البوركيني: قد أتتكم فرنسا تعلمكم دينكم


محمد حسام الدين العوادي
2016 / 8 / 25 - 01:03     

تعالت صيحات الاستهجان والإستنكار كما احتدم الجدال في العالم الغربي وخاصة بين مسلمي فرنسا عندما قامت العديد من المحافظات الفرنسية بمنع ارتداء البوركيني في شواطئها.

البوركيني كلمة فرنسية يقابلها عندنا المايوه الشرعي أو لباس السباحة الشرعي. وهذا اللباس قامت باختراعه مصممة استرالية سنة 2004 [1]. وبالتالي فهو من أصول غربية ولم يخترع في مصر أو السعودية حتى نقول أنه لباس شرعي. هذا اللباس لاقى رواجا ونجاحا بين المسلمين لأنه سمح للنساء المحجبات بالترويح عن أنفسهن من حين لآخر عملا بقول الرسول: "روحوا عن القلوب ساعة فساعة فإن القلوب إذا كلت عميت".
ولقد قامت مؤخرا بعض السلطات الفرنسية بمنع ارتداء هذا اللباس التي تراه متناقضا مع علمانيتها التي جاهدت قرونا للوصول إليها. فهل لفرنسا الحق في منع ارتداء هذا اللباس؟ وإن فعلت فهل يحق للمسلمين استنكار ذلك؟ وحتى إن كان قرار فرنسا خاطئا فهل يجوز وصمها بالعنصرية وعدم احترام حقوق الإنسان؟

لماذا يستنكر المسلمون ويستهجنون أن تمنع فرنسا ارتداء هذا اللباس في حين أن فقهاءهم أصلا يمنعون ارتداءه؟ فلا يجوز أن تختلط المرأة بالرجال العراة في الشواطئ، وهذا اللباس لا يسترها سترا حقيقيا لأنه حينما يبتلّ يكشف عن مفاتن المرأة وعورتها. وللتأكد مما أقوله تكفي مراجعة الفتاوى [2] و [3] و [4]. فلو كانت المحجبة -حسب هذه الفتاوى- ملتزمة فلن تذهب للشاطئ إطلاقا لا في بوركيني ولا حتى في برقع. لذلك فإن فرنسا تقيكم شر الفتنة بأن تلزمن بيوتكن وتخاطبو الناس من وراء حجاب. إنها فرنسا أتتكم تعلمكم دينكم. أقتبس قولي هذا من الحديث المشهور
( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) رواه مسلم

من ناحية أخرى، حتى إن سلمنا بحق المرأة في أن تلبس ماتشاء، فنحن نعلم أن السباحة ممنوعة بالحجاب في معظم المسابح لأسباب صحية، وهذا نراه في النزل والفنادق في تونس وغيرها مع أنها دول إسلامية. فلما تحرمون على بلاد تقدس العلمانية أن تسن قوانين موجودة في بلادكم الإسلامية.
عندما منعت فرنسا فرنسا ارتداء الرموز الدينية سنة 2003 قال شيخ الأزهر أن لفرنسا الحق في ذلك، وبالتالي قال أن من حق فرنسا منع ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية. كما قال ان ارتداء الحجاب واجب النساء المسلمات غير ان بامكان أي دولة غير مسلمة ان تتبنى أي قوانين ترغب فيها. (راجع [5]).
فرنسا دولة شعارها liberté, égalité, fraternité بمعنى حرية، مساواة، إخاء ولو أضفنا شعار آخر سيكون laïcité أي علمانية. فرنسا بلد يقدس العلمانية لأنها تجري في عروقه الفكرية ويجب على كل من يعيش فوق أرضها ويستنشق هواءها أن يحترم مبادئها وشعارها. وإلا فما منعه من أن يتركها ويهاجر إلى بلاد المسلمين هذا لأنه قد ورد في القرآن "فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ". ما منعهم عن ذلك؟ منعهم ايثارهم للحياة الدنيا، إيثارهم للمساعدات الإجتماعية، هجرتهم لامرأة ينكحونها أو دنيا يصيبوها. وكأني بالحديث النبوي يتحدث عنهم عندما قال:
"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".


إنه من الإجحاف وصم فرنسا بالميل إلى اليمين المتطرف في وقت لم يفز اليمين المتطرف بجهة واحدة في الإنتخابات الجهوية الأخيرة. ليس العرب والمسلمون هم من سيعلم فرنسا معنى الديمقراطية وحقوق الإنسان اليوم، يَومٌ ليس فيه ديمقراطية واحدة في العالم العربي رغم أحلام الربيع العربي البديعة التي لم تحصد سوى الفشل في حين وصلت فرنسا لجمهوريتها الخامسة.
فرنسا التي أعيش على أرضها، وأتنفس هواءها، والتي أفتخر بانتمائي لها، أكبر من أن يهاجمها أشخاص لا يعرفون من أين بدأت الديمقراطية، وكيف نشأت حقوق الإنسان، ولا يعرفون فولتير وجان جاك روسو وديفيد هيوم. وأختم فأقول في باريس مما جادت به علي القريحة:


إنّي أحييكِ يا باريسُ في حَزَنٍ* و في مديحكِ ما للشعرِ إلجامُ

قد سال حبري أ باريسًا وحُقَّ لها* أن تكتبَ الشّعرَ في باريسَ أقلامُ

حسام العوادي
باريس في 24 أغسطس 2016