى سبيل المثال جُعِلَ من مساحة قبر سعد بن ابي وقاص ( قرية ديليزة الواقعة في منطقة قره داغ التابعة لمحافظة السليمانية) 14 مترا وتم تسميته بالصاحبي الطويل في حين ان القبر غير موجود في طريق تلك القرية لان سعد بن أبي وقاص توفى سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية ودفن في البقيع و هي المقبرة الرئيسة لأهل المدينة المنورة.
اما قبر عبد الله بن ابي ايوب الانصاري في قرية سر جيا التابعة لقضاء قلعة دزة التابعة لمحافظة السليمانية فقد كتب ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، ج8 ص65 (وكان في جيشٍ متوجهٍ لفتح القسطنطينية، يقوده يزيد بن معاوية في زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان، فمرض أبو أيوب، فدخل عليه يزيدٌ يعوده فقال: "ما حاجتك؟"، قال: "حاجتي إذا أنا مت فاركب، ثم سغ في أرض العدو ما وجدت مساغاً، فإذا لم تجد مساغاً فادفني ثم ارجع"، فتوفي أبو أيوب، ففعل الجيش ذلك، ودفنوه بالقرب من القسطنطينية).
نقدس قادة الاحتلال ونلعن المقاومين.. هي متلازمة ستوكهولم ومتلازمة كوردستان في كوردستان.
الوجيز في الكلام: لن يتحرر الكوردي ان بقي حالته بين متلازمة ستوكهولم ومتلازمة كوردستان في كوردستان.