الدين والعقيدة والطائفة وهوية الانتماء


مالوم ابو رغيف
2016 / 9 / 18 - 20:21     

المسلم هو من يتلفظ بالشهادتين، لا اله الا الله وان محمد رسول الله، واذا كان الشطر الاول من التشهد مشتركا بين الديانات الثلاث، اليهودية والمسيحية والاسلام، فان الشطر الثاني ( محمد رسول الله) هو المختلف بين ما يسمى بالديانات التوحيدية( اي التي تؤمن بوجود خالق واحد للكون). والاختلاف ليس حول الاسم فقط، اذ من لا يؤمن بقدسية اسم النبي فهو لا يؤمن ايضا بتعليماته فالله يقول (وما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا)
الايمان في الاسلام هو تلفظ باللسان واقتناع بالقلب دون الحاجة الى اثباتات او براهين عقلية او علمية. وتختلف درجة الايمان عند المؤمنين تبعا لدرجة اشراك العقل، فكلما تخلى الانسان عن التساؤلات العقلية، كلما اشتد ورسخ ايمانه، والعكس صحيح، يضعف ويتزعزع الايمان كلما تسائل عن ادلة عقلية او علمية حتى لو كانت لاسناد ودعم الايمان.
اما الدين فهو منظومة طقوس العبادة العامة والتي للمسلم حرية الالتزام او عدم الالتزام بها ( في الدول المدنية) بينما في الدول الدينية تفرض هذه الطقوس بقوة القانون حيث توجد تنظيمات خاصة تحرص على تطبيقها وتعاقب المخالفين كما تفعل هيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر او الشرطة الاخلاقية وغيرها من الهيئات.
واذا كان الدين هو منظومة العبادات العامة، فان العقيدة هي اتجاهات ايمانية فردية او( جماعية) بصحة رأي او مجموعة اراء او بصحة فتاوى او اتجاهات لها مقدساتها يُطلق عليها مذاهب. فالمذهب هو ما يذهب اليه فلان او علان من علماء الدين في تفسير او افتاء والذي غالبا ما يؤسس ارائه على غابر في التاريخ.
وعندما يكون الدين منظومة عامة لا تلزم التقيد، فانه لا يمثل مشكلة، وتصبح المشكلة الحقيقية حين يحاول المؤمنون بعقيدة ما فرض عقيدتهم على الاخرين بالقوة او بحكم العدد. ذلك يعني ان الناس لا تصطدم بالدين نفسه، انما تصطدم بالعقيدة التي عرفناها بانها نزوع فردي بصحة رأي او فتوى.
كلما تمايزت العقيدة عن غيرها من العقائد، كلما جنحت نحو اتخاذ شكل الدين، الذي حينها نطلق عليها اسم طائفة، فالطوائف هي اديان مصغرة لمجاميع الناس الذين يتميزون عن الاخرين بعقيدتهم وان كانوا محسوبين على دين واحد. فالاسلام هو الاب بينما الاديان الطائفية هن البنات.
ان مجموعة العقائد المتحولة الى طوائف في الدين الواحد تتصادم فيما بينها وتخلق صراعا مبنيا على الايمان وليس على الفكر او العقل( كما هو الصراع ما بين السنة وما بين الشيعة) هذا الصراع الايماني( واهم ميزة للايمان هو التخلي عن العقل) هو ما نطلق عليه الطائفية.
العقيدة عندما تتخذ شكل الدين وتتحول الى طائفة، فانها تاخذ صفات الدين ايضا، تتحول الى منظومة عامة لمجوعة افرادها وكلما كثر عدد المنتمين اليها، ضعف ايمانهم وقد ينازع الشك عقولهم وهو نقيض الايمان، لكنهم لا يفقدون انجذاباتهم الطائفية، ذلك ان الطائفة تصبح احد مميزات الهوية خاصة في الوطن الذي يعتمد نظامه على ما اصطلح على تسميته بديمقراطية الطوائف التي ادخلها الامريكيون الى العراق وفق سياسة المحاصصة وتقسيم الشعب الى مكونات.
والذي يحصل ان مجموعة المؤمنين سيتولون التحريض الطائفي ضد الطائفة المنافسة بينما الاتباع الاقل ايمانا يكونون جنودا رهن الاشارة ليس للدفاع عن العقيدة، فهم يجهلون اسسها او خفاياها، انما للدفاع عن هويتهم المميزة لهم كمحسوبين على هذه العقيدة او تلك.
ومن هنا نفهم ايضا الاصطلاح الغريب لـ ملحد شيعي او ملحد سني، فهؤلاء وان كانوا لا يعترفون بالله ولا بمحمد ولا بصحابته ولا باهل بيته، لكنهم يحملون هوية الانتماء الى طائفة يحسبون عليها او انهم يحملون شعورا بالانتماء اليها والى ثقافة اتباعها غير المؤمنين بها.
وما يثر الانتباه ايضا هو ان الهوية الطائفية او الهوية الدينية قد تبقى تعريفا ايضا للماركسين او حتى شعورا خفيا، فيكون عندنا الماركسي المسلم او الماركسي اليهودي والماركسي المسيحي او الشيعي او السني. لكن لا يصل الاختلاف بين هؤلاء الى مرحلة الصراع، انما يتخذ شكل التنابز او تلميحات التحامل عندما يُرجع الاختلاف الى نوعية الانتماء الديني او الطائفي.
لقد شهدنا كم كانت ثورة المسلمين قوية عندما رسم فنان دنيماركي صورة كاركاتورية للنبي محمد، ذلك ان الغضب يشتد الى حد الثورة اذا ما اعتقد الاتباع ان فعلا او تصرفا قد مس دينهم الذي قد لا يعرفون عنه شيئا سوى الاسم، وربما يكون مجمل سلوكهم مناقضا لما يأمرهم به هذا الدين. لكن عندما يفقد الوطن تاثيره ويكف ان يكون هوية المواطن الجامعة، تصبح الطائفة او الدين هوية التعريف.
ان ذلك ايضا سبب بقاء الآصرة القوية بين ابناء الديانات والطوائف القليلة العدد، والسبب ايضا في عدم سماحهم للغرباء بدخولها حتى لو كان عن طريق التزاوج لأن ذلك يمثل اخلالا بالهوية المهددة بالتفتت اذا سُمح باي اختلال.