بحثا عن مشتركات


فريدة النقاش
2016 / 8 / 25 - 10:18     

قضية للمناقشة.. بحثا عن مشتركات

باتت الغالبية الساحقة من المصريين ترفض فكرة المصالحة مع الاخوان، وهي الفكرة التي تطرحها بعض القوي السياسية ومفكرون حسنو النية، وآخرون متواطئون مع التنظيم الدولي للاخوان الذي تسانده القوي الإمبريالية الرئيسية التي تراهن على دور للاخوان فى مشروعها لتقسيم المنطقة.
ويأتي الرفض الشعبي المتزايد لفكرة المصالحة نتيجة لمجموعة من العوامل على رأسها تلك العمليات الارهابية الخسيسة التي تستهدف استنزاف الجيش والشرطة انتقاما من الدور المجيد الذي قامت به القوات المسلحة حين انحازت بقوة لمطالب الشعب بعد الموجتين الرئيسيتين للثورة، وساهمت بعد الثلاثين من يونيه 2013 فى تخليص البلاد من حكم الاخوان الذي كان قد أخذ يدفع بها إلى نفق الحرب الاهلية تطلعا لتنفيذ مشروع الدولة الدينية واستعادة ما اسموه مجد الخلافة الاسلامية.
وازداد وعي المصريين بحقيقة مشروع “ الإخوان” مع تراكم المعرفة الواقعية انطلاقا من ممارساتهم الارهابية، وتكشف تاريخهم الدموي لقطاعات واسعة من المصريين بعد أن كانت معرفة هذا التاريخ حكرا على نخبة محدودة من الكتاب والباحثين. هذا فضلا عن التجليات المأساوية لأدوار الجماعات المسماة اسلامية فى بلدان الجوار من ليبيا لسوريا، ومن اليمن إلى العراق ومن باكستان لأفغانستان لتركيا، اضافة إلى الادوار المشبوهة للجماعات الارهابية التي تتوالد كالفطر فى أوروبا وكأنها مكلفة بوضع مشروع صراع الحضارات الامريكي المنشأ موضع التطبيق، وجر العلاقات بين الشعوب والثقافات إلى الوراء، وتأجيج نيران العنصرية والطائفية والنزاعات الدينية للتعتيم على عمليات النهب المنظم والاستغلال الوحشي للكادحين على الصعيد العالمي وفى كل بلد على حدة، بما فى ذلك حتي البلدان الاكثر تقدما وثراء، إذ أن التقدم العلمي والتكنولوجي وزيادة القدرة على الانتاج لم ينجحا فى القضاء على الفقر حتي فى الدول المتقدمة، كما يقول برنامج المشاركة الشعبية لحزب التجمع. تتضح المعالم الأساسية لظاهرة اليمين الديني وما يسمي بالإسلام السياسي، إذا وضعناها فى منظور عالمي باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات الثورة المضادة، متحالفة مع المشروع الامبريالى الذي يخطط للخروج من الازمة المستحكمة للرأسمالية العالمية بإغراق الشعوب فى الصراعات الدينية والطائفية والعرقية لتأجيل وتعطيل مشروع هزيمة الرأسمالية.
وبوسعنا فى هذا السياق أن نتفهم بشكل اعمق الادوار التي يقوم بها تنظيم الاخوان فى بلادنا ومنطقتنا، كما نتعرف على الاهداف الحقيقية لدعوات المصالحة مع الاخوان والتي من حسن حظ بلادنا أن الاغلبية ترفضها شكلا وموضوعا.
ومع ذلك فثمة مهمة على المستويين الفكري والثقافى على المثقفين التقدم لانجازها، ألا وهي البحث عن ارض مشتركة بين التيارات الفكر ية الرئيسية فى الساحة العربية والاسلامية، أي التيار الاشتراكي والتيار القومي والتيار الديني واخيرا التيار الليبرالي. فلكل من هذه التيارات الاربعة ممثلون على الصعيدين الفكري والسياسي ذوو نفوذ ولكننا نلحظ تقصيرا واضحا فى الجهد الفكري المطلوب منهم إذ انشغل معظم هؤلاء بالفكر السياسي وبالمواقف الآنية منصرفين عن الانخراط فى جدل فكري معمق حول هذا الهدف أي الارض المشتركة التي ستفتح الباب وحثها للتعايش الصحي الخلاق بين كل مكونات المجتمع بعيدا عن الضوضاء الدعائية الفظة التي تتأتي لا فحسب من عنف ممارسات اليمين الديني، وانما يضاف إلى ذلك أنه بسبب هذا العنف الاعمي لم تنجح موجات الثورة المتعاقبة فى إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات الموروثة من الازمنة السابقة، كما أن النصوص الدستورية التي تحصن الحريات لم يجر وضعها موضع التنفيذ.
وفى اطار تجديد أسسها وتحديثها لجأت الطبقة الجديدة من الماركسية وهي “الماركسية التحليلية” إلى المنابع الاولي لليبرالية ونهلت منها دون وجل، وأخذت تؤكد مفاهيم جديدة للديمقراطية والحريات العامة. بينما دأب مفكرون قوميون اصلاء على تحرير الفكرة القومية من الالتباس بينها وبين الفاشية والعنصرية، إذ كان مستحيلا على القوميين العرب أن يتصدوا للصهيونية فكرا وممارسة وهم يتبنون منهجها العنصري، ويدرك مفكرون قوميون هذه الحقيقة عمليا بعد أن وجهت الموجة الامبريالية الجديدة نيرانها ضد مفهوم القومية، والقومية العربية بشكل خاص لأنها تتناقض مع مشروعها ما بعد الحداثي القائم على تفتيت البلدان. وسوف نجد على الصعيد الفكري اجتهادات مهمة لمفكرين اسلاميين تأثر بعضهم بانجازات لاهوت التحرير فى أمريكا اللاتينية، وقدموا هم اضافات على صعيد تجديد الفكر الديني وبناء فقه جديد يلبي احتياجات العصر، ويحرر ممارسات بعض المتدنيين من نزعات التكفير والغاء الآخرين. وحدة الفكر الليبرالى الذي قبل بمطابقته مع الليبرالية الجديدة أو الرأسمالية المتوحشة هو الذي عجز عن إعادة النظر فى منهجه وآلياته مستبعدا- كما فى السابق- قضايا الكادحين من على جدول اعماله، ومنشغلا بحريات شكلية تستبعد من جنتها ملايين البشر.
يحتاج البحث عن الارض المشتركة الضرورية لبناء تحالف أو بالاحري توافق وطني واسع – وهو شيء آخر غير الدعوة المشبوهة للمصالحة مع الاخوان- يحتاج إلى مبادرات شجاعة من الاطراف المعنية الاربعة حتي يكون بوسعنا أن نضع اهداف وشعارات الثورة موضع التنفيذ عبر رؤية جديدة ستكون تعبيرا موضوعيا عن تنوع القوي التي انجزت الثورة واخذت تتعثر.