خالد العبيدي و حسين كامل


منير العبيدي
2016 / 8 / 31 - 13:24     



ان يكون المرء سياسيا يعني ان يكون ذا وعي استباقي يدرك به مغزى الاحداث اسرع من الآخرين و يقود باتجاه تعزيز او كبح الحدث.. اذا ادرك المرء لاحقا ما ادركته الجماهير قبله فورا بحسها الغريزي فلن يكون عندئذ سياسيا.
ليس مهمة الكتابة في السياسة استعراض الحدث. لم يكن هذا ذا اهمية في اي وقت من الاوقات و لكنه بات اقل اهمية ، بل عديمها، في ظروف سيادة عصر المعلوماتية و توفر امكانية ان يجمع الشخص ما يشاء من معلومات خلال ساعات قليلة بما يعادل مكتبة كاملة ، المهمة التي تقع على عاتق المفكر السياسي ادراك جوهر الحدث و تداعياته و الامكانيات التي يقترحها و توعية الناس بذلك و تذليل الشكوك التي تثار هنا و هناك.
ليس مهمة المفكر السياسي الدعوة لحزب ما. الحزبية تكبل يد المفكر. ينبغي الانطلاق من اي حدث بموضوعية لخدمة جماهير الناس و ليس مصلحة حزب بعينه.
حينما حدثت واقعة و زير الدفاع في البرلمان العراقي كتبت مقالي الاول داعيا الى تعزيز فرصة فضح الفساد و محاربته بغض النظر عن الدوافع التي دفعت و زير الدفاع و رأيت في هذا المقال ان قيام البعض بتحليل دوافعه و التشكيك بها يصرف النظر عن جوهر الموضوع و يدعم معسكر الفساد. هناك الكثير من الوقائع التاريخية ستبدو عابرة و تافهة لو اخذت مجردةً عن ظرفها التاريخي و انها لو حصلت في ظرفين مختلفين فأنها أما قد تؤجج صراعا واسعا أو أنها في ظرف ثانٍ تمر بدون اي ذكر و ضربت على ذلك مثل دريفوس.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=527626
ليس السياسي منجما لكي يعرف أياً من هذه الحوادث قد تفجر صراعا حادا و لكن لكي يكون ذكيا عليه ان يلتقط التشكلات الجنينية للادراك الجمعي و ان يكون مستعدا لاي احتمال دون تسخيف الحدث و لا يوجد ما هو افضل من مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك و غيره كمرصد لميل و مزاج الجماهير. كانت اهم ملامح فضيحة البرلمان ان التفاف الناس مع وزير الدفاع ضد البرلمان ظهر عابرا للطائفية و يعطينا مرة اخرى الانطباع ان الجماهير تتقدم على ما يفترض انهم سياسيون في ادراك مغزى الحدث. السياسيون لدينا متخلفون جدا في افضل حالاتهم عن الوعي العام و هذا ما جعلني اكتب عند انطلاق المظاهرات في بغداد ان هذه الانتفاضة عملاق بدون رأس.
ان حادثة وزير الدفاع و اذلاله من قبل الساسة بما في ذلك ساسة الاحزاب التي تتظاهر ضد الفساد يدل على الحزبية الضيقة او الطائفية او كليهما معا و لكن ليس بحال من الاحوال مصلحة الشعب العراقي او الجدية في محاربة الفساد.
انها تذكرني ايضا بحادثة حسين كامل.
كنا في الداخل و تلقينا الخبر بترحاب كبير. كل الاحزاب السياسية انطلقت من ادراك قاصر لمغزى الحدث و وقفت موقفا شامتا و مشككا و ليس مرحبا ( اقصد الترحيب بالحدث و ليس الشخص) . هذه الاحزاب لم تكن تعاني ما كنا نعانيه في الداخل . كانت مغتربة كليا عن الواقع.
لم يكن التصدع المقترح بسيطا . كنا نعرف من هو حسين كامل. و لكن هذه المرة ايضا لم يكن المهم من يكون حسين كامل و ما هي امكانياته. كنا نعرف انه لا يعني شيئا بأي معيار و ليس سوى انسان جاهل ارتكب العديد من الجرائم بحق الناس و لكن كان مدلول الحدث يقودنا الى امر آخر : ينبغي الترحيب به من اجل المزيد من التصدع و ليس الاعراض عنه لكي يكون مثالا قاسيا لكل من اراد ان ينشق عن النظام . لاشك ان النظام قد تلقف اعراض الاحزاب عن الحدث بارتياح لانه اوصل رسالة الى كل قادة السلطة من عسكريين و مدنيين : "هذا مصير المنشقين، حتى اعدائي لن يرحبوا بكم" كانت الاحزاب تغلب انانيتها على مصلحة الشعب العراقي. الاحرى ان يصار الى تقييم الحدث بعيدا عن الكراهية. افضل السياسيين هم اولئك الذين لا تسدد الكراهية خطاهم انما الذين رغم الكراهية يتعاملون مع الحدث ببرود من اجل مصلحة شعبٍ اضيم كما لم يحصل لشعب آخر.
لم يكن غاندي يحب الانكليز و لكنه تعامل معهم ، لم يكن مانديلا يحب انكلترا و امريكا و رموز الفصل العنصر لكنه عفى عن المسيئين و تعامل مع نفس الجهات التي دعمت نظام الفصل العنصري انكترا و امريكا. الآن يقف امام البرلمان الانكليزي تمثال برونزي شامخ لمانديلا...
لم يكن الفيتناميون يحبون الامريكان و لكنهم يتعاملون معهم.
التاريخ يقدم لنا الامثلة و لكننا رغم ذلك لا نتعلم و لا ادري ان كنا سنتعلم!