احتلال اللغة مؤشر الفساد والدمار والاقتتال


محمد بوجنال
2016 / 9 / 3 - 10:23     

احتلال اللغة
مؤشر الفساد والدمار والاقتتال
تقول القاعدة: القوى المسيطرة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا هي القوى المسيطرة لغويا.وفق القاعدة تلك، احتل الأب الرأسمالي العديد من دول العالم خاصة منها المسماة بالدول المتخلفة التي من أهمها الدول العربية حيث قام بتأسيس وتوجيه وتدبير مختلف مجالاتها بما يستجيب لمصالحه بعد أن قام باحتلال لغتها.فكان ويكون بذلك قد تمكن من خلق واقع ألغى ويلغي الواقع العربي الحقيقي. لقد تم حجب هذا الأخير الذي أحل محله الأب الرأسمالي، بدعم من حلفائه بالمنطقة،واقعا عربيا وهميا تمت صياغته وتعريفه وتحديده وفق لغة وهمية أو قل لغة، هي في حقيقتها، احتلالا واستعمارا لمختلف دلالاتها. هكذا، فقد أصبحنا، في عالمنا العربي، أمام ثلاثة أشكال وهمية للواقع العربي حجبت ، وما زالت، الواقع العربي الحقيقي.وإذا أخذنا المغرب كمثال نجد: واقع وهمي أول هو واقع الأب الرأسمالي، والمغرب كواقع ثاني الذي هو واقع البورجوازية الهجينة المغربية، وواقع ثالث هو واقع الجماهير. والواقع ذاك، في أشكاله الثلاثة يعتبر تزييفا، منه الواعي ومنه غير الواعي،للواقع المغربي الملغى. لذلك نقول أن المغرب ليس هو المغرب. وبلغة أخرى نقول أن الواقع قد خضع للإحتلال الذي خطط له الأول، وساعد على إنجازه الثاني، وذهب ضحيته الثالث. وفي كل هذا تم الاعتماد على العديد من الآليات التي من أهمها اللغة.
فاللغة هي الثالوث حيث تحايث/تفارق المتعين (=الواقع الحقيقي) واللامتعين(=الإمكان اللامتناهي) والعلاقة؛ وهي في كل هذا متخلصة من كل ما يناقض جوهرها؛ جوهرها الذي هو ذاك التحايث/ التفارق الذي يترجم بجدلية الحضور والغياب اللذين لا يمكن وجود أحدهما دون الآخر، أو قل الدائمين على السواء حيث غياب كل أشكال الاحتلال الذي هو نقيض جوهرهما. هذا المعنى رفضه ويرفضه الأب الرأسمالي وحلفائه دون نسيان سابقيه كالأب الاقطاعي،والأب السيد، والأب الديني اليهودي والمسيحي والإسلامي، لنصبح أمام لغة(=واقع) حدد معناها القوى المسيطرة بفصلها عن واقعها الحقيقي لتصبح لغة وهمية موضوعها واقعا عربيا وهميا؛ وبصيغة تركيبية، نقول أننا نوجد، في عالمنا العربي، أمام واقعين: واقع تمثله اللغة منفصلة عن واقعها، وواقع ملغى إلى حدود النسيان. إنها اللغة التي احتلتها القوى المسيطرة فأنستها حقيقتها وأصلها الذي هو البراءة والإبداع باعتبار ذلك جوهرها أو قل دلالتها اللامتناهية التي ترفض التزييف والاحتلال الذي مؤداه وهدفه إلغاء الواقع العربي الحقيقي والتأسيس لواقع عربي وهمي بديل تعمل على شرعنته وتجذيره اللغة الوهمية: فالدستور لغة،والقانون لغة، والبرلمان لغة، والفقه لغة، والدين لغة، والعادات لغة، والشهادات لغة، والأمية لغة،والحياة اليومية لغة، وبالمثل باقي المؤسسات. فكلها مجالات مصاغة بلغة محتلة منطقها لا يؤهلها سوى لتزييف واقع لن يكون سوى واقعا وهميا كما أرادته وتريده القوى المسيطرة. ومن هنا تتجسد تراجيديا ومأساة العالم العربي: فالمسرحية التي ليست سوى اللغة مجسدة فوق الخشبة(=الواقع العربي الوهمي) هي، وبالكاد، الواقع التراجيدي للشعوب العربية، بلغة استبدلت حقيقتها.