ما معنى ثورة ؟


محمد علي الماوي
2016 / 8 / 30 - 16:39     

ما معنى ثورة ؟
اندلعت انتفاضة 17 ديسمبر 2010 في تونس واعتبرها الجميع ثورة فسارعت الرجعية الليبيرالية والدينية بالحديث عن الثورة كما هلل اليسار الليبرالي بانطلاق الثورة وراح يروج لضرورة استكمال مهام الثورة وهو ما يذكرنا بالطرح التحريفي الذي رفع شعار استكمال مهام الاستقلال عند حلول الاستعمار الجديد .
ركب الجميع على الانتفاضة وجرّدوها من محتواها الثوري والتفوا على شعاراتها ثم انخرطوا فيما سمي بالانتقال الديمقراطي والجمهورية الثانية الخ... واوهموا البعض ان الثورة قد حصلت ولم تعد مطروحة في جدول اعمال الثوريين بل المطروح هو "البناء الديمقراطي والاقتصادي والوحدة الوطنية" حسب الدعاية الرسمية.
ان الانتفاضة وإن كانت شعبية وعنيفة فهو تبقى انتفاضة عفوية لايمكن باية حال اعتبارها ثورة, ويدرك اليسار الانتهازي الفرق بين الانتفاضة والثورة لكنه بفعل انتهازيته يخلط الاوراق وينخرط في "الحوار الوطني" والوفاق الطبقي ويساهم في ادارة ازمة نظام الاستعمار الجديد وفي ترميم النظام .فما معنى ثورة اذا؟
ان الثورة هو الانتقال من تشكيلة اجتماعية الى اخرى نتيجة تطور التناقضات الاساسية التي تحكم المجتمع-التناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج وبين القاعدة الاقتصادية والبنية الفوقية وتهدف الثورة الى تغيير النظام الاقتصادي من خلال القضاء على علاقات الانتاج القديمة التي تعرقل القوى المنتجة لفائدة علاقات جديدة تحرر قوى الانتاج لكن لايكفي القضاء على هذه العلاقات القديمة بل يجب كذلك تغيير البنية الفوقية حتى تتماشى والقاعدة الاقتصادية الجديدة.
وتتجسد العلاقات القديمة في تونس وبقية الاقطار العربية في الخصوصيات التالية
- سيطرة الاحتكارات الامبريالية على أهم دواليب الاقتصاد في الصناعة والزراعة ويلعب صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة دورا محددا في رسم الخطوط العامة لهذه السيطرة و تكبيل الأقطار بالديون و فتح الأبواب للرأسمال الامبريالي.
- عدم وجود صناعة وطنية قادرة على توفير وسائل الإنتاج وضمان الاستقلال الاقتصادي. فالامبريالية تعمد إلى التقسيم العالمي للعمل فتستأثر بالصناعات الثقيلة التي تصنع وسائل الإنتاج وتدفع الدول المستعمرة وشبه المستعمرة إلى الاكتفاء بتركيز الصناعات الخفيفة والاستهلاكية والملوثة مثل الصناعات الصغيرة التحويلية والتركيبية هذا بالإضافة إلى أن الجزء الهام من هذه الصناعات نفسها موجه لخدمة السوق الامبريالية.
- ضعف مساهمة الصناعة في الدخل الوطني وتطور قطاع الخدمات على حساب الصناعة المعملية.
- تشغيل الصناعة الغذائية والنسيجية نسبة هامة من العمال الصناعيين.
- تحويل الأقطار العربية إلى ملحق للسوق الامبريالية وضرب الحرف والصناعة الوطنية والإبقاء عليها ضعيفة للغاية غير قادرة على الصمود أمام المنافسة العالمية.
- نهب خيرات الوطن والمواد الأولية والإنتاج الزراعي من قبل القوى الامبريالية التي تتمتع بكل التسهيلات المقننة بواسطة العديد من قوانين الاستثمار النهابة الخادمة للامبريالية( النفط و الغاز والفسفاط والحديد والقطن والحبوب والتمور والقوارص...)
- تركيز المناطق الحرة و المؤسسات الاحتكارية المعفاة من الأداء.
-فرض تبادل تجاري غير عادل وعقد اتفاقيات شراكة متعددة وخادمة للامبريالية تكبل الأقطار بالديون وتثقل كاهل الطبقات الشعبية.
- استغلال اليد العاملة بأجور منخفضة جدا .
- فتح القواعد العسكرية لمختلف الامبرياليات بالوطن العربي و منحها التسهيلات العسكرية البرية و البحرية والجوية و تنظيم المناورات المشتركة معها.
- العمالة السياسية و العسكرية و الثقافية للامبريالية.
- التخطيط باعتماد كل الوسائل لإبقاء الهيمنة عن طريق النظم الكمبرادورية الإقطاعية لقمع الجماهير و حركات التحرر الوطني
انها مميزات المجتمع شبه مستعمر اما الطابع شبه اقطاعي والذي يرتبط بواقع اشباه المستعمرات و يكرس العلاقات القديمة فيتمثل في
- المحافظة على أشكال الاستغلال الإقطاعي في المدينة و الريف.
- تشتت الملكية وسيطرة الإنتاج الصغير المعد للاكتفاء الذاتي مقابل احتكار الملاكين الكبار للأراضي الواسعة والخصبة.
-عدم انفصال المنتجين الصغار عن وسائل الإنتاج وبالتالي عدم تطور عدد السكان الصناعيين على حساب السكان الزراعيين رغم ارتفاع نسبة الحضر في بعض الأقطار.
- حجم السكان المرتبطين بالريف و العاملين في الزراعة يتجاوز %50 في اغلب الأقطار.
- تخلف أدوات الإنتاج ومحدودية المكننة وضعف استعمال الأسمدة.
- تدهور الإنتاج والإنتاجية وعرقلة القوى المنتجة بسبب العلاقات الإقطاعية .
- سيطرة الفكر الديني الاسطوري في المدينة والريف وتشجيع الأحزاب الظلامية إلى جانب المظاهر العشائرية والطائفية والقبلية وانتشار الأمية و تفشي الأمراض الاجتماعية.
- منع الجماهير الشعبية من ممارسة الحريات الديمقراطية كحق التعبير والنشر والتنظيم والتظاهر وحق الإضراب او السماح بها في اطار قانون دولة الاستعمار الجديد وفرض واقع الحصار العسكري والبوليسي.
- الاضطهاد المضاعف للمرأة فإلى جانب الاضطهاد الامبريالي تخضع المرأة إلى الاضطهاد الإقطاعي المقنن في العديد من التشريعات
ان الثورة تعني في كلمة القضاء على الهيمنة الامبريالية وبناء اقتصاد وطني وتركيز جنين العلاقات الاشتراكية في المؤسسات الكبرى وانجاز الاصلاح الزراعي مع تعصير قطاع الفلاحة وتطوير قطاع التعاونيات وتحويل البنية الفوقية خدمة لاهداف الديمقراطية الشعبية والاشتراكية.فهل حصل شيئ من هذا القبيل في تونس؟ بالطبع لا, لذلك لايمكن الحديث عن ثورة كما تفعل الانتهازية التي تغالط الشعب لتبرير مساهمتها في ترميم النظام القائم والتنظير الى امكانية حصول "الثورة" عبر التعامل مع اعداء الانتفاضة والمشاركة في انتخابات تتحكم فيها دولة العمالة وترسم قوانينها وحدودها.
لذلك فان قضية السلطة هي المشكل الاساسي لكل ثورة اي انتقال سلطة الدولة من طبقة الى طبقة اخرى غير ان الطبقات الرجعية لن تسلم السلطة بمحض ارادتها بل ستعمل المستحيل للبقاء في الحكم وإن اجبرت على ارتكاب ابشع المجازر والاستعانة بقوى استعمارية وبتطوّر الصراع الطبقي الى ارقى اشكاله تجبر الطبقات المضطهدة الى اعتماد العنف الثوري للتخلص من السلطة الرجعية.
ولتنتصر الثورة لابد من توفر الشروط التالية: -احتداد التناقض الاساسي الذي يشق المجتمع اي ازمة النظام الحاكم وتفكك اواصله وتدهور اوضاع الجماهير بحيث لم تعد الجماهير تقبل بان تسيّر وفق القوانين القديمة ولم تعد السلطة قادرة على الحكم بالطرق القديمة لكن هذه الظروف الموضوعية غير كافية اذ لابد من وجود عنصر ذاتي ناضج بلغ اقصى مستوى الوعي والتنظيم ومتسلح ببرنامج وعت الجماهير بضرورة انجازه .
غير ان مثل هذا الحزب الشيوعي لم ير النور بعد فاليسار الليبرالي ينظّر للتحول السلمي ويعيد الاعتبار لنظرية بوخرارين وكل التحرفيين المدافعين عن اطروحة المنافسة بين القطاع الاشتراكي والقطاع الراسمالي في اطار الدولة القائمة في حين ان تجارب الثورات الفاشلة على غرار ما حصل في المانيا سنة 1919 والمجر 21في مارس 1919يثبت دون لبس استحالة التحالف مع الدولة البرجوازية وامكانية تغييرها من الداخل وهي دروس استنتجها ماركس منذ كمونة باريس 1871
اما ما يسمى باليسار الثوري اي بعض المجموعات الشيوعية فهو يظل ضعيفا الى اقصى حد يتخبط في صراعات داخلية حالت دون بلورة خط بروليتاري ولم يبلغ بعد مستوى الاحتراف بما ان جل عناصره مستقرة اجتماعيا ومرتبطة بضغوطات المهنة والمشاغل العائلية والذاتية لذلك فهي بعيدة كل البعد عن صفات الثوري المحترف الذي يتنفس ثورة ولاهمّ له سوى المهام الثورية التي تسكنه ليلا نهارا.
وطالما لم تدرك العناصر الثورية اهمية الحزب الشيوعي –بحيث لم يتجاوز هذا الادراك المستوى اللفظي -ولم تجعل منها مهمة مركزية ولم تضبط الخطط المناسبة لتأسيس مثل هذا الحزب بحد ادنى من المستلزمات-طالما ظلت هذه المهمة مهمشة وانشغلت العناصرفي العمل اليومي بمعزل عن مستلزمات التاسيس فانه لايمكن الحديث عن ثورة ولا عن تنظيم الجماهير وجعلها تدرك عبر تجربتها الخاصة ضرورة البرنامج الوطني الديمقراطي كما لايمكن الحديث عن عملية بناء الحزب التي ستتواصل الى ما بعد افتكاك السلطة واعلان الجمهورية الديمقراطية الشعبية. فالتأسيس اولا مع اعداد مستلزمات التأسيس ثم البناء ومواصلة البناء.
فهل ستسخلص المجموعات الشيوعية الدروس من فشل التجارب الماضية وهل انكبت على دراسة مثل هذه التجارب لتحدد اسباب الفشل وتبني على انقاض الاخطاء والنقائص ام انها ستتجاهل تجارب العقود الماضية وتظل تلهث وراء الحدث ضحية نشاط وقتي وموسمي؟
محمد علي الماوي
29 اوت 2016