ليس الخطر في العودة وإنما في التنكر لحق العودة !


عصام مخول
2016 / 9 / 2 - 09:55     

أمام نصب ناجي العلي في وادي النسناس

ليس الخطر في العودة وإنما في التنكر لحق العودة !


أن نزيح الستار اليوم عن لوحة حنظلة وشعار : العودة أولا .. في حي وادي النسناس في الذكرى الـ 29 لاستشهاد ناجي العلي، وأن يتم ذلك في شارع توفيق طوبي في مدينة حيفا ليس أمرا مفروغا منه . . إن اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب السوري وقيادته الوطنية التي قامت على هذا العمل الوطني المليء بالمعاني تكون بذلك قد أضافت اختراقا نوعيا لحالة الحصار والاختناق الثقافي والتاريخي والحضاري الذي يريدون ان يدفعونا اليه منذ سبعة عقود. واللجنة الشعبية تستحق كل التحية والتقدير على مبادرتها المتميزة.
قبل ثلاثة أعوام وفي أعقاب معرض "حيفا من هنا انطلقت" "حررنا" ميدانا في الطريق المؤدي الى وادي الصليب ، كان يسمى ميدان "طلعة التحرير" (يعني تحرير حيفا) وصار اسمه رسميا بعد معركة سياسية وبلدية وثقافية مهمة: "ميدان البرج" نسبة الى برج السلام" الذي بناه ظاهر العمر ، باني حيفا العربية الحديثة التي يحاولون أن يطمسوا عروبتها وان يطمسوا هويتها وتحويل طابعها التاريخي يوما بعد يوم .
إن نَصَب حنظلة المنتصب اليوم في قلب وادي النسناس ، هو الحارس ، وهو الناطور الذي يقول : لن نسمح أكثر .. وانما سنجعل من شوارع حيفا وأحيائها العربية شاهدًا حقيقيًا حيًّا على جذور هذه المدينة ، وشاهدًا على موقعها الوطني ، وعلى أنفاسها الوطنية المكافحة، وهي التي ما توقفت عن الكفاح يومًا.





* ناجي العلي .. العودة أولًا .. وشارع توفيق طوبي !


هذا الثلاثي- ناجي العلي - والعودة أولا - وشارع توفيق طوبي، يحمل معنىً كبيرًا في هذا اليوم ويجب ان نتوقف عنده . لأنه يجب أن نذكر ويجب أن نذكِّر أن شارع توفيق طوبي (قيسارية سابقًا) ، وحي وادي النسناس خاض معركة مشرفة ، بقيادة توفيق طوبي وعصام العباسي ومن تبقّى في حيفا من عصبة التحرر الوطني عام 1948، وبشراكة بين الرفاق الشيوعيين العرب واليهود في المدينة لطرد جنود المنظمات العسكرية الصهيونية المنفلتة، العائدين مما ادعوه "حرب تحرير" ، وهاجموا الاحياء العربية عنوة ، ودخلوا بيوتها المفرّغة من أهلها، واحتلوها واستقروا فيها ، فما كان من توفيق طوبي ورفاقه إلا أن قاموا من قلب ركام النكبة وفي تحدٍ لمنطقها ، بتنظيم فرق من الشباب ، دخلوا البيوت المحتلة وقاموا بطرد الجنود بالعصي والاشتباك بالايادي ، والهتاف والحق والإرادة الوطنية، والتصميم الانساني الصادق ، ونجحوا في تطهير البيوت من الجنود بيتا تلو بيت ، لتدخلها العائلات العربية المهجرة من أحيائها، أو المنسية على أطرافها من دون أن تجد مكانًا تأوي اليه .
هذه هي معركة العودة الاولى ومعركة الدفاع عن البقاء التي انطلقت من هذا الشارع ومن هذا الحي العريق في حيفا العريقة.
ويرتبط هذا الحي، وهذا الشارع الذي عاش فيه توفيق طوبي، بمعركة البقاء ، وبمشروع "العودة أولا" في علاقة وطيدة مؤسِّسة عمرها عمر النكبة . فبعد احتلال حيفا واكتساح أحيائها العربية وتهجير السكان العرب وطردهم ، حين كان الجرح ما زال نازفًا ، ورائحة الموت والدمار تملأ أجواء المدينة وعملية التهجير ما زالت في أوجها، والميناء يغص بأهالي حيفا المقتلعين من بيوتهم ومن احيائهم العربية بسبب جرائم الهاغناه وتواطؤ جيش الاستعمار البريطاني، الذي قام بإغلاق كل المنافذ أمام السكان العرب المهجرين ولم يترك مفتوحًا أمامهم سوى الطريق الموصل الى الميناء ، نحو قوارب الترحيل ، والاقلاع نحو ظلمة اللجوء وظلم ذوي القربى ، في هذه الاجواء أصدرت عصبة التحرر الوطني في الثاني من أيار 1948 منشورا جرى توزيعه على الأهالي المتمركزين في الميناء في انتظار القوارب المقلعة ، وعلى النازحين من أحيائهم، ووزع في ميناء بيروت على اللاجئين من حيفا الذين سبق ونقلتهم قوارب الاقتلاع ، دعا الناس الى العودة الى مدينتهم وبيوتهم وأحيائهم والبقاء فيها مهما كان الثمن، فالتهجير هو أخطر الخيارات وأبهظها ثمنًا . وجاء في الفقرة الخاتمة للمنشور :
"إن نزوح الشعب العربي عن حيفا وقضائها، عن أرض آبائه وأجداده وتخليه عن أملاكه وأرزاقه وأعماله ، يسهّل على الاستعمار تنفيذ مؤامرته ويساعد على ابتلاع مصالح العرب في هذا البلد".
ويقول :"إن مصلحة عرب حيفا وعرب فلسطين تحتّم على سكان حيفا العرب الرجوع الى مدينتهم وإلى أعمالهم ومصالحهم ، إن مصلحة العمال العرب تقضي أن يعودوا ليحتلوا المراكز التي كانوا يعملون فيها ويرتزقون منها ، فلا يفسحون المجال للمنظمات اليهودية المتطرفة بتنفيذ سياسة احتلال العمل والارض.
إننا نهيب بمن نزحوا عن حيفا وقضائها من العرب الرجوع ليستمروا في نضالهم في سبيل وحدة فلسطين واستقلالها ."
وهذا ما تهيب به رسالة ناجي العلي واللجنة الشعبية وحنظلة وكل القوى الوطنية اليوم أيضًا منادية بشعار "العودة أولًا" من قلب وادي النسناس.
ويضيف المنشور : "يجب ألا ننخدع بتصريحات أولئك المأجورين الذين يستفيدون من مآسي الشعب العربي وآلامه لتثبيت أقدامهم وأقدام المستعمرين. لن ينقذ فلسطين خدّام الاستعمار وعملاؤه ، بل نضال سكانها المباشر في سبيل تحطيم قوى الاستعمار لأجل الحرية والاستقلال والجلاء" .
إن هذا الاستنتاج صحيح اليوم أيضًا.. ونحن نقول ما حدا يراهن اليوم أيضًا، على الرجعية العربية وعلى النظام الرجعي العربي .. حتى ولا على الجنرال العشقي والنظام السعودي !! لا تراهنوا على ان هذه القوى قادرة ومعنية ومستعدة لأن تقدم أي شيء من أجل تقدم الحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني وتجسيدها .
ويواصل المنشور :"إن ذلك الاستعمار الذي ساعد القوات اليهودية على احتلال حيفا وقضائها بمنعه عنها النجدات من الطيرة والقرى المجاورة ، ويسيطر في الوقت نفسه على حركات الجيش الاردني وسكناته ، لن يسمح لهذا الجيش باحتلال حيفا التي مكّن الوكالة اليهودية منها . فلنقف أمام الاستعمار ومؤامراته وأعوانه ولنوجّه ضربتنا الى صميم المستعمر البريطاني لأجل حرية فلسطين واستقلالها ووحدتها ".




* "المستأرخون الجدد" والسطو على التاريخ الوطني التقدمي لهذا الشعب !


أكثر من خيط يربط بين معركة حنظلة الفلسطيني على "العودة أولًا" ، وبين التاريخ الكفاحي للقوى الوطنية التي انطلقت من هذا الحي ومن هذا الشارع في أيلول 1948 ، تطرح مشروعها للعودة "أون لاين" من قلب النكبة ، من خلال وثيقة عصبة التحرر الوطني المعروفة بوثيقة توفيق طوبي مرة ثانية ، والذي يكتب فيها في هذه المرة:
"لا تزال الرجعية العربية تمني اللاجئين بالعودة السريعة ، وتهدد ب"الحرب" إذا لم يرجع اللاجئون، وكأن هذه الحرب لم تعلن إلا لتشريد أهالي فلسطين.!! ,, إن قضية اللاجئين هي قضية جميع عرب فلسطين، فإما رجوع الى الوطن، وإما اندثار المجتمع العربي الفلسطيني ... إننا نؤكد لأولئك الذين شردهم الاستعمار – المتآمر مع الصهيونية والرجعية العربية الخائنة أن من شردهم لن يتمكن من إرجاعهم... لن يرجع اللاجئون الى بلادهم نتيجة لمساومات استعمارية بين الرجعية العربية والرجعية اليهودية"..
إن وثيقتي أيار وأيلول 1948 اللتين صاغهما توفيق طوبي و"أهملهما" عن تعمد وسَبْق تزوير، بعض "المُستَأْرخين الجدد" الذي نشروا عن "النكبة والبقاء" ، تشكلان الجواب الفاضح لكل "المستأرخين" الذين جعلوا من أنفسهم أدوات في أيدي القوى الرجعية ، للسطو على التاريخ الوطني التقدمي والشيوعي ، وتشويهه والافتراء عليه وعلى رموزه التاريخيين. إن تقاطع شارع توفيق طوبي ونصب ناجي العلي وحنظلة الذي يخطّ : "العودة أولًا" .. تؤكد أن معركة توفيق طوبي ورفاقه في عصبة التحرر الوطني لمقاومة التهجير والنضال من أجل عودة اللاجئين منذ اللحظة الاولى ستبقى رأس الزاوية في كل قراءة للنكبة، "وأما الزبد فيذهب هباءً ".
* العودة جزء من المعركة على السلام !
ونحن نقول : إن مطلب "العودة أولًا" ليس موجهًا لاستفزاز أحد . وليس لتخويف الآخرين . نحن نقول : ليس لأحدٍ أن يخاف من العودة . فالعودة ليست مصدر الخطر.. إن التنكر لحق العودة هو مصدر الخطر الأمني والوجودي والاخلاقي الحقيقي للجميع هنا في هذه المدينة وفي هذه البلاد ، من اليهود والعرب سواء بسواء.
ولذلك ، فإن المعركة على حق العودة بالنسبة لنا ، والمعركة على عودة اللاجئين الفلسطينيين ذاتها هي جزء من المعركة لتحقيق السلام الحقيقي ، وجزء من النضال نحو تجسيد الحقوق ، وضمان الاستقرار والأمن والأمان والتطور لشعبي هذه البلاد. لا مكان للخوف والتخويف من الحل على هذه الأسس ولا مكان للمناورات لوضع مسألة حق العودة على الرف . ولا مكان لوضع معركة الشعب الفلسطيني من أجل ممارسة حقوقه القومية المشروعة على الرف ، بحجة الخلل في توازن القوى، والوضع غير المريح ، وبحجة الانشغال بالقضايا اليومية على أهميتها وبحجة "عدم الإثقال " على البنى السياسية القائمة !