معنى الوطنية


محمد علي الماوي
2016 / 9 / 2 - 01:16     

معنى الوطنية
يعمل الاستعمار الجديد من خلال وسائل الاعلام على تشويه و تحريف كل المفاهيم وإفراغها من محتواها الحقيقي وابتذالها ثم الركوب عليها لتحقيق مآربه السياسية وبذلك يتجرّأ الرجعي الذي باع بلاده ورهن الشعب على التشدق بالوطنية . فحزب الدستور او النداء يدعي انه وطني والنهضة تفعل نفس الشيء والفِرَق الانتهازية تزايد هي الاخرى بالوطنية وكل الاطراف تتاجر بالوطنية وتردد "فلا عاش في تونس من خانها"
لكن اين الحقيقة من كل هذا ؟ ومن هو الوطني الحقيقي ؟
فهل يمكن اعتبار من أمضى الاتفاقات وسن القوانين التي تبيع البلاد وتسمح للأجنبي بنهب الخيرات مع اعفائه من الضرائب وتقديم كل التسهيلات واغرق البلاد في التبعية والمديونية هل يمكن اعتباره وطنيا ؟ بالتأكيد لا
وهل يمكن اعتبار من خرب الاقتصاد الوطني بحيث ظلت الصناعة غير قادرة حتى على انتاج شفرة حلاقة بمفردها او دراجة هوائية واكتفى بتركيب قطع غيار مستوردة من هنا وهناك وسمسر في الاراضي الدولية ولم يحقق الاكتفاء الذاتي الغذائي رغم ان تونس كانت مطمور روما ، هل يمكن اعتبار هؤلاء وطنيين؟
وهل يمكن اعتبار من قمع شعبه واستعمل السلاح ضده وشرد الشباب وأحال اصحاب الشهادات على البطالة وطنيا ؟ وهل يمكن اعتبار من يكرس النظرة الدونية للمرأة رغم انها تمثل نصف المجتمع وطنيا ؟ بالتأكيد لا .
وهل يمكن اعتبار من تعامل مع الكيان الصهيوني ونصب مكاتب في تونس والكيان وطبّعَ فعليا مع العدو وطنيا؟
ان الوطنية اذا تعني اولا وقبل كل شيء حب الوطن فعليا والدفاع عنه ورفض كل الاتفاقات المخلة بالسيادة الوطنية واحترام الحرمة الترابية والمياه الاقليمية والتنديد بكل المعاهدات التي تسمح للأجنبي ان يرتع في البلاد وكأن البلاد بلاده : يستغل الموارد الطبيعية واليد العاملة بأبخس الأجور ويقرر التوجهات الاقتصادية والسياسية كما يفعل صندوق النقد الدولي الذي يملي على الحاكم الخيارات السياسية والاقتصادية مقابل منح القروض و إعانة الحكام على الخروج من الازمة على حساب قوت الطبقات الشعبية.
ان الوطني هو من يعمل على استقلال بلاده فعليا ويعمل على بناء صناعة وطنية و اقتصاد مستقل عن الدول الاستعمارية من خلال تطوير البحث العلمي وتشجيع المهندسين المحليين ويوفر الشغل للجميع والصحة المجانية والتعليم الاجباري المجاني والنقل المريح والمسكن اللائق....
ان الوطني هو من يعتمد على شعبه في كل المشاريع و القرارات وينهض بالفلاحة ويحقق الاكتفاء الذاتي الغذائي ويطبق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة ولا يثقل كاهل الشعب بالضرائب و يحاسب من يتهرب من الجباية..
ان الوطني هو الذي يعارض الثقافة الاستعمارية ويتصدى للشعوذة والفكر الخرافي وتخلف التقاليد القروسطية ويدعم الثقافة الوطنية التي تنهل من التراث العربي النيّر ومن الثقافات العالمية التقدمية .
ان كل هذه المفاهيم وغيرها متناقضة كليا مع السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يتبعها الحاكم العربي وهي سياسة ترضي المستعمر و تحقق مصالحه وتهمل مصالح ابناء الشعب.
وفي اطار تغطية هذه السياسة اللاوطنية و اللاشعبية تلجأ الرجعية الحاكمة الى رفع شعار "الوحدة الوطنية " وتنظم جلسات "الحوار الوطني " وتمضي "المواثيق الاجتماعية " وتشرك الاطراف السياسية الموافقة جوهريا على هذه الخيارات اللاشعبية وتطلق عنان الدعاية الرسمية لتنوه بوطنية الحاكم والاحزاب والمؤسسات وتخوّن كل من ينقد او يعارض هذه المسرحية التي تهدف في الحقيقة الى اعطاء الشرعية للحاكم من خلال سلب حق الشعب في تقرير مصيره بل انها تتقدم كالمدافع الوحيد والشرعي عن الشعب بحجة انها منتخبة "ديمقراطيا " .
وطبقا لهذه المقاييس والمبادئ العامة والتي سبق ان طبقت في كل البلدان التي انجزت ثورتها (وليس مجرد انتفاضة مثل ما حدث في بعض الأقطار العربية ) لا يمكن اعتبار الحاكم العربي وطنيا وبما ان صفات الوطنية لا تنطبق عليه فانه لا يمكن له ان يكون ديمقراطيا بما ان الوطنية مرتبطة بالمسألة الديمقراطية .وتشمل المسألة الديمقراطية قضية الارض والفلاحين وقضية المرأة والحريات العامة والفردية واذا نظرنا الي هذه القضايا فسنرى ان الحاكم فقّر الفلاحين وحافظ على النظرة الدونية للمرأة وسمح بالحريات في حدود القانون الرجعي.
لذلك فان كل من يشارك في مسرحية الانظمة العميلة ويزكي بصفة مباشرة أو غير مباشرة
"الحوار الوطني" ومعزوفة "الانتقال الديمقراطي ..."فهو يغالط الشعب ويضفي الشرعية على الاعداء ويبيض وجه العملاء .
وقد بينت التجربة في تونس انه رغم تعدد الحكومات منذ انتفاضة ديسمبر 2010 ان الاوضاع لم تتغير بل تدهورت على كل المستويات واصبح صندوق النقد الدولي هو الفاتق الناطق مع الحكومة الثامنة ليوسف الشاهد الذي لوّح من خلال كلمته في مجلس النواب بانتهاج "سياسة التقشف القائمة على تقليص مصاريف الدولة في قطاع الصحة والضمان الاجتماعي وتسريح آلاف العمال والموظفين اضافة الى الترفيع في الضرائب وايقاف الاستثمار العمومي والمشاريع التنموية والتصدي بحزم للتحركات الاحتجاجية والمطلبية واعادة قيمة العمل". فالوطنية تعني بالنسبة للحاكم تفقير الشعب وتجويعه ومنعه من الاحتجاج ,وجعله يدفع فاتورة الخيارات اللاوطنية التي قننت نهب البلاد وسلخ جلد العباد لكن تسير الرياح بما لاتشتهيه السفن اذ ستشهد المرحلة القادمة العديد من المواجهات لان الشعب سيواصل النضال من اجل تحقيق شعارات الانتفاضة.

محمد علي الماوي
1 سبتمبر 2016