تطور الصراعات الطبقية بالمغرب والتحالف الطبقي للعمال والفلاحين


الماركسيون اللينينيون الوحدويون المغاربة
2016 / 9 / 10 - 01:10     

في الكثير من كتابات لينين خصص للفلاحين الصغار فصولا طويلة وذهب في كثير منها إلى نعتهم بالطبقة، فخلال الحرب الأهلية بروسيا لعب التحالف الحربي بين البروليتاريا والفلاحين الصغار دورا كبيرا في هزم تحالف البرجوازية والكولاك، وأصبح في روسيا في نظر لينين طبقتين فقط "... وجود طبقتين فقط منذ عدة سنوات : البروليتاريا ...، وطبقة الفلاحين الصغار الذين يؤلفون الأغلبية الساحقة من السكان"، محتارات الجزء الرابع، من خطاب في المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية في 22 يونيو ـ 13 يوليوز 1921.

ولاحظ لينين بعد الحرب الأهلية أن نسبة الفلاحين الصغار بروسيا تشكل نسبة عريضة من السكان وأن نسبة "طبقة صغار المزارعين" في إنجلترا قليلة جدا، بينما نسبة "العمال والمستخدمين الذين يعيشون عيشة برجوازية صغيرة" بإنجلترا قد ارتفعت جدا، ذلك نتيجة "من جراء العبودية الفعلية التي يعانيها مئات الملايين من الناس في المستعمرات التي "تخص" إنجلترا"، من خطاب في المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية في 22 يونيو ـ 13 يوليوز 1921. وهي نتيجة "التطور اللامتكافيء" الذي تتسم به الرأسمالية، والذي يظهر بشكل بارز في التناقض بين قل قليلة من الدول الإمبريالية المسيطرة على خيرات الغالبية العظمى من بلدان العالم، الشعوب المضطهدة في عصر الإستعمار الجديد.

فمنذ أواخر القرن 14 شكلت طبقة الفلاحين الصغار نسبة كبيرة من سكان المغرب التي عمرت البوادي بالجبال والسهول إلى جانب قلة قليلة من الشيوخ رؤساء القبائل الإقطاعيين المستغلين للفلاحين الفقراء، في مجتمعات سماها إنجلس "المجتمع المنظم على أساس القبائل (العشائر) ..."، تسود فيها قوة "منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها" يقودها شيوخ القبائل ضد الفلاحين الصغار.

وتشكلت "أرستقراطية قبلية" بالبوادي تملك الأرض والعبيد و"الجنود" في شكل بسيط من تنظيم "الحكم الذاتي"، في علاقتها ب"أرستقراطية مدنية" بالمدن تملك "الرأسمال التجاري" وترأس المنظمات المهنية والحرفية وتسير "الإدارات والدواوين" في دولة الكمبرادور.

وكلتا الطبقتين تشكلان عماد الدولة الكمبرادورية التي برزت في نهاية القرن 14 مع بداية انهيار دولة الممالك بالأندلس وتطور الرأسمال التجاري بأوربا في طريق بروز الرأسمال الصناعي، في العلاقة بين دولة الكمبرادور المركزية والمنظمات الحربية للحكم الذاتي بالبوادي، الدولة المرتكزة أساسا على فرض الضرائب على عامة السكان واستخلاصها بالبوادي من طرف رؤساء القبائل، الذين اغتنوا على حساب نهب الفلاحين الصغار واستعباد الفلاحين الفقراء وتشكلوا كطبقة "أرستقراطية قبيلية".

وهكذا تشكل الأساس الإقتصادي في دولة الكمبرادور على شكل قوتين كبيرتين متناقضتين طبقة "أرستقراطية المدن والبوادي" وطبقة "الفلاحين الصغار والفقراء" بينما يمثل المهنيون والحرفيون خدام الطبقة السائدة.

وكان لانهيار دولة الكمبرادور في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 أثر كبير في بروز موقع طبقة الفلاحين الصغار في الثورة على دولة الكمبرادور بعد المطالبة بتغيير الدستور، واندلعت ثورات الفلاحين بالبوادي لم يتم القضاء عليها إلا بعد تحالف الكمبرادور والإمبريالية ودعم من الأروستقراطية، في حرب ضد ـ ثورية شاملة ضد ثورة الفلاحين الصغار أسفرت عن الإستعمار القديم.

وكانت تجربة الثورتين : الأولى بالجنوب والثانية بالشمال التي قادها الفلاحون الصغار ضد الإستعمار القديم قد حددت موقع هذه الطبقة في الحرب الثورية، هذا الموقع الذي تغير بعد إعادة هيكلة مراكز التناقضات الطبقية بالمغرب بعد دخول الإمبريالية بشكل مباشر في الصراعات الطبقية ببلد مستعمر.

وشكل دخول الرأسمالين الصناعي والمالي منعطفا كبيرا في تحول الأساس الإقتصادي لدولة الكمبرادور، أولا : بعد تركيز منشآت صناعية رأسمالية وأبناك بكبريات المدن، ثانيا : بعد إنشاء منشآت فلاحية رأسمالية وفتح المناجم لاستغلال المعادن بالبوادي، وتشكلت طبقة عاملة صناعية بالمدن وطبقة عاملة زراعية ومنجمية بالبوادي، إلا أن صفة الطبقة العاملة هذه ظلت مرتبطة بالبوادي وبجذور الفلاحين الصغار، ولم تستطع الطبقة العاملة بالمغرب التطور في اتجاه طبقة مستقلة أيديولوجيا وسياسيا عن طبقة الفلاحين الصغار نظرا ل:

ـ كونها متعلقة تاريخيا بالبوادي ولم يكتمل لديها مستوى الوعي السياسي الطبقي رغم أنها تشكلت كقوة أساسية في الإنتاج، نظرا لأوضاعها الإقتصادية التي لا تسمح لها باستقلالية اجتماعية وثقافية، مما جعل جل العمال مرتبطين بالبوادي وبالإنتاج الزراعي العائلي الذي يذر عليهم بعض الأموال لسد بعض المصاريف التي لا يمكن تغطيتها بأجورهم الهزيلة.

ـ كونها معزولة عن العمل السياسي والنقابي ومقيدة بقوانين شغلية قمعية استعبادية تجعلها لا تفكر إلا في المطالب الإقتصادية التي تكون مسطرة لها مسبقا من طرف البيروقراطية النقابية، مما جعل وعيها حبيس النضال الإقتصادي وظلت حبيسة الوعي بذاتها مما يحول دون قدرتها على تجاوز النضالات الإصلاحية المحدودة الأفق والرقي إلى مستوى الوعي لذاتها.

ـ كونها تفتقد لأيديولوجيا ثورية أي الماركسية التي تقود طليعتها الثورية نحو بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي القادر على قيادة نضالاتها الثورية في اتجاه حسم السلطة السياسية والإقتصادية والعسكرية لصالحها.

وبقيت الطبقة العاملة المغربية مرتبطة أشد ارتباط بجذورها الفلاحية بالإرتباط بالفلاحون الصغار، نتيجة السياسات الإستعمارية خلال الإستعمار القديم التي عملت على فك البنيات الإقتصادية التقليدية بالبوادي التي أسفرت عن نشأة طبقة الملاكين العقاريين الكبار، بينما البنيات الإجتماعية والثقافية بقيت حبيسة نمط التفكير ما قبل ـ رأسمالي مما عمق التناقض بين البنيات الإقتصادية والسوسيو ـ ثقافية، بعد هيمنة الكمبرادور والملاكين العقاريين على السلطة السياسية والإقتصادية والعسكرية في مرحلة الإستعمار الجديد، وأصبحت الطبقة العاملة والفلاحون الصغار في تبعية تامة لهاتين الطبقتين السائدتين بالمدن والبوادي.

لقد استخلص لينين موقع طبقة الفلاحين الصغار في الثورة البروليتارية في فترة 1917 ـ 1921 خلال الحرب الأهلية التي كونت "أساس العلاقات الصحيحة بين البروليتاريا والفلاحين في روسيا السوفييتية"، في هذه الفترة القصيرة جدا والمليئة بالعبر النضالية الثورية بين طبقتين أساسيتين في الصراعات الطبقية ضد الرأسماليين والملاكين العقاريين الكبار تمت بلورة "التحالف الحربي" بينهما، مما دحض جميع أوهام البرجوازية الصغيرة عبر أحزابها الديمقراطية البرجوازية الصغيرة، وأكد لينين أن الإشتراكين ـ الثوريين والمناشفة ليسوا سوى "خدم الملاكين العقاريين والرأسماليين".

واعتبر أن هاتين الطبقتين بفضل "التحالف الإقتصادي" بينهما في دولة ديكتاتورية البروليتاريا باستطاعتهما القضاء على المجاعة بعد الحرب الأهلية، حيث أن "من دولة العمال، تلقى الفلاحون كل الأرض والحماية ضد الملاكين العقاريين وضد الكولاك، ومن الفلاحين تلقى العمال قرضا من المنتجات الغذائية، بانتظار بعث الصناعة الضخمة" كما قال لينين، وبذلك انتقلت هاتين الطبقتين من "التحالف الحربي" إلى مستوى "التحالف الإقتصادي" بروسيا السوفييتية مما غير الأساس الإقتصادي للدولة في ظل الثورة الإشتراكية بروسيا.

وقد عمل الإستعمار القديم بالمغرب على تحديث دولة الكمبرادور دون تجاوز مستوى وضعها في خدمة مصالح الإمبريالية، حيث ركز منظور الدولة القديمة بالبوادي عبر منح جزء من السلطة للإقطاع الذي يمثله رؤساء القبائل، الشيوخ، الذين اقتسم معهم الكمبرادور سلطته التي فرضت عليها الإمبريالية وصايتها، وذلك بتركيز نمط الإنتاج الرأسمالي التبعي على المستوى الإقتصادي والحفاظ على البنيات السوسيو ـ ثقافية القديمة ما قبل ـ طبقية، وبالتالي الحفاظ على مضمون دولة الكمبرادور التيوقراطي المدعوم بسيادة ثقافة القبيلة والعائلة التابعة للثقافة القومية العروبية الإسلاموية وإقصاء الثقافة القومية الأمازيغية.

ولم تستطع الطبقة العاملة المغربية التطور كطبقة مستقلة أيديولوجيا وسياسيا في ظل هذا الوضع الهجين الذي لم تتضح فيه مستويات الصراعات الطبقية، نظرا لكون البرجوازية الصغيرة الناشئة بالمدن قد سيطرت على المجال السياسي من منطلقات قومية دينية تتقاطع تابعة لأأيديولوجيا دولة الكومبرادور، مما ساهم بشكل كبير في عرقلة تطور الوعي السياسي الطبقي لدى العمال وتشكلهم كطبقة مستقلة أيديولوجيا وسياسيا عن الفلاحين الصغار، ذلك ما يمكن أن نستنتجه خلال حرب التحرير الشعبية ضد الإستعمار القديم التي تحالف فيها العمال والفلاحون الصغار في حرب ثورية، قادها بشكل كبير الفلاحون الصغار بالبوادي والعمال بالمدن في ظل عدم قدرة الطبقة العاملة على قيادتها في اتجاه حرب طبقية، مما وضعها في جعلها لم تتجاوز مستوى البعد الوطني القومي، مما سهل على البرجوازية الصغيرة السيطرة عليها سياسيا وتوجيهها لصالح دولة الكمبرادور.

إن من بين مهام الماركسيين اللينينيين الوحدويين المغاربة العمل على بلورة مفهوم الطبقة في أوساط العمال بالعمل على رفع الوعي السياسي الطبقي لديهم، من أجل تطورهم في اتجاه تشكلهم كطبقة مستقلة أيديولوجيا وسياسيا عن طبقة الكمبرادور والملاكين العقاريين الكبار، مع الحفاظ على مستوى التحالف الطبقي مع طبقة الفلاحين الصغار من أجل إعادة بناء التحالف بينهما في ظل شروط ثورية جديدة، تكون فيها الطبقة البرجوازية الصغيرة بعيدة عن تحالفهما الطبقي في اتجاه بناء الطريق الثوري الجديد، الذي يجب أن يتم فيه تجاوز المفهوم الوطني القومي للثورة إلى المفهوم الثوري الطبقي مما يتطلب بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي على أسس تتجاوز الثورة الوطنية الديمقراطية إلى الثورة البروليتارية الإشتراكية، تكون فيها الطبقة العاملة المغربية قائدة الحرب الثورية في ظل التحالف مع الفلاحين الصغار من التحالف الحربي إلى التحالف الإقتصادي من المنظور الماركسي اللينيني.