تونس : الحكومة الثامنة في كماشة التناقضات


محمد علي الماوي
2016 / 9 / 3 - 01:27     

تونس : الحكومة الثامنة في كماشة التناقضات
مقدمة
امام تصاعد الاحتجاجات وتواصل الغضب الشعبي اطلق السبسي مبادرة حكومة الوحدة الوطنية وفق نصائح المستشارين الاجانب ودون استشارة الشركاء في الحكم.وسارع الجميع كالعادة الى الترحيب بمثل هذه المبادرة بما فيهم الجبهة الشعبية التي عقدت الندوة السياسية الثالثة حضرها حزب المسار والجمهوري وحركة الشعب والتيار الديمقراطي واعلنت تبنيها الواضح لمبادرة السبسي وكونت تنسيقية وهيأة خبراء ومكتب اعلامي واستولى حزب المسار فيما بعد على ورقة العمل في اطار وثيقة قرطاج وهو الذي لايمثل شيئا بما انه غير ممثل في مجلس النواب.وبذلك ساعد المسار والجمهوري الائتلاف الحاكم على تبرير الخيارت اللاوطنية وشرعنة عودة النظام السابق اللذان يتظاهران بنقده والقبول ب"المصالحة الاقتصادية والاجتماعية" الذي كان المسار والجمهوري من اشد معارضيها.-قمة الانتهازية-

تتركب حكومة الشاهد التي حصلت على تزكية البرلمان ليلة 26 اوت 2016 ب 168 صوتا..من 40 حقيبة مقسمة على 25 وزيرا و14 كاتب دولة ووزيرا مكلفا لدى رئيس الحكومة. ، والى جانب الائتلاف الحاكم نجد حركة مشروع تونس والجمهوري والمسار وحركة الشعب وحزب المبادرة وحركة الشعب وحزب التحالف الديمقراطي وعنصر محسوب على الاتحاد-الطرابلسي- وآخر على الوطد الموحد-عبيد البريكي,انتهازي من اعلى طراز- رغم تقديمه كمستقل.
احتفظ يوسف الشاهد بتسعة اسماء من حكومة الصيد وهو عاشرهم كما تضم تشكيلته اسماء عديدة ارتبطت ارتباطا مباشرا بالتجمع الدستوري خاصة على مستوى كتاب الدولة.

وأكد يوسف الشاهد-رئيس الحكومة- في كلمته أمام أعضاء البرلمان في إطار الجلسة العامة الاستثنائية لمنح الثقة للحكومة الجديدة، أن مديونية الدولة بلغت في 2016 56 مليار دينار مقابل 25 مليار دينار في 2010 .
وأضاف أن المديونية تمثل 62% من الناتج المحلي الخام موضحا أنها ارتفعت بـ21 نقطة مديونية في 5 سنوات.
وأبرز الشاهد أن الحكومة كانت تتوقع أن يبلغ عجز ميزانية الدولة في 2016 بـ3.9% أي 3600 مليون دينار "غير أننا سننهي السنة الجارية بنسبة عجز تقدر بـ6500 مليون دينار".

ولوح من خلال كلمته في مجلس النواب بانتهاج "سياسة التقشف القائمة على تقليص مصاريف الدولة في قطاع الصحة والضمان الاجتماعي وتسريح آلاف العمال والموظفين اضافة الى الترفيع في الضرائب وايقاف الاستثمار العمومي والمشاريع التنموية والتصدي بحزم للتحركات الاحتجاجية والمطلبية واعادة قيمة العمل"
باختصار حكومة ثامنة ببعض الوجوه الجديدة للنفخ في الائتلاف الحاكم بعناصر وصولية وانتهازية مع الحفاظ على تطبيق توصيات النقد الدولي وتحميل ازمة النظام للفقراء عامة-هذه هي حقيقة حكومة "الوحدة الوطنية"التي هندس لها النظام الرئاسي حسب نصائح الدوائر الامبريالية.وستعرف هذه الحكومة معارضة جماهيرية واسعة في اقرب الايام لان الجماهير لن تقبل بسياسة التقشف ولان الرجعية الحاكمة نفسها تعاني من تناحر كتلوي لن يهدأ.
1- التناقضات صلب الائتلاف
يعتقد البعض ان حكومات اشباه المستعمرات مستقلة تتمتع بحق تقرير المصير في حين ان كل المعطيات تثبت انها حكومات تطبق حرفيا سياسة صندوق النقد الدولي وتتعهد فقط بايجاد الحلول محليا وفق تطور حركة الجماهير لتمرير مثل هذه السياسات لذلك فان التناقضات صلب الرجعية الحاكمة مرتبطة بمناطق النفوذ عالميا وجاءت حكومة الشاهد لتزعزع اتفاق باريس بين الشيخين-السبسي والغنوشي-بحيث سارع السبسي لكسب ود قطر والتصريح بان الاخوان لايمكن لهم ان يحكموا تونس وسارع الغنوشي عند احتفاله بعيد ميلاده في باريس بتقديم كل التطمينات للامبريالية الاوروبية ويتواصل الصراع بين السبسي الذي سيعتمد على اليسار الليبيرالي مثل ما فعل سابقا في اعتصام باردو وعلى قيادة اتحاد الشغل وما تشريك المسار والاتحاد العام التونسي للشغل عبر عنصرين الا دليل على ذلك كما سيواصل الغنوشي الاخوانجي تحريك الارهاب وحزب التحرير وقاعدته الاجتماعية للحفاظ على مواقعه باعتباره الحزب الثاني اول الاول في البرلمان.
وبذلك رغم التوافق الظاهري فان الحكومة لن تعرف الانسجام وستشهد من جديد تناحرا رجعيا الذي لاحت بوادره بعد زيارة الغنوشي للحوض المنجمي ولسيدي بوزيد هذا فضلا عن التهديدات التي اطلقها حزب التحرير بقع الرؤوس والايادي في صورة منعه من النشاط القانوني.
2- التناقض نظام - شعب
ان هذا التناقض تناقض اساسي يطبع مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي ولن يحل الا بالثورة التي ستقضي على الهيمنة الامبريالية والتخلف الاقطاعي وهو تناقض لن تقل حدته مهما حاول الائتلاف الحاكم ترميم صفوفه او تقديم التنازلات الوقتية او حتى الاستعانة باليسار الليبيرالي واتحاد الشغل لترويض التحركات وتمييع النضال الوطني.
انه تناقض بين الائتلاف الحاكم بكل مكوناته ومشتقاته غير الموجودة في السلطة حاليا وبين العمال والفلاحين وباقي الفئات المضطهدة والمتضرر من السياسات اللاوطنية واللاشعبية. انه تناقض موضوعي لايخضع لارادة هذا التيار السياسي اوذاك بل يحتد ويخفت وفق تطور حركة الجماهير وتجذر تجربتها لتبلغ مستوى ارقى اشكال الصراع الطبقي وتستطيع بفضل قيادة شعبية خوض الصراع المنظم ضد الرجعية الحاكمة.
ان مثل هذه القيادة غير موجودة حاليا ولاتمثل الجبهة "الشعبية" البديل كما تدعي القيادات الانتهازية للجبهة.فرغم وجود العديد من العناصر الثورية صلب الجبهة والتي من واجبها محاسبة قياداتها على الخط الانتهازي التي تنتهجه فان الجبهة تتمسك بالطرح الاشتراكي الديمقراطي الذي ينظر للانتقال الديمقراطي أي التعاون مع الرجعية لتحقيق بعض الاصلاحات وهي سياسة لاتخدم الشعب بل تساعد الرجعية على تأبيد الهيمنة والاستغلال.والجبهة حسب المعطيات المتوفرة مرشحة لمزيد الانقسام بما ان بعض الاطراف التحقت بالحكومة وبعض الاطراف الاخرى تنظم الندوات بهدف الاعلان عن منتدى سياسي.وهي بالتالي غير معنية بالمساهمة في حل التناقض امبريالية-شعب ولاتدعي ذلك بما انها تساهم عبر الانتخابات في ترميم النظام القائم.
ان القوى الثورية وحدها معنية بقيادة نضالات الجماهير التي لم تعد النقابات ولا الجمعيات التحكم فيها لان حركة الجماهير فقدت الثقة نهائيا في مثل هذه الاحزاب الوصولية لذلك على القوى الشيوعية ايجاد الخطط المناسبة من اجل تشكيل هيأة اركان قادرة على انارة النضالات الجماهيرية وتنظيمها استعدادا للمواجهات القادمة.
محمد علي الماوي
2 سبتمبر 2016